أهذا هو الحب؟!
الحب ... الكلمة السحريه عند الشباب، ماذا تعني ؟
إلى كل محب لفتاة.. إلى كل عاشق
لصبيّة.. إلى كل ذائب في هوى فاتنة.. إلى كل متيّم في كلمات امرأة..
إلى كل هؤلاء.. أهذا هو الحب؟!
قد كنت أتصوّر- وصححوا لي التصور إن كنت مخطئًا- أن حالة الحب التي
يعيشها المحبون من الفتيان والفتيات إنما تنشأ عنها حالة من الصفاء
والسلام النفسي والاستمتاع بنظرة متفائلة للحياة وللمستقبل, ويتولد من
التفاعل بها قوة دافعة من النشاط المستمر والعمل الدءوب والسعي في
الأرض وعمارة الدنيا؛ للوصول إلى إتمام حالة الحب وتتويجها بالارتقاء
إلى قمة الحب, ألا وهي تحقيق الزواج.
هذا على الأقل ما كنت أتصوره.. ولكن ويا للعجب, فالحب لغالب الفتيان
ما هو إلا حالة من اللعب والهزل، وفرصة لتضييع الوقت والتفاخر بعلامات
الرجولة بأن هذه التي استعصت على الجميع صارت فتاته, بينما هو للقليل
من الشباب حالة جادة من مقدمات اختيار الزوجة زوجة المستقبل, ولكن
للأسف على غير مقياس دقيق أو ثوابت معروفة, اللهم إلا مجرد الإعجاب
والحب والهيام المبني على الجمال جمال المظهر, أو على صفة واحدة لا
يرى الشاب غيرها ويغفل الكثير من الصفات, فلا مقياس ثابت ولا تصور
للمرأة والزوجة الصالحة للزواج ينبني على أصول واضحة صحيحة.
وعلى مستوى العلاقة الثنائية بين المحب وحبيبته فالحب ما هو إلا
مستخلص مركز وخليط من كل من التفاعلات النفسية الشديدة التي تبدأ
بموجات متعاقبة من النكد, والتشاؤم, وفقدان الأمل, وضيق النفس, وحالات
الاكتئاب المستمر, وهذا لا ينفي وجود أوقات تنتشي فيها المشاعر بحالة
من السرور المفاجئ والعنيف, ولكنها تمرّ كسحابة صيف ثم لا تلبث أن
تنقشع, ومن بعدها تبدأ سلاسل النكد الوراثية في العمل عند المحبوبة أو
الحبيب, وتتنوع مظاهره من أول الشك في كل كلمة ونظرة والتفاتة.. إلى
آخره, ولكن المحبين سيرون رأيًا آخر, إنهم يرون في هذا التوصيف لحالة
الحب ظلمًا وتعديًا وتجاوزًا شديدًا.
أيها المحب، أنت بالتأكيد -وأطالبك هنا بالإنصاف والعدل- لا تنكر معي
أن النساء من أعجب خلق الله تعالى في سرعة التقلب من حالة نفسية إلى
النقيض, وفي ذات الوقت مع سرعة التقلّب هناك شدة في هذا التقلب
والانقلاب, فهم -عدا القليل النادر- ينتقلون من أقصى اليمين إلى أقصى
اليسار في عواطفهن ومشاعرهن, فبينما هم في لحظة يغرقونك بالتصريحات
التي تؤكد أنك سبب سعادتها ومصدر بهجتها, وأنها من دونك تهون قيمتها..
إلى غير ذلك من كلمات الحب والهيام التي تتسبب لك في هذا الشعور
بالنشوة والسرور, إذا بها والحال كذلك تتذكر لك موقفًا أو كلمة أو
نظرة أو همسة، أو حتى من غير أي شيء مما سبق, بل من باب التأكد من صدق
مشاعرك فقط واستدرار المزيد من عطفك وحنانك ومحبتك, تنقلب المرأة
الحنون إلى صورة عابسة غاضبة تكشر عن أنيابها وتطلق العنان لغضبها,
وتقف أنت مذهولاً.. كيف يمكن حدوث هذا؟! كيف يحدث مثل هذا الانقلاب
العكسي التام في لا شيء؟! في ثوان معدودة؟!
