الشريعةُ الآن ..

منذ 2013-07-26

ما فائدة الإسلام لو لم يكُن له قانون يحكم الحياة و ينظمها ؟ و هل الدين إلا نظام حياة ؟!. هل تظن أخي أن الدين شعائر تؤديها بينك و بين ربك و حسب ؟ لو كان الدين هكذا ! فلماذا في داخل شعيرة الصلاة نفسها تسأل اللهَ أن يهديك إلى الحياة في ظل الشريعة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) !!


الحمد لله الذي خلقنا فشرع لنا ما ينفعنا ، و الصلاة و السلام على المبعوث بالهدى المبين على الصراط المستقيم يحملنا .. ثم أمَّا بعد .. الشريعة ... كلمة عربية تعني : الطريق المستقيم ! و معنى الطريق المستقيم لا يغيب عن ذهن أي مسلم يؤدي فروضه الخمس ! فالمسلم يسأل الله 17 مرة كل يوم على الأقل أن يدلّه على هذا الطريق المستقيم فيقول (اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) [ الفاتحة 6 ] ! إذًا كل مسلم يسأل اللهَ أن يحيا في ظل شريعته و أن يهديه اللهُ لنطبيقها في نطاق ولايته في بيته و عمله و مَنْ تحت يده ! فلماذا ينبُت أصلا ذلك الخلاف العجيب ؛ حول وجوب تطبيق الشريعة من عدمه ؟! و كيف يسأل مسلم أن هل الشريعة ملزمةٌ أم يسعنا أن نطبق غيرها من القوانين الوضعية الغربية و الشرقية أو ما يحلو لنا من قوانين ؟! كيف تسأل اللهَ 17 مرة في اليوم أن تحيا في ظل الشريعة .. ثم تخشى تطبيقها ، أو ترى تطبيقها غير مناسب الآن ، أو ترى في تطبيقها الضرر و الهلاك ! لماذا تسأل الله إذًا أن يهديك إليها ! بل لماذا تصلي ؟ بل لماذا تقول أنك مسلم ؟!.


