مائدة اللئام

منذ 2013-09-12

أسألكم سؤال: أيهما أعظم جرماً شخص يغتاب فلان من الناس أو شخص يأكل من جيفة بني آدم.. بلا شك أن المغتاب أشد جرماً من الذي يأكل من جيفة بني آدم على أن الأخير منظر تتقزز منه النفوس

 

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على الرسول المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اقتفى... وبعد: أوصيكم ونفسي أحبتي بتقوى الله جل جلاله ففيها السعادة والفلاح والنجاة والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض.

أيها الأفاضل: سنتناول في هذه الأسطر قضية اجتماعية مهمة وخطيرة لخدمة هذه الأمة الإسلامية، لكي تكون نفوسنا لبناتٍ في بناء صرح هذا الدين والعلو به والشموخ على العالمين في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والشهوات والمغريات والتقنيات، وأن نكون قدوةً ونبراساً، إنها (الغيبة).

أسألكم سؤال: أيهما أعظم جرماً شخص يغتاب فلان من الناس أو شخص يأكل من جيفة بني آدم.. بلا شك أن المغتاب أشد جرماً من الذي يأكل من جيفة بني آدم على أن الأخير منظر تتقزز منه النفوس وهذا يؤكد على أن الغيبة:

- مرض خطير أصاب كثير من الناس ولا يكاد ينجو منه أحد إلا ما شاء الله.
- أجمع العلماء أنها كبيرة من كبائر الذنوب تستوجب التوبة: «أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه» (حسنه الألباني)، وهي تحبط العمل كما تأكل الآكلة جسد بني آدم.
- سبب في ضياع الحسنات يوم القيامة، بل إن سيئات الآخرين تراها في ميزانك.

الناظر في واقع مجالسنا ومنتدياتنا ومناسباتنا أنها لا تخلوا من هذا المرض وهذه الآفة يقول تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} [الحجرات: 12]. يقول ابن كثير: "فكما تكرهون هذا طبعاً فاكرهوا ذاك شرعاً، وللأسف أن بعض الناس يغتاب ولا يعرف ما هي حقيقة الغيبة، فهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يحرر ويبين هذه المسألة فيقول لأصحابه: «أتدرون ما الغيبةُ؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ. قال: ذكرُكَ أخاكَ بما يكرهُ، قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقولُ؟ قال: إن كان فيه ما تقولُ، فقد اغتبتَه. وإن لم يكنْ فيه، فقد بهتَّه» (رواه مسلم في صحيحه برقم: 2589). إذن الغيبة أن تصف شخص بصفات هي فيه فعلاً، أما إذا لم تكن فيه فهذه درجة أشد من الغيبة وهي البهتان، نسأل الله السلامة والعافية.

وهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، يكفيك من صفية أنها كذا وكذا يقولون الرواة أنها تعني قصيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: «لقد قلتي كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» (رواه المنذري في الترهيب والترغيب بإسناد صحيح أو حسن أو ما قاربهما برقم8/4). لي وقفات مع هذا الحديث:
- أنها قالت كلمة فقط ولم تقل كلمات ومع ذلك لو مزجت بماء البحر الهائل والأمواج المتلاطمة لغيرته.
- أنها قالت كذا وكذا ولم تقل قصيرة ومع ذلك تعتبر غيبة بلا شك.
- نحن نقول كلمات بل مئات الكلمات فكيف تأثيرها في أعمالنا الصالحة على قلتها وضعفها.

تحذير خطير:
السامع للغيبة يشترك في الإثم إلا إذا ذب عن عرض أخيه يقول صلى الله عليه وسلم: «من ذب عن عرض أخيه كان حقاً على الله أن يعتقه من النار» وفي رواية: «أبعد الله وجهه عن النار» (لعله يقصد: «من ذبَّ عن عِرضِ أخيه بالغِيبةِ كان حقًّا على اللهِ أن يُعتِقَه من النَّارِ» رواه المنذري في الترغيب والترهيب بإسناد حسن برقم 16/4 أو يقصد: «مَن ردَّ عن عِرضِ أخيه ردَّ اللهُ عن وجهِه النَّارَ يومَ القيامةِ» رواه الترمذي في سننه بإسناد حسن برقم 1931).

رسالة:
يجب أن يكون هذا المنهج عام في كل مجالسنا حتى تكون مجالس طيبة يذكر فيها الله ولا يكون فيها مجال للغيبة. أسأل الله تعالى أيها الأخوة أن يصلح أبناءنا وبناتنا وشباب المسلمين في كل مكان وأن يقيهم شر الفتن والشهوات والمغريات، ونسأل الله تعالى أن ينصر دينه وكتابه وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
 

 

معيض محمد آل زرعة