الخوف من (الإخوان) يشل أمريكا ومصر

منذ 2013-01-25

إن تركيع مصر، ووضع الرئيس وإدارته وحكومته تحت المقصلة هي الضمانة الوحيدة لوضع الرئيس بين خيارين إما الخبز للجوعى والخضوع لتل أبيب، أو "ثورة الجياع" التي يبشر بها إعلام "إسرائيل" من قلب مدينة الإنتاج الإعلامي.. مدينة صفوت الشريف "الكنز الإعلامي" لـ"إسرائيل"..


هذا عنوان التايمز، هذا الخوف له مبرراته بحسب المجلة الأمريكية، التي اتخذت هذا العنوان الصارخ لتقريرها..
لم ينشر التقرير الآن، لكنه نشر قبل عامين، وتحديداً بعد يومين من اندلاع الثورة المصرية..


حينها تحدثت المجلة بعبارات صريحة:
"إن الولايات المتحدة في موقف صعب حالياً، بسبب الأوضاع الموجودة في مصر، فواشنطن تجد نفسها محرجة أمام دعم مطالب فرض الديمقراطية في بلد حليف لها قد تنقلب الأوضاع فيه إذا وصل التيار الإسلامي إلى السلطة، وقد فاقم هذا التخبط إعلان تنظيم "الإخوان المسلمين" عزمه النزول إلى الشوارع لمواجهة النظام المصري".


بالطبع، كان الإخوان قد نزلوا لكن بشكل محدود وخافت ودون ضجيج، لكن حينما أحدثوا المفاجأة بنزول هادر أعقب فتوى قوية للشيخ يوسف القرضاوي يحرم فيها على كل قادر ألا ينخرط في المظاهرات (وقتها لم يقل أحد لماذا أقحم د.القرضاوي الدين في السياسة، بالعكس، امتطت القوى العلمانية "الفتوى"، وانتشروا حول المساجد في مسعى لحشد المصلين إلى الميدان؛ فلم تكن ثمة حملة "أنزلوهم من على المنابر" في الأذهان، لأن رواد المساجد باتوا يوظفون الدين في السياسة والثورة قد انطلقت، وكان مسموحاً للدين أن يتدخل في السياسة ما دام في مصلحة القوى العلمانية التي ظنت أنها ستعلن مجلساً ثورياً دون انتخابات ليحكم مصر لسنوات)..


نعود للتقرير، وعباراته الدقيقة..
تأملوا هذه جيداً..
قالت المجلة: "إن الدوامة التي دخلها البيت الأبيض في الموقف الذي يجب أن يعتمده حيال الوضع في مصر ازدادت حدة بعد دعوة تنظيم "الإخوان المسلمين" أنصاره إلى الانضمام للمظاهرات، فالولايات المتحدة معروفة تاريخيا بمدى "حساسيتها" تجاه التعامل مع الفصائل الإسلامية الطابع، وخاصة تلك التي دخلت أكثر من مرة في مواجهات مع القوى المتحالفة معها في المنطقة".
والقوى المتحالفة في المنطقة كثيراً، لكنها هنا تعني بالأصالة "إسرائيل" وما سواها من أنظمة ليست إلا خدم لهذه الحليفة..


ولكن عن أي مواجهات يتحدث التقرير؟!
يتحدث عن معركة كفار ديروم ـ التبة 86 ـ الفالوجا، في العام 1948 ـ أي بعد قرار تقسيم فلسطين بشهور ـ وغيرها من معارك الشرف والكرامة التي جعلت موشي ديان القائد العسكري الصهيوني البارز يقول حينها يقول: "إن الفدائيين يحاربون بعقيدة أقوى من عقيدتنا.. إنهم يريدون أن يستشهدوا ونحن نريد أن نبني أمة، وقد جربنا قتالهم فكبدونا خسائر فادحة؛ ولذا فنحن نحاول أن نتجنبهم".


يتحدث عن استمرار متطوعي الإخوان في معارك فلسطين فيما كانت الجيوش العربية تقفل راجعة تاركة الميدان للصهاينة، حينها قبلت حكومات الجيوش بالهدنة، بينما رفضها الإخوان، وقال مرشدهم العام الشيخ حسن البنا: "لا قبول للهدنة إلا بعد أن تدخل الجيوش العربية تل أبيب، وتطرد العصابات الآثمة من حيفا ومن يافا ومن عكا ومن طبرية، وترد المهاجرين من عرب فلسطين إلى ديارهم، ثم إذا قيل بعد ذلك هدنة فبها، وإلا فالقتال حتى نقذف بآخر جندي صهيوني إلى البحر، وتطهر فلسطين المباركة من هذا الرجس".

التقرير إذن يتحدث عن هذا، فلم ينسه الصهاينة أبداً للبنا ولا للإخوان.. لكننا نسيناه في زحمة الاستغفال والتغييب..