ما فائدة الإسلام لو لم يكُن له قانون يحكم الحياة و ينظمها ؟ و هل الدين إلا نظام حياة ؟!. هل تظن أخي أن الدين شعائر تؤديها بينك و بين ربك و حسب ؟ لو كان الدين هكذا ! فلماذا في داخل شعيرة الصلاة نفسها تسأل اللهَ أن يهديك إلى الحياة في ظل الشريعة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ) !! إن الشريعة هي الطريق المستقيم الأوحد ؛ الذي ينبغي أن نسير فيه جميعا !و لا طريق مستقيم غيره ! فمن سلك غير طريق الشريعة ضلّ في تيه الجاهلية و ظلام رُكام الباطِل المُدلهم .. و سأحدثك عزيز القاريء .. حديث القلب للقلب .. عن بعض مخاوفك ! نعم مخاوفك أنت ! تلك التي ربما تصدك عن السعي لتطبيق قانون الله ! (1) هل تخاف من احتلال مصر أو الفوضى ؟ ربما تستمع في برامج التوك شو ، أو تقرأ في الجرائد ، أو تتابع على الفايس بوك ، أو حتى تستمع إلى شيخ على المنبر ؛ يخوفك من تطبيق الشريعة و يقول بأنه سيجلب علينا عداء الغرب و الشرق و ربما تحولت بلادنا إلى خراب و دمار و ربما قتل أولادنا و اغتصبت نساءنا أو ترملت ! ربا تخشى تلك التصريحات التي تُطلقها أمريكا ! بل ربما قرأت و شاهدت أن أمريكا أدرجت منظمة ما أو شخص ما على قوائم الإرهاب و صار رأسه مطلوبا و رُصد لمن يأتي به ملايين الدولارات .. لا لشيء إلا لسعيه من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية ! و كل هذا الذي تسمعه يجعلك تخاف من الشريعة ! لا لأنك ترفض الشريعة نفسها ؛ و لكن لأنك تخشى العواقب و تريد العيش في سلام و أمان بعيدًا عن الاحتلال و رزاياه و آمنا من الاضطهاد و العسف ! هل تظن أن هذه الفظائع لا تحدث في مصر الآن حقا بالفعل ؟!. هل ترى أن أحدا في مصر آمنٌ الآن من هذه الفظائع التي تشمل القتل و الاغتصاب و السجن في أي وقت و في أي مكان ؟!. هل تظن أننا نعيش في عالم مثاليٍّ خالٍ من البلايا و الجرائم و أن تطبيق الشريعة هو الذي سيجلب علينا المرار و الدمار ؟!. تعال أحدثك قليلا بلغة الأرقام ... إن متوسط ضحابا الحوادث المرورية في مصر سنويا هم 12 ألف قتيل و 150 ألف مصاب ( )! و في عام 2012 ارتُكِبَت 92 ألف جريمة خطف و اغتصاب و قتل ! و بلغت معدلات السرقة بالإكراه 2611 حالة ! و سُرقت 20375 سيارة ! و نعيش الآن و بيننا 110 ألف مسجل خطر يتجولون بكل حرية ( ) ! هذا غير ما لم يتم الشكوى بخصوصه ، و لا الإبلاغ عنه ، و غير من لم يتم القبض عليهم قبل ذلك من المجرمين الخطرين ليتم تسجيلهم جنائيا ! إذًا ... في ظلِّ تلك الجنايات لستُ محتاجًا أن أعدك بجنة فيروزية ستعيش فيها آمنا على الأرض إذا طبقنا الشريعة ! أنا فقط في حاجة إلى أن أجعل معاناتك هذه لها ثمنٌ لائقٌ حتى ترضى بتطبيق الشريعة ! لماذا تعيش في هذا البلاء و تتحمله في مذلة بدلا من أن تتحمله في سبيل الله ؟! هل السؤال صعب إلى هذه الدرجة أخي القاريء ؟!. إذا ما طبقنا الشريعة و حدث أن عودينا و اجتاح العدو بلادنا ! فهل ترى الله الذي سنطبق شرعه معنا حينها أم مع أعدائنا ؟!. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) [ محمد 7 ] ..


إذا ما طبقنا الشريعة و أوذينا و قُتِلنا و هُتِكت أعراضُنا حتى ينصرنا الله ! فهل ترى ذلك البلاء أكرم أم أن نبقى في ذات البلاء كما أخبرتُك بالأرقام منذ قليل و لكن بلا ثمن و لا عزة و لا كرامة ! إننا في غابة يتوحَّش أهلُها بعضهم على بعض .. و مهما حكم فيها قانونٌ غير قانون الله لن تنصلح و لن تستقيم ! إننا في فوضى أوقعنا أنفسنا فيها برضانا بأن يحكم فينا غيرُ شرع ربنا ! فوضى صنعها غيابُ العدل ، و تعطيل القصاص ، و تبرئة المجرمين ، و اتهام الصالحين ! أوليس قد خَلَقَنَا اللهُ ! أليس كل صانع أعلم بما صَنَع ! ألا تنظر أنت في دليل الاستخدام إذا اشتريت جهازا جديدًا لتعرف كيفية استخدامه و محاذير استعماله و ما يضره و ما ينفعه ؟!. فلله المثل الأعلى ! هو خَلَقَ الخَلْقَ و هو أعلم بالقانون الأمثل الذي تنصلح به حياتهم و تزدهر ( أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ) [ الملك 14 ] ! أرأيت يومًا محركًا يتم تشحيمه بماء البحر ! هكذا الناس لا يصلح أن ينظم حياتهم إلا شرع الله الحكيم العليم ! لابد أخي الخائف من الشريعة أن هذه الجرائم تخيفك على نفسك و عِرضك و أولادك و مالِك ؟!. أليس كذلك ؟!. فلماذا تختار أن تبقى معها على أن تطبق قانون الله الذي يقضي عليها جميعا و يُريحك منها و من أسبابها و وسائلها و أهلها ؟!. آية في كتاب الله تشفيك إذا أمرضك الخوفُ من الناس و حجزك عن الله : ( أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) [ التوبة 13 ] (2) هل كرهت الشريعة بسبب فساد الإسلاميين ؟ ربما هي الصدمة التي أصابتك حين اخترت الإسلاميين في الانتخابات راغبا في الشريعة ثم قدموا إليك أسوأ مثال توقعته لتطبيق الشريعة ؟!.


ربما لأنك رأيت من ينادون بالشريعة كاذبين في دعواهم ! يتنافسون على الكراسي و يخالفون الشريعة فيُهملون حقوقك و مطالبك و أساسيات حياتك ! يتخذون الشريعة سُلَّما ليحكموك باسمها ثم لا يعطونك ما أردتَ من عموم عدل قانون الله على وطنك و أهلك ! نعم .. ربما كان السبب حقيقة في انقطاع رغبتك في الشريعة هو تلك الصدمة ؟!. دعني إذًا أبين لك أنك مسلمٌ مكلفٌ بتطبيق الشريعة حتى إذا تخاذل من ادعوا لأنفسهم حق الكلام باسم الإسلام !! أنت مسلم تثق في الله و إن خذلك الناس .. و تسعى لرضاه و إن أغضبه من تظنهم أولياء الله !! بل إن السعي لتطبيق قانون الله فرض لابد منه .. فإذا تخاذلت عنه جماعة وجب على كل الناس أوجب مما كان ! أعني أن كذب من يزعمون الحكم باسم الإسلام في دعواهم تطبيق الشريعة ، و تخلفهم عن تطبيقها ؛ قد أوجب عليك أنت أن تسعى إلى ذلك ! فابدأ بنفسك و بيتك و انظر من فَهِمَ وجوبَ تطبيقها مثلك و عاونه و ضع يدك في يده ! إن تطبيق قانون الله هو الإسلام ! و إن كل قانون غير قانون الله خارجٌ عن الإسلام ! حتى لو كان قانون العلماء و الزعماء و رجال الدين ! ألم يقل الله تعالى في النصارى : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ ) [ التوبة 31 ] و فسر رسول الله صلى الله عليه و سلم الآية بأن النصارى أطاعوا علماءهم حين حرموا عليهم الحلال و أطاعوهم حين أحلوا لهم الحرام ! فطاعة العلماء في التحليل و التحريم بخلاف الشريعة إنما هي عبادة للعلماء من دون الله ! لا يصلح أن تعيش أخي بمبدأ ( حطها فـ رقبة عالم و اطلع سالم ) ! و لكن لا يصلح للحياة إلا مبدأ ( فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ) [ الحج 34 ] استسلم لله بغير قيد أو شرط ! استسلم الآن ! فكلمة ( الإسلام ) تعني الاستسلام التام لله تعالى في أمره و نهيه و في كل شيء ! و كيف يستسلم لله من رفض شريعته ! و كيف يتسمَّى باسم الإسلام من يرفض أن يستسلم الله تعالى و يُسلِّم له تسليما ! ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [ النساء 65 ] (3) خدعوك فقالوا ( التدرُّج ) ! و ربما وقع في قلبك أكذوبةٌ دَجَلِيةٌ يبثها أصحاب المصالح مع الغرب .. و هي أن التدرج يقتضي تعطيل الشريعة الآن حتى نتمكن من الحكم ثم نطبقها ! و قضية التدرج لا محل لها الآن و قد اكتملت الشريعة قبل موت النبي صلى الله عليه و سلم منذ 14 قرن فمن يأتينا بوحيٍّ يُدرِّج لنا الأحكام الآن ! أنت الآن ترى المجلس التشريعي ينعقد ، و يقر قانونا ما ، فهل يتدرجون في تطبيقه ! أم ينفذونه على الفور ! و بأثر رجعي أحيانا ؟!. لماذا إذًا يؤخرون قانون الله بدعوى التدرج و لكن ينفذون قانونهم هُم الذي اجتمعوا و ألَّفوه على هواهم و وفق مصالحهم ! إن كلمة ( التدرج ) في تطبيقها الآن و كأنها تعني أنهم يضعون الشريعة في ( الدُّرج ) و يغلقونه عليها ! فيخفوها عن أعين الناس حتى لا تشتهيها و تطالب بها و تسأل عنها و تعتنقها و تجعلها قضيتها و نهج حياتها !! إنه لا تدرج في تطبيق الشريعة ..


إنما التدرج في تعليم الناس الشريعة .. نعلمهم صغار مسائلها قبل كبارها .. من أول السلم إلى آخره .. أما التطبيق فالآن و قبل الثانية القادمة ! فكيف يجتمع العدل و الظلم و كيف يطبق قانون الله و قانون الشيطان في محكمة واحدة ! (قُل لاَّ يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [ المائدة 100 ] إن رسول الله صلى الله عليه و سلم طبق قانون الله في مكة في يوم واحد حين وقف و قال ( أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ ) و قال : (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ ) [ مسلم 147 ] فأبطل قانونَ الناس كُلَّه و طبق قانون الله في يوم واحِد ، و أخبرنا أن اللهَ سيسألنا عنه صلى الله عليه و سلم ماذا دعانا إليه و ماذا أجبناه ! فمن يقول بعده بالتدرج العجيب الذي ليس الهدف منه إلا خداعك أخي المسلم لتنسى مع الوقت مطالبتك بتطبيق الشريعة التي فيها حقوقك كلها ! بل فيها ما لا تظن في أحلى أحلامك أنه من حقوقك و أساسيات حياتك ! و يضلونك بالتدرج لتنسى الشرط الذي انتخبت من أجله من يزعمون العمل للإسلام و ما يعملون إلا لمصالح أنفسهم و جماعاتهم !!.. (4) ماذا بينك و بين الشريعة ؟! و ربما تكون مشكلتك مع الشريعة شخصية ! فأنت غير مقتنع بحُكم كذا ! أو أنت تخشى من تطبيق حدِّ كذا عليك !


فإذا كنت غير مقتنع بحكم ما ! أيا ما كان هُو ذلك الحُكم ! و تغفل عن قوله تعالى ( لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) [ الأنبياء 29 ] و تريد أن تمتنع عن تطبيق الحُكم حتى تفهم ! متناسيا قوله تعالى الذي يرغبك فيه أن تسارع إليه ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ) [ الحديد 21 ] ! فتعال أخبرك أن عقلك يناقض العقل السليم يا عزيزي ! الشريعة هي القانون في الإسلام ! فكيف يمتنع مواطن عن تطبيق القانون حتى يقتنع ! انزل من بيتك صباحا و انصب خيمتك في وسط شارع رئيسي و قل : ( لن أعود إلى بيتي حتى يقنعني أحد بعدم أحقيتي في البيات بمنتصف الطريق ) و انظر ما يفعل بك الناس أصحاب المصالح التي تعطلها بعسكرتك و احتلالك نهر الطريق ! و قل لي لو خضع القانون لعقل كل منا -و عقولنا تختلف و أفهامنا تتنوع و لا تأتلف- فعلى أي شيء نسير و كل واحد منا سيرى طريقا غير الذي يراه الآخر ! الحق عند الله واحد لا يتعدد و لا يتفاوت .. الحق ثابت واضح ليس نسبيا و لا متروكا للهوى و الفِكر ! و من رحمة الله و كمال علمه بما يصلح لعباده و ما يفسدهم فقد أنزله في كتابه و وضحه على لسان نبيه ! قال تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم : (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ هُوَ الحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ) [ فاطر 31 ] و ما علينا إلا التسليم لله جميعا و السير على صراطه المستقيم جميعا .. و الله يفهمنا و يعلمنا .. و من اقترب من الملك أولاه و فهَّمه و من اعترض على الملك قلاه و أبعده ! و أما إذا كنت تسرق و تخاف قطع يدك ، أو تزني و تخاف الرجم ، أو تشرب المخدرات و تخاف الجلد ، أو تحتكر السلع و تخشى المصادرة ، أو تُرَابي و تخشى ضياع ربحك ، و هكذا .. –و كلنا بشر نخطيء و نذنب- فأبشر أن تطبيق الحد عليك أو منعك مما تفعله من الحرام إذا سلَّمت لله فإنه كفارةٌ لك في الدنيا و الآخرة لا يحق لأحد معايرتك بذنبك إذا حُدِدتَ فيه و تلقى الله طاهرا منه في الآخرة ! بينما السجن الذي يحكم به عليك قانون البشر يقطع دنياك و يفسدها و يفسدك بعشرة المجرمين ! و لا يُجدي مغفرة و لا رحمة في الآخرة !


قال الأقدمون ( وجع ساعة و لا كل ساعة ) فكيف ترفض أن يجعل الله لك كفارة في الدنيا إذا نفذتها لقيته طاهرا تائبا تنغمس في أنهار الجنة غمسا و تتنعم فيها كأنك لم تذنب ذنبك هذا يومًا ؟!. و الشريعة منهج حياة كامل و من كمالها ردعُ الجناة و عقوبتهم ! و لا نظام كامل إلا بتجفيفه أسباب الإجرام و توفيره العقوبات الرادعة إذا حدث و أجرم أحد .. و قد قال عثمان بن عفان رضي الله عنه ( إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ) أي : من لا يردعه الخوف من الله عن إجرامه فتطبيق العقوبة عبرة له تخيفه و تردعه !! ليست مصلحة المجتمع متروكة للنفوس و ترددها بين الصلاح و الفساد ! بل محكومة بقانون الرب الذي لا ظلم فيه و لا محاباه ! و لذلك فالشريعة زين مناهج الحياة ! بل لا منهج صالح للحياة إلا قانون الله الذي هو شريعته . (5) احترام شريعة البشر ! ( أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) [ المائدة 50 ] آية في كتاب الله يبين اللهُ فيها ضلال من يريد الحكم لغير الله و يرفض حُكم الله ! و كل حكم غير حكم الله فإنما هو جاهلية و إن نطق الفرنسية أو الانجليزية أو أتى من آلة ديجيتالية !! و من علامات فساد الرجل أن يحترم ما وضعه الله و لا يوقر شعائر الله ! فترى الرجل يخرج على الناس بتصريح أنه ( يحترم أحكام القضاء الوضعي ) ! و قد تقدم ذكرُ حديث أن كل أمر الجاهلية موضوع تحت قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ! و قد عجبتُ لقاضٍ يتقدَّم باستقالته لأن مخالفيه يحتجُّون على أحكامه و أحكام رجاله من قضاة القانون الوضعي ؛ يستقيل بذريعة قدسية أحكام القضاء !.. أو إن شئنا بعبارة أخرة يقولها بلسان حاله لا مقاله .. يستقيل بذريعة قدسية نفسه كقاضٍ لا ينبغي لأحد أن يراجعه ويكأنه إله ! بينما هو بهذه الأحكام الجاهلية نفسها يحتجّ على حُكم الله رب العالمين : و لا يهتم لقدسية أحكام الحكم العدل سبحانه و بحمده !!.. إن القانون الوضعي من الجاهلية ! بل تحكيم قوانين البشر هو صُلبُ الجاهلية ، و هو عَيْنُ ترك الإسلام ! فكيف تقبل أخي المسلم أن تحترم شيئا وضيعًا يمتهنه اللهُ و رسوله ! كيف تقبل أن تحترم شيئًا وُضع لمحاربة الله و رسوله ! إن احترامك لشيء أهانه الله و رسوله يقدح في إيمانك ! فراجع قلبك و هواك ! (6) الشريعة أم الديموقراطية ! يخدعك من يقول أن الديموقراطية نظامٌ حديثٌ أتى بعد الإسلام و فيه حلول لم يطرحها الإسلام أو أن فيها ما يتوافق مع الإسلام ! فأولا الديموقراطية نظام قديمٌ جاهلي نشأ في روما قبل الإسلام بمئات السنين ! و لما أتى الإسلام كانت روما قد كفرت بالديموقراطية و آمنت بالحكم الإمبراطوري و جعلت لمملكتها حاكما واحدًا هو هرقل ! و قد أتى الإسلام يجبّ ما قبله فيلغيه و لا يُبقي إلا على الخير الذي فيه ! و لو كان في الديموقراطية خيرٌ أو لو كانت آليات الديموقراطية جائزة الاستخدام –كما يدعي كثير ممن يمارسون السياسة وفق قواعد الغرب- لكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أولى الناس باستخدامها و التأسيس لها ! فليس في الإسلام حُلُول بديلة لأنظمةِ الجاهليةِ ! و لكن الإسلام هو النموذجُ الأصيلُ الذي يُغنِيكَ عن الجاهلية بأسرها !!.. و في الديموقراطية تجد السيادة للشعب ! و ( السيادة ) هنا بمعنى الحُكم و التشريع ! لا مجرد ممارسة الحُكم ! بل اختيار شريعة الحكم و تأليفها و إقرارها !