وبينما أنت في خضم الدهشة والذهول تنطلق القذائف وتندفع الطلقات آمرة
وناهية, غاضبة وساخطة, تخبرك بجريمتك العظمى التي اقترفت, والكارثة
القاصمة التي نزلت بساحتك بناءً على ما اقترفت يداك. وتدخل أنت في
محاولات مستميتة لإزالة أسباب الشقاء والنكد والاعتذار عما لا تعلمه
مما ارتكبته, فكان سببًا في انفجار هذه الأزمة الدولية, وينفتح باب من
الجدال والنقاش يجعل المستمع يشعر كأن الحوار يدور حول مسألة نزع
أسلحة الدمار الشامل من دول الشرق الأوسط, وتغرق أنت عزيزي الشاب في
أطراف هذا النقاش وتفاصيله حتى تنجح في محاولاتك للخروج من هذا المأزق
الدولي والوضع المتفجر.
ولكن وأنت في طريقك للخروج, لا أريدك أن تظن أن هذا المشهد لن يتكرر,
بل الطبيعي أنك بعد أن تكون قد بذلت أقصى الجهد في الخلوص من سحابة
الغضب أن يتكرر هذا المشهد بعد أيام وليال على الأكثر.
المعنى المطلوب من خلال كلامنا ليس حالة التقلّب لدى من تحب وكيفية
التعامل معها, ولكن انعكاس هذه الحالة عليك أيها الشاب الذي ظننت أنك
بتكوين علاقة مع فتاة بصورة غير شرعية لا ترضي رب العالمين جل وعلا,
ولا أعني بذلك ارتكاب الكبائر بل علاقة حب صافية -كما يقولون-, لا تظن
أنك بذلك تحصل على لذة عظيمة ونعيم دائم مستقر, كلا بل هذه السعادة
المتوهمة لن تعدو لحظات ما تلبث أن تزول, لكن انعكاسات هذه العلاقة
على طريقة التفكير ونوعية الاهتمامات بل وطرق حل المشكلات عند شباب
الأمة ورجال الغد المرجو هي في حقيقتها انعكاسات في غاية الخطورة, إن
الانشغال الشديد بتفاصيل الكلمات والنظرات, والاستمرار في جو
المعاتبات التي لا تنتهي وتتجدد دائمًا, كل هذا يؤدي بلا شك إلى أن
يتربى الشاب على طريقة الجدل العقيم في حل المشكلات, ثم يتعود من قبل
ذلك على التعامل مع صغائر الأمور بتضخيم شديد, والنظر إلى السفاسف على
أنها كليات مسائل لا بد من بحثها واستقصائها والرد عليها, والاستدلال
على البراءة من الذنب فيها.
إن شباب الأمة عندما يتعامل مع الفتيات إنما يأخذ أحد منحيين, إما
شباب رومانسي حالم, غارق في بحار الرومانسية الخيالية والعاطفة
المتوقدة والمشاعر المتوهجة, باحث عن الحب العذري الطاهر, وآخر غارق
في الشهوات والانحراف والملذات, يخطط لتحصيلها, ويبحث عن طرقها, ويبذل
الجهد والمال للوصول إليها, ضاربًا بعرض الحائط كل القيم والمبادئ
والأصول والعادات, وبين هذا وذاك تتدرج المستويات العقلية الناتجة عن
حوارات الحب والهيام, من أول الإصابة بدرجة من الضعف في مستوى
التفكير؛ نتيجة لتفاهة النقاشات وكثرتها وتركيزها حول معانٍ غاية في
التفاهة, إلى النضج في الحوار المبني على مستوى عقلي رفيع, الناظرة
إلى الأمام الباحثة عن مصلحتها لا عن حظ نفسها, وقد كانت عبارة أحد
الشباب ممن دخل وأسرع بالخروج من قصة حب من تلك القصص أن الداخل إلى
هذا العالم لا يمكنه الخروج من الدوامة التي تجره إليه, وهو بذلك يجيد
تجسيد الواقع الذي يراه كل الناس وكل الشباب إلا الغارقون في بحار
أوهام الحب والهيام.
