عفوا أحبائي.. أنا لست حزيناً

منذ 2006-02-16

أصارحكم يا أحبائي، أنني وإن كنت غاضباً حتى نخاع العظم على كل أمة الدانمرك، إلا أنني لست حزيناً ولا آسفاً..
ربما تسمعون أو تقرأون هذا الكلام لأول مرة، ولكن هذا طبعي وهذه طبيعتي، تلمس النور دائماً مهما حلك الظلام؛ فالظلام دائماً لا يشتد إلا بلحظات قبل بزوغ الأنوار.. هكذا أرى الدنيا، وهكذا أتجرأ وأطلب منكم أن تنظروا إلى الدنيا.

الغضب لا يفرح إلا عدوك..
وقرأت لأستاذنا الدكتور عيسى الأنصاري أنه سيعد كتاباً كاملاً يفضح فيه قناة الجزيرة. وأسفتُ، لا على الجزيرة، ولكن على الجهد الذي يضيع في فضح الجزيرة، ولن ينقلنا هذا خطوة واحدة للأمام؛ لأن الجزيرة إن كانت عميلة لا يهمنا، وإن هي سبّتنا فهو دليل على أننا شجرة مثمرة.

ثم إذا كان عدوك يريد أن يغضبك فلا تظهر له ذلك، فإن هذا بالضبط ما يريده، وسيذهب ويصب في قناة المحطة. إن حرفاً واحداً نكتبه عن الجزيرة مدحاً أو ثناءً إنما نشر وذيوع لها، أردنا أم لم نرد. لكم أود أن الدكتور يضع جهده وعلمه وخبرته في كتاب ينفعنا، ما يهمنا هو أن ننفع الأجيال والأمة.. ولا يهمني أن نفضح الجزيرة أو إسرائيل لأننا نعرف ذلك.. ولن يسمعنا على أي حال غيرنا، فكأنك تصب زيتا على النار، ولا نحترق إلا نحن!


وما أحلم به هو تماماً ما جرى مع الدانمرك، لقد أثبتنا أننا أمة عظيمة، ولم نندفع وراء غضب لا يفيد، ولكننا علمناهم درساً سيؤثر على حياة أي دانمركي وهو المقاطعة التي هببنا بها هبة شخص واحد.. هنا نسجل أننا أمة عظيمة، تعرف أن تحافظ على مصالحها وتدافع عن حياض دينها، وتؤثر بالفعل؛ لذا هنا أرى النور.

وأرى النور، بل تدمع عيني فرحة -والله- وأنا أرى كل فرد منا وكل فرد في أمة الإسلام يغضب بصوت واحد يزلزل الأرض، وكأن الدانمرك، من غير قصد، جمعتنا بقوة حول ديننا، وقتلت هذا التشاؤم الذي عشش في قلوبنا بأننا ابتعدنا عن ديننا، وأن غيرتنا عليه قد انحسرت، وإذا نحن بركان ممتد من جليد آسيا إلى صحاري وغابات أفريقيا.

هذا هو النور.. وإن لم يكن هناك نور غير ذلك فبالله عليكم دلوني إليه!

جاءتني رسالة من متابع من الأحباء يخبرني أن قريته هي عدة عوائل بقيت بعد أن رحل الجميع للمدن، وأن عندهم دكان صغير جداً ليس به إلا أربعة رفوف عليها بعض علب التونة وزيت الطبخ.. يقول إن الرجل البسيط الذي لا يتعدى محله بسطة يمد بها الواحد رجله، طلب من تلاميذ المدرسة المجاورة له أن يكتبوا له لوحة تعلن أن دكانه مقاطع للمنتجات الدانمركية.. وعلقها بفخر.

إن أثر الرفوف الأربعة التي تحمل علبتي تونة وزيت طبخ، ورفوف السلاسل العملاقة للتجزئة تحمل نفس فخر الموقف، ورسوخ العقيدة، وإعلان أن العبثَ معنا نتحمله في كثير من الأشياء، إلا ديننا، إلا حبيبنا وسيدنا محمد.

وعندما كتبت مقالة -هي "رسالة للسفير الدانمركي"- وأنا في الخارج، فاضت سيول من الرسائل حتى أني قضيت ساعات أرد عليها، وأحسست أني في قلب الجميع، وأن الجميع في قلبي..

أرجوك إذاً، لا تطلب مني أن أحزن.. بل أنا فرح باتحادنا حول ديننا.. وأن إيماننا هو شعلة الأزل..
ربما أحزن من أجل ما سيصيب الدانمرك.. ولكن هذا ليس من شأني!

المصدر: نجيب الزامل - جريدة اليوم