وماذا بعد السواد؟
يقول أحدهم: عندما تجاوزت الثلاثين من العمر بدأت تلوح شعرات بيضاء في رأسي ولحيتي، وهي مرحلة عمرية قطعناها -والله المستعان- ثم ازداد الوقار مع مرور السنوات. وبعدما تجاوزت الأربعين، وقفت مع نفسي: لم لا أغيّر كما غيّروا , وأدخل على نفسي عاملاً معنوياً بصبغ الشعر؟!
وفعلاً عدت في الصورة شباباً كأنني ابن الثالثة والعشرين, ولست كذلك،إلا أنّ ما يقلقني كثيراً أولئك الذين فعلوا مثل مافعلت, وبدت بعض ممارساتهم وتصرفاتهم أشبه بتصرفات الطائشين, وسوّغوا لأنفسهم أفعالاً يستحي المرء من ذكر طرف منها، حتى قلت في نفسي: أهذا ابن التاسعة والأربعين من عمره؟ ثم تجاوز الأمر ماذكرت إلى الجرأة على بعض محارم الله تعالى، والولوغ في معاصٍ لا أتوقع أن يقعوا فيها لوكان الوقار ظاهراً بادياً لكنهم أخفوه, وبإخفائه اختفت الرزانة والاتزان والحكمة..
ولك -عزيزي القارئ- أن تتأمل التساؤل التالي: هل تتوقع من امرئ قد امتلأ رأسه بالشيب وكذا لحيته أن يصدر منه شيء مما أشرتُ إليه آنفاً؟
كلا، سيضرب ألف حساب لهذه الشعرات البيض حتى لاينتقد في تصرفاته، كيف ومثله ينتظر منه الرزانة والاتزان والحكمة والمشورة والأبوّة الحانية, وربما يكون من أهل الحل والعقد. لاأقول هذا كل من صبغ شعره بالسواد, وإنما بعضهم..
فيا من صبغت شعرك, أذّكرك بما يلي:
1- تذكّر بأنك لازلت كبيراّ, والكبير يتأكد قربه من الله تعالى، لاسيما أن أمامه قبر وحشر ونشر.
2- لايغريك السواد بأن تنسى نفسك، فتزلّ بقول أو فعل يقبح صدوره من مثلك.
3- إياك والإغراق في الحديث عن النسوان وكثرة المزاح فيما دون السرّة.
4- أنت تحت المجهر, والسواد لايحيلك صغيراً, والناس ليسوا بأغبياء! فهم إن لم يعرفوا سنّك فلا أقلّ من قرب توقعاتهم جداً.
5- قال الشاعر:
نسوّد أعلاها وتأبى أصولها ولاخير في فرع يفضحه الأصل
6- لاتستخف دمك في بعض المجالس بتعليق أو طرفة لايحسن صدورها من مثلك.
7- تذكّر صورتك قبل أن تصبغ قبل صدور أيّ تصرف قد تندم عليه.
8- لاتكثر الحديث عن الأعمار فقد يظن بك ما خفت الوقوع فيه.
9- لاتقلل من شأن من لم يصبغ شعره وهو في مثل سنّك.
10- وأخيراً، مانصيبك من نوافل العبادات في مثل هذا السنّ من قيام الليل وصيام النهار وقراءة القرآن, والصدقة.. إلخ؟
محبك/ علي بن صالح الجبر البطيّح
- التصنيف: