مع تقدم العمر.. تتغير قيم الأشياء..

منذ 2006-08-06

بقلم: د. أمير الحداد


في لحظة هدوء خلا فيها البيت من الجميع.. جلست وحدي.. في زاوية غرفة الاستقبال.. لم أشعل الأنوار.. أردت هدوءا تاما.. كان الوقت قبيل المغرب.. فجأة.. أدار أحدهم المفتاح.. اندفع بسرعة إلى الداخل..

 

كانت صاحبتي.. لم تنتبه لوجودي.. أسرعت إلى الحمام.. خرجت بسرعة توجهت إلى القبلة.. أدت أربع ركعات.. ولم تنتبه لوجودي إلا بعد أن أنهت الصلاة.. تفاجأت.. كان الوقت قبل المغرب بعشرين دقيقة..

 

- أنت هنا؟!..

 

- لم أجبها..

 

  تابعت..

 

- كان يوما متعبا.. منذ الصباح الباكر..

 

بقيت منصتا..

 

- خرجت الساعة السابعة والنصف.. أخذت رتاج (حفيدتنا) إلى الحضانة.. ذهبت بعدها إلى المستوصف.. استخرجت شهادات الحقن.. ثم إلى الخياطة.. ثم إلى السوق.. ومرة أخرى إلى الخياطة.. ثم إلى فرع الأحذية في الجمعية لأخذ حقيبة (شيماء).. ثم إلى رتاج مرة أخرى.. ثم إلى موعد الأسنان.. ومرة ثالثة إلى الخياطة.. ثم إلى بيت شيماء.. وهأنذا بالكاد أدرك صلاة العصر..

 

- يعطيك العافية

 

أشعرتها كلمتي بشيء من الراحة.. ألقت بثقلها على الأريكة بجانبي..

 

- كلما كبر الأبناء.. تكثر مشاغلهم..

 

- ولكن أحدنا ينبغي ألا ينجرف وينسى الأولويات..

 

- وماذا نستطيع أن نعمل إذا تزاحمت الأولويات؟!

 

- نضع خطوطا حمراء.. جميل أن يخدم أحدنا أبناءه.. ويتعب من أجلهم.. ولكن ليس على حساب آخرته.. تأملي قول الله تعالى: "إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ" التغابن: الآية 14. دعينا نتحدث بصراحة.. لو أن أحدنا - لا قدر الله - مات اليوم.. وهذا ليس ببعيد.. بماذا سيلاقي ربه؟!

 

تابعت حديثي.. لأنها أبدت استعدادها للسماع..

 

- ما قيمة كل ما نعمله.. إذا فوتنا الصلاة عن وقتها؟! لا شيء؛ بل تعب في الدنيا.. عذاب في الآخرة.. هذا إذا قدر الأبناء ما نعمل لهم..

 

لذا يبقى السؤال الذي أردده دائما.. بماذا سألاقي ربي؟ بثروة جمعتها لأجل أبنائي؟! بمنصب أكسبني مكانة مميزة بين أقراني؟! بجسد رياضي أتباهى به بين أصحابي؟! كل هذا لا قيمة له مع انعدام العمل الصالح..

 

سكتت.. ثم أجابت..

 

- حق ما تقول.. أما أنا فلا شيء عندي ألاقي به ربي.. اللهم إلا صلاتي وأصبحت في الفترة الأخيرة منشغلة حتى عن صلاتي.. أسأل الله الرحمة..

 

- أحدنا.. قد ينشغل في فترات.. زحمة العمل.. فترة الامتحانات.. مرض أحد المقربين.. سفر طارئ.. ولكن لفترة محدودة.. ودون تجاوز الخطوط الحمراء.. ولكن سرعان ما ينبغي أن يرجع إلى عمل ما ينفعه عند لقاء ربه.. فيعمل على أن يلقى الله.. ويحفظ أجزاء من كتابه.. بنشر علم ينفع.. بإعانة الفقراء وسد حاجاتهم.. بكفالة أيتام.. بإصلاح بين الناس.. ومن الناس من سيلاقي ربه.. بألبومات غناء.. وأفلام.. ورقص.. ومسرحيات فكاهية.. نسأل الله العفو والهداية للجميع..

 

- كان وقت المغرب قد أزف.. نهضت للذهاب إلى المسجد.. عمل أرجو أن ينفعني عند لقاء الله.