إن الحب الحقيقي هو الحب المبني على الفهم العميق من كلا الطرفين
لبعضهما, واستيعاب كل طرف لصفات الطرف الآخر حسنها وقبيحها, ثم تعامله
مع هذه التركيبة المتداخلة من الصفات بالسلب والإيجاب, وهو في ذلك
يطبق حديث النبي صلي الله عليه وسلم وهو يعلّم المتحابين أن يتعاملوا
مع بعضهم بناءً على فهمهم لصفات كل منهم للآخر حيث قال: 'لا يفرك مؤمن
مؤمنة؛ إن كره منها خلقًا رضي منها آخر', فلا يبغض مؤمن مؤمنة بناءً
على موقف أو مشهد, بل ليضع أمام ما يغضبه موقفًا يفرحه ويسعده حتى
تسير السفينة ولا يتوقف الركب, إن هذا النوع من الحب هو النوع الذي
يدوم ويستمر ولا يزول بالأزمات العابرة أو المواقف المتأزمة, إن هذا
النوع من الحب هو الذي يرتقي بفكر الإنسان وينمّيه ويرتفع فيه كل طرف
عن تأصيل الأنانية في الحب, بل يتحقق فيه البذل والعطاء بلا مقابل,
فحقيقة الحب العطاء, ولكنك ترى في عالمنا المعاصر المتطور فهما جديدًا
للحب؛ إنه بحث كل طرف عن حقه قبل أدائه لواجبه, وواجب كل طرف أن يحصل
على حقه بأن يثبت الطرف الآخر له أنه يحبه وهي دائرة بالطبع لا
تنتهي.
إن الحب الذي تعيشه، عزيزي الشاب، ذاك المبني على كلمة حلوة أو منظر
جميل أو نظرة لافتة أو حتى ملبس مميز, كل هذه المواقف التي ينشأ عنها
انفعال ما يعتبره الشباب حبًا, ما هي في الحقيقة إلا تعميق لخصلة
الأنانية, إنها علامة فارقة على أن الشخص إنما يحب ذاته, وأعظم ما يدل
على ذلك أن معظم الخلافات التي تدور بين الطرفين اللذين يجمعهما ما
يريانه حبًا سترى أنها لا تكاد تخرج عن كلمة قيلت فلم تغفر, أو نظرة
لآخر تم التعامل معها بالشك والارتياب, أو ليّ للعنق ولوم على سوء
معاملة ليس مبعثه سوءًا حقيقيًا في المعاملة, كلا.. بل مبعثه ليس إلا
استدرار المزيد من العطف والاهتمام, أهذا هو الحب؟! كلا.. لا أظن ذلك,
إن كان هذا هو الحب فبعدًا لحب لا يجلب إلا الهم والمشاكل والصداع,
الحب أنس تأنس به النفوس, وواحة يفيء إليها المرهقون من عناء الدنيا
وهمها, الحب راحة نفسية وسكون داخلي وتآلف مع النفس والكون, الحب لذة
تملأ قلوب المحبين, لا عبوس يغطي وجوههم, ولا نكد يظلل حياتهم, ولا
توجس من سوء المعاملة وانقلاب الطباع ما بين عشية وضحاها, فكن صاحب
العقل الحكيم, ولا يغرنك ما تسوله لك نفسك من جميل الصفات وعظيم
المزايا, فإن نكد الحياة كفيل بقلب الحياة إلى جحيم ولو في عقر
الجنان, فأنجاك الله من كل ما يغضبه ويجلب الضنك إلى حياتك ورزقك,
ورزقنا بالحب الصافي الخالص المبني على رضوان الله, فهو والله جنة
الدنيا قبل جنة الآخرة.
إن الله تعالى يقول في محكم التنزيل: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ
لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } [طه:124], ومن أعظم صور المعيشة
الضنك, وأشدها أثرًا على صحة العبد وانشغال باله: سوء المعيشة في
النزل والسكن, ودوام التنغيص في أدق أمور الحياة. فقد جعل الله تعالى
المرأة لباسًا للرجل وسكنًا لروحه وقلبه ونفسه, وأنى لها أن تكون كذلك
ما لم تكن منقادة لأمر الله تعالى مؤتمرة بشرعه, سعيدة باتباع هداه,
مستمتعة بأداء وظيفتها التي خلقها الله تعالى من أجلها, فهنيئًا لصاحب
الحياة الطيبة ومتذوق الحب الحقيقي, فلمثل هذا الصابر حتى ينال الحلال
أعد الله تعالى جنة الدنيا وهي المرأة الصالحة, وأناله الله سعادة
وسكينة النفس وطمأنينتها, وضمن له الشعور باللذة الرفيعة للحب الصادق
الذي يقوم على العطاء لا الأخذ, والتضحية لا الأنانية, والإيثار لا
الأثرة.
حفظك الله من كل سوء وشر, ورزقك خير الدنيا بحذافيره, وحفظك من شرها,
وجمعني الله بك وبمن نحب في الدنيا على طاعته, وفي الآخرة تحت ظل عرشه
اللهم آمين.
- التصنيف: