الزرقاوي بين الواقع والأسطورة

منذ 2006-06-11
{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً}

في زرقاء الأدرن ولد أبو مصعب الزرقاوي، في ربوع الشام، يستنشق غبار قذائف العدوان على أهل فلسطين، ويتوقد وجدانه بقصص التضحيات، ويتزكي فؤاده بعبير الشهداء، ويتقد ذهنه على ضعف أمته وامتهان كرامتها.

وكأي شاب عربي ينشأ وقد تفتحت الأعين على مناظر القتلى والجرحى في فلسطين وأفغانستان والشيشان، ينظر إلى خريطة الأرض فلا يجد موضعاً منها إلا ويئن فيه جرح مسلم وتثغب فيه دماء الشهداء.

حكوماتٌ ضعيفة صنيعةُ استعمارٍ لا تقدم ولا تؤخر، وغرب كافر مجرم لا يرقب في مسلم إلا ولا ذمة، وأمة ثكلى بين شهيد وسجين ومضطهد، والبقية تعاني الفقر والجوع والتخلف لصالح شرذمة باعت دينها بدنياها وأرضت عدوها وأغضبت مولاها.

ووسط هذا الزخم الهائل من الضعف يزداد العدوان ضراوة وتزداد الجراح أنيناً بجرحٍ جديد يولد في وسط الأمة وعروس العروبة، وموطن الخلافة وعبق التاريخ، في بغداد الجريحة.

يهب الأبطال من كل حدب وصوب للذود عن حمى الإسلام ويثب أسد الجهاد لصد العدو الغاشم الغادر، ولكن تكتمل المؤامرات وتقدم بغداد على طبق من فضة لعدو نجس دينه العهر وثقافته الجنس، ليعيث في الأرض فساداً فيسفك الدماء بدم بارد، وينتهك الحرمات والأعراض، ولا يكتفي بذلك بل ويعرض عورات المسلمين على العالم لتكون مادة دسمة وشهوة رخيصة ومتعة قذرة يستمتع بها شواذ الأرض.
ينتصب أبو مصعب كغيره من شباب الإسلام للدفاع عن دينه وعرضه المنتهك في أبي غريب وغيره، ويحمل الراية للدفاع عن أمته وعن عرضه، حتى يسقط في الميدان مقبلاً غير مدبر، معتذراً لربه ومولاه عن كل من باع دينه بدنياه، وعن كل خائن رمى نفسه في أحضان عداه.

رحم الله أبا مصعب وأسكنه في جنان الخلد وسقاه من يد نبيه شربه هنيئة لا يظمأ بعدها أبداً.

هذا هو الزرقاوي باختصار.

أما أسطورة الزرقاوي التي صنعتها أمريكا ثم صدقتها وأرادت أن يصدقها العالم، فهي والله داهية الدواهي، تقتل أمريكا الأبرياء ثم تقول الزرقاوي، تفجر الأموات والأحياء ثم تقول فعلها الإرهابي، ثم تأتي الأدلة من سنة العراق وشيعتها بأن أمريكا هي صاحبة التفجيرات في أوساط المدنيين، وهي التي تثير الفتن والقلاقل، ولكن من باع نفسه لأمريكا يقدم قرآنها على كل قول.

ومنهج أهل الإسلام في تصديق الأخبار أو تكذيبها بأننا نقبل خبر الثقة العدل تام الضبط، ولا نقبل خبر الكافر والفاجر، فما بالنا بالكافر الحربي الحاقد، وأذنابه ممن باعوا دينهم بدنياهم؟!

فلا نصدق خبر أمريكا وأعوانها عن الرجل بل يظل عندنا على حسن الظن به حتى نتيقن.
خاصة مع اعتقادنا واعتقاد المسلمين بحرمة الدم المسلم، فهل يعقل بأن رجلاً ذهب ليبيع نفسه لله، فيقتل المسلم بدلاً من الكافر المعادي، هذا ليس منهجنا. وإنما منهجنا الدفاع عن الحق وأهله ومقاومة المجرم المستعمر والولاء لكل مسلم يشهد شهادة الحق، هذا منهجنا ولا أظنه ببعيد عن اعتقاد أبي مصعب رحمه الله وما نظن به إلا خيراً.
وإن كان الرجل قد اجتهد وأخطأ في بعض أفعاله فلا نشاركه في خطأه ولا نرميه بالتهم فعساه قد نال أجر اجتهاده رحمه الله وأجزل له العطاء.

إن أمة الإسلام قاطبة تقر بحق الشعب العراقي في الدفاع عن نفسه، وقد صرح شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي في برنامج البينة يوم الخميس 12/5/1427هـ على قناة اقرأ بأن المقاومة حق مشروع للشعب العراقي ولكل شعب مسلم اعتدي عليه واجتيحت دياره وسفكت دماءه وانتهك عرضه، وهذا بالضبط ما فعله المجاهد الزرقاوي رحمه الله دافع وقاوم مقاومة مشروعة، واجتهد في مقاومته خاصة وأن الديار قد انتزعت منها كل الرايات وبقيت صلقعاً بلقعاً خاوية من أي راية، فإن اجتهد الرجل واخطأ فمن ذا الذي يصيب دائماً.

والعجب العجاب أن أمريكا وأعوانها الرافضة قد صنعوا من الزرقاوي أسطورة حية وأظهروا الرجل كأنه عدوهم الأوحد وأن الزرقاوي هو المقاومة وأن المقاومة هي الزرقاوي، وهذه عادة أمريكا في صناعة الأعداء، وتضخيم حجمهم حتى تضخم من انتصاراتها والحق الأبلج أن الزرقاوي مجاهد من مجاهدي المقاومة مثله الآلاف من أبناء العراق الصامد، فلن تموت المقاومة بموت الزرقاوي وإنما ستحيا المقاومة ما دامت الدماء تنبض في عروق مجاهدي العراق وما انتصرت أمريكا بموت الزرقاوي ولن يكتمل لها انتصار إلا بموت آخر مسلم على وجه العراق وهذا لن يكون بإذن الله.

يا أمة الإسلام أزفُّ إليكِ شهيداً جديداً بإذن الله من أبناءك قدم روحه فداءً لحياتك، فنسأل الله أن يحييه حياة السعداء في جنان الخلد بين أحضان الحور، ويا أُسْدَ الإسلام أزف إليكم استشهاد أسدِ ذاد عن عرينه فما وهن وما استكان وإنما باع نفسه لله والله اشترى، فأكملوا الطريق واستردوا مجدكم السليب وطهروا من ذاكرة الأمة أحداث أبو غريب.

إن دم الشهيد نورٌ يهدينا الطريق ونار تحرق أعداء الإسلام وتسري في عروق المجاهدين، لتثور دماؤهم في وجه أعدائهم لتغرقهم أرضنا وتحرقهم سماؤنا.

يا أُسْدَ الإسلام تمسكوا بكتابكم وبسنة نبيكم وجاهدوا أعدائكم وارجعوا إلى علمائكم فهم نجوم في سماء الأمة اقتدوا بهم وارجعوا إلى فتاواهم، حتى يصح جهادكم واعلموا أن قلوب المسلمين معكم، ولا تغرنكم دعاية المدعين وكيد الكائدين فالأمة من خلف كل مجاهد يرفع راية الإسلام ويذود عن حمى المسلمين.
محمد أبو الهيثم