عزاء مصر

منذ 2006-03-24

بسم الله نبدأ وعلى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم نسير.

نُكِبَت الأمة الإسلامية بغرق ألف ويزيد من أبناءها في مياه البحر الأحمر في كارثة إنسانية لها مؤشراتها ومدلولاتها على مدى انحدار قيمة الإنسان في عالمنا المعاصر.

حضّ شرعنا الشريف على الحفاظ على ضرورات خمس منها النفس, بل أباح الشرع اللجوء إلى المحرم في حال الضرورة الملحة التي تعرض هذه النفس المسلمة للخطر, وزاد من تشريف الشرع للنفس المسلمة بأن جعلها أشرف وأعظم عند الله من الكعبة, ومع هذا التشريف وهذا التعظيم نجد ممن ولاهم الله مسؤولية هذه الأنفس كل الاستهتار وعدم المبالاة بهذه النفس وكأنها أحط من بعوضة فإنا لله وإنا إليه راجعون.

زهقت الأنفس نتيجة الإهمال والتواطؤ، سواء في كفاية الأمان أو سرعة الإغاثة أو حتى المعاملة بعد الموت.
تعرضت الشاحنة المصرية للغرق فلم يجد الركاب سوى قمصان رديئة لا تغني ولا تحمل ضمانات السلامة المتفق عليها، وما ذاكم إلا لتوفير دراهم معدودة هي الفرق بين قمصان النجاة السليمة التي تحمل معايير السلامة، وبين تلك التي وجدت على جثث الغرقى, وداهية الدواهي هي تلك الكتابات الأجنبية التي تعلو أدوات الإنقاذ والتي تخدم في الغالب طائفة من البشر قد لا يجيدون قراءة العربية، فضلاً عن غيرها من اللغات.

غرق من الناس من غرق، وانتظر من كان على قيد الحياة من ينقذه ساعات وساعات حتى غرق الباقي أو أشرفوا على الغرق.. فمن المسؤول؟؟؟

من المسؤول عن وجود قائد للسفينة لا يستطيع اتخاذ قرار سليم أمام كارثة محققة، كان بالإمكان تداركها لولا فشل هذا القائد في اتخاذ قرار سليم يضمن للناس سلامتهم, وبالطبع أولاً وأخيراً هذا قدر الله, ولكن هناك أسباب شرعها الله للحياة وترك الأخذ بها قدح في الشرع.

فبالله عليك أيها القارئ الكريم هل تجد سبباً واحداً تم اتخاذه لتلافي هذه الكارثة الإنسانية أم أن أرواح البشر أصبحت لعبة لا ثمن لها في أيد عابثة؟؟

حتى الجثث التي انتشلت لم يجد الغواصون من أسباب كرامة الآدمي حياً وميتاً إلا حملها في أكياس الزبالة -أعز الله القارئ- وتكتمل البلوى بتعطل ثلاجات الموتى بالميناء، فتُرص الجثث على الأرض عارية تشتكي إلى الله ربها من إهمال البشر وعبثهم وهوانها عليهم, فإنا لله وإنا إليه راجعون.

بعض رجال الإنقاذ مع أول سماعه للحادث هرع للمساعدة وتكريس إمكانياته الخاصة فيفاجأ بضرورة أخذ الإذن من الجهات الرسمية للملاحة، وضرورة جمع التوقيعات على السماح له بإنقاذ الغرقى!
وتزداد البيروقراطية، وتتعطل الجهود لتشتكي الأنفس لبارئها ممن أهملوها ولم يتركوا لمن أراد إنقاذها الفرصة وكأنها مؤامرة لتكتمل المأساة, فإلى الله المشتكى.

ثم أخيراً تشير بعض المقولات بجرائد عربية إلى أن الأمر مقصود وأنها مافيا تأمينات افتعلت الحادث للحصول على تامين خرافي مقابل هلاك عبارة قديمة غير صالحة ما كان لها بحال أن تحقق مبلغ التأمين فيما بقي لها من عمر افتراضي, لتأتي هذه الأنفس التي أزهقت لتشكوا إلى بارئها جشع البشر والله المستعان.

في القلب غصة.. ولا أجد ما أقول سوى التذكير بمقولة عمر رضي الله عنه: "لو أن بغلة بالعراق تعثرت لخفت أن يُسأل عنها عمر".

إلى أهالى الموتى..

لله ما أخذ ولله ما أعطى, فلتصبروا وتحتسبوا، أسأل الله أن يثيبكم في مصابكم ويثبتكم في بلواكم وأن يرحم موتاكم ويتقبلهم في الشهداء؛ فالغريق إن شاء الله من الشهداء يوم القيامة.
فأبشروا بخير لقاء تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان.

محمد أبو الهيثم
المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام