الانسحاب المنقوص ينذر بانتفاضة ثالثة

منذ 2006-08-07

حوار: هادي يحمد

 

عبّر "آلان جريش" الخبير الفرنسي في شئون الشرق الأوسط ومدير تحرير جريدة "لومند ديبلوماتيك Le Monde Diplomatique" الفرنسية عن خشيته في "أن يتحول قطاع غزة بعد إخلاء المستوطنات إلى سجن كبير للفلسطينيين، بسبب غموض السياسات الإسرائيلية فيما يتعلق بحرية حركة الفلسطينيين، وترك السيطرة على المعابر وإقامة الميناء والمطار في قطاع غزة.

 

وفي حوار خاص لشبكة "إسلام أون لاين.نت"، أوضح "جريش" صاحب كتاب (إسرائيل - فلسطين) والعديد من الكتب الأخرى التي تعالج القضية الفلسطينية أن الأشهر القادمة ربما تشهد عودة المقاومة المسلحة وميلاد "انتفاضة ثالثة" لا توحي بتوقف "العمليات المسلحة" ضد إسرائيل، طالما باءت محاولات التفاوض بالفشل، أو قامت إسرائيل بتكثيف جهودها لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس.

 

وأعرب "جريش" عن محدودية خطوة الانسحاب من غزة؛ لأنها لا تكفل أبدا استكمال جهود السلام في ظل التجاهل الدولي وغياب الضغوط على إسرائيل لاستئناف عملية السلام وفقا لخطة خارطة الطريق الدولية.

 

وحول أثر الانسحاب من غزة على الداخل الإسرائيلي، توقع الكاتب الفرنسي أن الانقسام داخل معسكر "الليكود" وضعف حزب "العمل" ربما يفرز قوة سياسية جديدة في إسرائيل.

 

 

وفيما يلي نص الحوار:

**اعتبر "خالد مشعل" رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" أمس إخلاء المستوطنات الإسرائيلية من قطاع غزة أنه انتصار للمقاومة الفلسطينية المسلحة، كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟

*هناك رغبة من الجانبين في إبراز هذا الأمر كما لو كان نصرًا كبيرًا. إسرائيل سعت إلى تمرير رسالة تقول: إنها تنسحب من غزة وهي قوية. وحماس تقول: إن المقاومة المسلحة هي التي أخرجت قوات الاحتلال بالقوة، وهو أمر يبدو لمعظم المراقبين موازيا لما حدث في جنوب لبنان حينما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "إيهود باراك" الانسحاب من جنوب لبنان الذي كانت تحتله إسرائيل عبر قرار من جانب واحد.

 

ولكن لا يجب المبالغة في الربط بين الانسحابين، فرغم أن المقاومة المسلحة في قطاع غزة كانت قوية، فإنها ليست على نفس القدر من القوة التي ميزت مقاومة حزب الله في الجنوب اللبناني. أيضا يجب الإقرار أن الإسرائيليين قد أدركوا أن الاستيطان في قطاع غزة -وبعد أكثر من عشرين عاما من الاحتلال الإسرائيلي- لم يكتب له النجاح، خاصة أن المستوطنين الذين يعيشون في قطاع غزة والبالغ عددهم ثمانية آلاف مستوطن كانوا وسط أكثر من 1.3 مليون فلسطيني.

 

 

**كيف تنظرون إلى عملية تفكيك مستوطنات قطاع غزة بحد ذاتها كحدث سياسي؟

*أي انسحاب إسرائيلي من أي أرض فلسطينية محتلة هو شيء جيد. لكن للأسف، فإن الانسحاب الذي يجري الآن من غزة هو لأغراض سياسية سعى من خلالها "شارون" إلى الإيهام بأن إسرائيل تقوم بخطوة مهمة نحو السلام على الرغم من أن الأمر يتعلق بإجراء محدود. ولا يتوقف على هذا فقط بل يترافق معه تكثيف غير مسبوق لبناء المستوطنات في الضفة الغربية وفي منطقة القدس الشرقية.

 

ومن ثم يجب القول إن هذه الخطوة هي في الحقيقة طريقة لممارسة "البروباجندا" السياسية من قبل الحكومة الإسرائيلية أمام الرأي العام العالمي، من منطق أن هذه العملية المحدودة ستساهم في إزالة الضغوط على حكومة "شارون" وجعلها تتلاعب ببقية المستحقات الفلسطينية.

 

 

**هل يعني ذلك أن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة لا قيمة له من الناحية العملية؟

*مرة أخرى أقول بأن أي انسحاب إسرائيلي من أي قطعة أرض فلسطينية محتلة هو أمر جيد، ولكن يجب علينا القول إن ما تم ليس خطوة في طريق السلام الشامل. ويرجع ذلك إلى أن هذا الانسحاب من القطاع وما يحمله من معانٍ مستترة لا يجيب على عدد من النقاط الأساسية منها: هل يمكن للفلسطينيين الخروج والدخول من وإلى القطاع بحرية إلى مصر أو إلى الضفة الغربية حيث العديد من أقاربهم وعائلاتهم وأعمالهم؟ وهل من حق الفلسطينيين أن يكون لهم ميناء ومطار؟ وهل تترك إسرائيل المعابر أمام الفلسطينيين؟ كل هذه الأسئلة وطبقا لما صدر حتى الآن من قبل الجهات الإسرائيلية يهدد بأن يجعل القطاع بمثابة سجن كبير للفلسطينيين.

ويبقى الأمر الأهم بالنسبة لي مستقبلا بعد الانسحاب من غزة هو وضعية الضفة الغربية، وهل إسرائيل مستعدة لإخلاء الضفة الغربية من الاحتلال والمستوطنين؟.

 

**إذن، فالخطوة الحقيقية كما ترون هي إخلاء الضفة الغربية مستقبلا من المستوطنات ومن وجود قوات الاحتلال؟

*نعم، هذا جانب مهم من المسألة. خارطة الطريق المقترحة من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة وأوربا وروسيا كانت تفترض إقامة دولة فلسطينية في عام 2005. ونحن الآن في نهاية هذا العام دون أن يلوح أي أفق حقيقي لهذه الدولة الفلسطينية. ولا تكمن المشكلة في غياب هذا الأفق فقط بل نلاحظ أنه لا أمريكا ولا الاتحاد الأوربي ولا أي من الأسرة الدولية يمارس الضغوطات المطلوبة على إسرائيل لدفعها للتفاوض من أجل الانسحاب من باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

 

 

** وهل باعتقادكم أن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة كافٍ لوقف عمليات المقاومة العسكرية التي يشنها الفلسطينيون؟

*يرتبط هذا الأمر بما سوف يحدث في الأشهر القادمة. فقد أنهكت غالبية المجتمع الفلسطيني بعد انتفاضتين. وما يزال الفلسطينيون يعطون الفرصة لـ "أبو مازن" رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية من أجل إيجاد حل للمشكلة رغم أنهم لا يعتقدون كثيرا في جدوى هذه الفرصة.

ولكن إذا واصلت إسرائيل سياسة تشجيع الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية، أعتقد أننا سنكون أمام عودة إلى العمليات المسلحة أو اشتعال انتفاضة فلسطينية ثالثة.

 

 

**وكيف تنظرون إلى مستقبل إريل شارون بعد الانسحاب من غزة؟

*أعتقد أننا نسير في اتجاه انتخابات جديدة في إسرائيل. ومع الأزمة التي يعيشها حزب العمل الذي تقدم العمر بقائده "شيمون بيريز" إلى جانب ذاك الانقسام الحادث داخل حزب "الليكود" يمكن القول: إن خلط الأوراق جارٍ في إسرائيل في اتجاه إفراز قوى جديدة داخل إسرائيل.

المصدر: إسلام أون لاين