التقرير يتحدث عن هذا، حين أبرقت "إسرائيل" إلى الولايات المتحدة طلبا للنجدة، فجاءت بعد اجتماع "سفراء انجلترا وأمريكا وفرنسا في مدينة فايد في 11 نوفمبر 1948م وطلبوا من النقراشي باشا إصدار قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين ، فكما جاء في الوثيقة الممهورة بإمضاء الميجور أوبريان ماجور السكرتير السياسي للقائد العام للقوات البرية البريطانية في الشرق الأوسط، والمرسلة إلى رئيس إدارة المخابرات رقم (13) تحت رقم قيد: (1843/أي/48) يعلمه فيها باجتماع السفراء واتخاذ قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين عن طريق السفارة البريطانية، فرفع الكولونيل (أ. م. ماك درموث) رئيس المخابرات البريطانية هذا الأمر تحت رقم قيد (1670/ أ ن ت/48) إلى إدارة: ج. س.3 بتاريخ 20/11/1948م ليعلم حكومة الملكة بذلك، وفعلاً كلَّف السفير البريطاني النقراشي باشا باتخاذ الإجراءات اللازمة للحل، فأصدرت الأمر العسكري برقم 61 يوم 8 ديسمبر سنة 1948م، وبموجبه تم حل جماعة الإخوان" [نقلاً عن عبده مصطفى دسوقي، جهاد الإخوان في فلسطين.. شهادات ورؤى، الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين]..


التقرير أيضاً، يقصد فرع جماعة الإخوان المسلمين بفلسطين، الذي كان امتداداً للإخوان المصرية التي امتدت لغزة طبيعياً بحكم إشراف الدولة المصرية على قطاع غزة قبل "نكسة عبد الناصر".. الفرع الذي كان يقوده الشيخ الشهيد القعيد أحمد ياسين الذي استطاع في الأخير تحرير القطاع، وهزيمة الكيان الصهيوني أكثر من مرة به..


التقرير، يتحدث عن هذه الجماعة التي يظل وجودها خطراً على أمن "إسرائيل" مهما أبدت من "مرونة" ظرفية، لذا كان أمن "إسرائيل" حاضراً دوماً في سياسة مصر، وغفرت واشنطن كثيراً لمبارك كل خطاياه الداخلية لأنه جسّد، "الكنز الاستراتيجي لإسرائيل"، مثلما وُصف في تل أبيب بعد خلعه، ولم يكن كنزاً إلا لأنه كان يحد كثيراً من تحركات جماعة الإخوان المسلمين، فلما انفلتت من قيدها، ونجحت في الإفلات من محاولات إسقاطها المتكررة، عمدت قوى "إسرائيل " إلى إسقاط تجربة الإخوان في الحكم، منذ اليوم الأول لها، فانطلقت 4 مسيرات في اليوم الأول لافتتاح البرلمان وحاول بلطجية "ثوريون" اقتحام البرلمان والاعتداء على النواب حتى قبل أن يؤدوا القسم في مجلس الشعب، ثم لما فاز الرئيس، بدأت المطالبات منذ اليوم الأول، لسلطته وحوصر القصر مثلما حوصر البرلمان، ثم استهدف الشورى لما حوى نواب يحق لهم سن قوانين.. الخ.. فدارت المظاهرات ولم تزل حتى كتابة السطور حيث دار الإخوان لا غيرهم في أي موضع كانوا !!


نعم، إن قطع الطرق في مصر يفرح "إسرائيل"، وتفزيع المستثمرين يبهجها، وتهديد قناة السويس يسعدها، وإفقار المصريين وتبغيضهم في الإخوان هي أداتها لإسقاط تجربتهم التي في إسقاطها "أسمى أمانيها"..


أو حتى على الأقل؛ فإن تركيع مصر، ووضع الرئيس وإدارته وحكومته تحت المقصلة هي الضمانة الوحيدة لوضع الرئيس بين خيارين إما الخبز للجوعى والخضوع لتل أبيب، أو "ثورة الجياع" التي يبشر بها إعلام "إسرائيل" من قلب مدينة الإنتاج الإعلامي.. مدينة صفوت الشريف "الكنز الإعلامي" لـ"إسرائيل"..


نعم، هذه هي الحقيقة مجردة، بغض النظر عن الأدوات التي يتصرف كبراؤها بعلم، ويستجيب شباب لها بقلة وعي، وإذ لا يمكن وصف كل معارض للإخوان بأنه أداة صهيونية بالتأكيد؛ فإنه لا يمكننا أن نتجاهل أن يوم إسقاط الإخوان في مصر وحكمهم سيكون يوم عيد في تل أبيب.. وواشنطن.


فلا تحتفلوا معهم من قلب ميدان التحرير!!


13/3/1434 هـ