و كيف يسود الشعب و كما قدمنا فكل واحد فيه له عقله المختلف عن غيره الذي يتصور المسائل و يفهمها بشكل غير ما يفهمها و يتصورها غيره ! و كيف يدعي الناس لأنفسهم حق التشريع ! فالسيادة هي الحكم و الحكم هو التشريع ! و التشريع ليس إلا لله ! ( إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ ) [ يوسف 40 ] ! و كيف يكون تقرير الحق و الباطل في يد الأغلبية و الله تعالى ينبئنا أن الأغلبية غالبا تُحِبُّ الدَّعة و تميل إلى الضلال و ترضى الباطل ؛ فينهى رسولَه عن اتباع رأي الأغلبية و يقول : ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) [ الأنعام 116 ] بل يقرر القرآن أن أهل الحق على الدوام نادرون ! (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ) [ ص 24 ] أي أن الذين آمنوا و عملوا الصالحات قليل ! و كذلك يقول تبارك و تعالى : (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) [ سبأ 13 ] !! إن الإسلام لا سيادة فيه إلا لله ؛ قال ربعي بن عامر رضي الله عنه لرستم ملك الفرس حين سأله عن رسالة الإسلام : ( إن الله ابتعثنا لنُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، و من جور الأديان إلى عدل الإسلام ، و من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا و الآخرة ) ! فالجميع في الإسلام مربوبٌ بسلطان الله خاضع لقانونه العادل الرشيد ، بينما الديموقراطية تجعل الناس بعضهم أرباب بعض ! (7) بين تجَّار الشريعة و أعدائها ! نعم .. إن الذين يرغبونك في انتخابهم من أجل الشريعة كاذبون و إنما يروِّجُون لأنفسهم باسم الشريعة و لن يطبقوها ، بل لا يملكون تصوُّرًا صحيحًا عن كيفية تطبيق الشريعة و لا مشروعًا عمليًا لتطبيقها ! و لو أرادوا تطبيقها أو امتلكوا مشروعا واضحا لتطبيقها ما تأخروا و هم يحكمون البلاد منذ سنتين ! لأن علامة الراغب في الشريعة أن ينفذها فورًا و يطبقها عن رضى و لا يتأخر ؛ بل يُعلن طاعته لله بلا أعذار و لا تسويف ! قال تعالى : (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) [ النور 51 ] و لكن هل يدفعنا علمُنا بتجارة هؤلاء بالشريعة أن نقف في صفِّ أعدائها لأنهم يعادون أولئك التُّجار ؟!. إن أعداء الشريعة الذي يزعمون أنهم يعترضون فقط على من يتاجر بها ؛ إنما هُم شياطين إنس يستغلون أخطاء و جرائم تجار الشريعة ليشوِّهوا الشريعة نفسها و يبغِّضُوك فيها و يصدُّوك عن سبيل الله ! و هؤلاء الشياطين لا يريدون لك الخير أبدًا ! بل يردون لك مزيد شر ! يريدون أن يحكموك بجاهلية جديدة لا ترعى في مؤمن إلاًّ و لا ذمة !


إن أعداء الشريعة من العالمانيين و النصارى و غيرهم : ينشرون الجرائد ، و يؤلفون الكُتب ، و يصدرون المجلات ، و يبثُّون القنوات الفضائية ، و ينشؤون الأحزاب السياسية ، و يُشهرون الجمعيات و المؤسسات ، و يقيمون المراكز البحثية ، و يؤسسون الشركات ، و يتكتلون في جبهات تخريبية ، بل و يتجمعون في ميليشيات عسكرية ؛ كل هذا و أكثر ! ليصدُّوك عن صراط الله المستقيم الذي تدعو الله أن يهديك إليه 17 مرة في اليوم ! (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) [ الأنفال 36 ] يزعمون أنهم ينتقدون سوء أداء الإسلاميين في كذا ، و يدَّعون أنهم إنما يقوِّمون اعوجاج إدارة الإسلاميين لكذا ؛ بينما هم يريدون زرع فكرة قصور الشريعة في وجدانك لتصدق أن الشريعة ليست هي الحل و أن تطبيقها لا يصلح الآن ! و إلا فأين كان شياطين الإنس أيام حُكم العسكر الذي دام 60 سنة منذ 1952 حين قامت ثورة يوليو إلى 2012 حين رحل المجلس العسكري ؟!. ألم يكونوا عرائس من خشب خيوط تحريكها في يد النظام تدعو له و تثني عليه و تلمِّعُ رجاله و ترقص لهم في الحفلات و تغنِّي !

و بعضهم كان يمثل المعارضة الكرتونية ليملأ ساحة المعارضة في الإعلام و يسد الباب على المعارضين الحقيقيين ! يزعم هؤلاء الشياطين أنهم إنما يطهرون المجتمع من خطايا الإسلاميين بينما هُم يريدون نشر الفاحشة بين المؤمنين ! و ترى الواحد منهم يتنفس أنفاس البغايا و يروي عطشه بالخمور ثم يصرخ ممثلا دور خضراء الشريفة ! معلنا رفضه لهفوة صدرت من أحد تجار الشريعة ممن يتسمون باسم الإسلاميين ! يزعمون أنهم يسعون إلى حُكمك حُكما رشيدًا ! فأيُّ رشاد في ترك سبيل الله المستقيم ؟!. أي رشاد في العالمانية و الكُفر البواح ؟!. إن هؤلاء الشياطين هم أتباع فرعون يقولون نفس ما قاله لشعب مصر قديمًا : (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ ) [ غافر 29 ] و أيُّ رشادٍ في حُكم فرعون الطاغوتِ المحتكِرِ الفاسدِ السفَّاح ! نعم .. نقول أن من يتسمون باسم الإسلاميين يتاجرون بالشريعة ..

لكن لا يدفعنا ذلك أبدًا للوقوف في صفِّ أعداء الشريعة ! بل علينا جميعًا أن نخرج من ضيق الانتماء الحزبيِّ و مسميات الجماعات إلى براح الإسلام الفسيح لتنسم عبير الشريعة النقي الصافي .. فأنا و أنت أخي القاريء أولى بالإسلام ممن عاداه و ممن تاجر به ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً ) [ الإسراء 84 ].

و فصل الخطاب في نهينا عن اتباع أعداء الشريعة قوله تعالى : (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ) [ آل عمران 118 ] و ختامًا ... فإن الجاهلية هي ضد الإسلام ! و هي وضيعة و الإسلام شريف ! و إذا كان الإسلام منهج حياة و قانون حُكم فالمناهج الوضعية و القانون الوضعي هو الجاهلية ! و الجاهلية مهما ازدهرت فهي الموت لا الحياة ! و لو كنتَ أخي من القوم الذين يوقنون بالله كما في الآية ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) [ المائدة 50 ] فأنت لن ترى حُكما أحسن و لا أعدل و لا أكمل من حُكم الله ! و سترى وضيعًا مهينًا كل قانون غير قانون الله ! و سترى دجَّالا كل من جعل اسم الشريعة سلما لكرسي الحكم دون حقيقة تطبيقها ! و ستعلم أن حُكم الله واجب النفاذ عليك الآن لا حين يصطلح الناس على تطبيقه ! فهلمَّ إلى الله و حُكمه و دع عنك رُكام الجاهلية ! هلمَّ إلى الشريعة الآن ! (إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) [ يوسف 40 ]


 بقلم : إسلام أنور المهدي