كم يساوي الدم العراقي..؟

منذ 2006-08-14

 

أنس شلال (كاتب أمريكي)

ترجمة: عبد الحق بوقلقول

ما هي قيمة حياة أي عراقي؟ الجواب: إنها أرخص بكثير من قيمة حياة أي مواطن أمريكي أو بريطاني. هذا ما تقوله الأموال التي تقدم لأولياء الضحايا.

 

من الصعب علينا أن نتوصل إلى معلومات دقيقة و قطعية عن التعويض الذي يدفع لكل ضحية عراقية إلا أنه من الثابت أن هذا يعود بالأساس إلى تقدير و نزوة الضابط الأمريكي المسئول. إن نظام التعويضات الأخير هذا، لا يثير في الوقت الحالي غير الضحك و التندر فضلا على أن الانتقادات التي وجهت إليه كثيرة و هي في معظمها، موضوعية.

 

في الأشهر الأولى من الغزو، قدم الأمريكيون ما مجموعه 106.000 دولارا كتعويض عن مقتل 176 عراقيا بمعنى: ما يناهز نحو 600 دولار لكل قتيل هناك.

 

خلال حصار الفلوجة حينما قتل الأمريكيون 18 شخصا و جرحوا 78 آخرين بعدما أطلقوا عليهم النار في نيسان/أبريل من العام 2004، قدمت القيادة العسكرية الأمريكية التي تنتمي المدينة إليها، مبلغ 1500 لكل حالة وفاة و 500 دولار لكل جريح.

 

و مؤخرا فقط، قدمت الولايات المتحدة مبلغ 38000 دولار لأقارب الضحايا في منطقة حديثة، أي ما يقارب نحو 1600 دولار مقابل كل قتيل. يا لها من صفقة ‼

 

باختصار، إن هذا يعني أنه لا أحد من العراقيين لحد الساعة نال تعويضا مقابل وفاة أو خسارة مادية، أكثر من مبلغ 15000 دولار.

 

بالمقارنة، لقد سوت الحكومة الليبية قبل مدة قضية طائرة البانام الأمريكية التي فجرت في سماء لوكربي الاسكتلندية في العام 1988. حيث دفع الليبيون جراء ذلك مبلغ 2.7 مليار دولار لأجل 270 راكبا كانوا على متنها، بمعنى: 10 ملايين دولار لكل ضحية.

 

ثم إنه و بعد فترة قصيرة من بداية حرب العراق الأولى فإن إدارة الرئيس بوش شجعت على سن تشريعات جديدة سمحت بمضاعفة التعويضات التي تدفع لأقارب ضحايا الحرب الأمريكيين حتى بلغت 500 ألف - نصف مليون- دولار لكل جندي أمريكي يقتل في العراق أو في أفغانستان. أما في العام الماضي، فلقد نالت سيدة من سياتل، تعويضا قيمته 45 ألف دولار بسبب أن قطتها قتلت بطريقة غير مبررة.

 

بالنسبة للعراقيين، فإن طلب التعويضات المالية هي مهمة صعبة جدا و ليست بالسهولة التي قد يتصورها البعض. إذ يتعين عليك أولا، أن تجمع كل الوثائق بشكل منتظم غير منقوص - شهادات الولادة، إفادات الشهود، وثائق إثبات الهوية و هلم جرا..- ثم إنه من البديهي هنا، القول إن أغلب الشهود يتخوفون من المجيء والإفادة اتقاء للملاحقات التي قد يتعرضون إليها بعد ذلك، أما الحصول على شهادات الولادة ووثائق الهوية فهي مهمة مستحيلة تقريبا بالنسبة للبعض بالنظر إلى ما تتطلبه من تنقلات و ظروف معيقة أخرى. ثم بعد كل ذلك ، يتعين عليك أن تحضر ورقة تثبت من خلالها "الإهمال" الذي وقع فيه الجندي الأمريكي بالرجوع إلى هذا الجندي نفسه أو قيادته الميدانية، على السواء ‼

 

هي إذن، مهمة غير ممكنة عمليا بما أن الجنود الأمريكيين يتمتعون بحصانة تجعلهم في منأى عن الدخول فيما سبق. ليس هذا كل ما في الأمر، إذ ينبغي القول هنا إن طالب التعويضات ملزم على أن يقوم بإيداع ملفه خلال فترة لا يتعدى أمدها الثلاثين يوما من وقوع الوفاة فضلا على أنه يطلب منه أيضا، أن يترك رقم هاتفه بهدف الاتصال به كشرط إضافي آخر، لجعل العملية غير ذات جدوى بما أن أغلب العراقيين لا يملكون هاتفا ثم إن 'منافذ' هذه الإجراءات، التي هي أصلا بالغة التعقيد، كثيرة و متشعبة إلى درجة تجعل من عملية طلب التعويضات أمرا غير ممكن.

 

و إذا ما افترضنا أنه قد تم تجاوز كل هذا، فإن أفراد عائلة الضحية كلهم ملزمون بعد ذلك على أن يمضوا تعهدا يؤكدون بموجبه، عن تنازلهم الكامل و عدم قيامهم مستقبلا، بمتابعة أي من الأمريكيين قضائيا.

 

إذن و فضلا عن ضحالة هذه التعويضات - فيما لو تحققت أصلا- لا تملك عائلة الضحية في العراق أي حق في التقدم بطعن مستقبلي للقرار، لأجل هذا فإنه لم تتحقق لحد اليوم، إدانة أي من الجنود الأمريكيين على أساس أن أحدهم قد قتل عراقيا بطريقة "غير شرعية" و أما القيادة العسكرية الأمريكية فهي ترفض الكشف عن عدد أولئك المدنيين الذين قتلهم جنودها، أو حتى الجرحى من بينهم.

 

في الوثيقة التي أصدرتها السلطة المؤقتة للتحالف"CPA"، قبل حلها في العام 2004، ورد البند الذي يحمل الرقم 17 ويقضي بأنه يمنع على المحاكم العراقية أن يرفع أمامها أو أن تنظر في أية دعوى قضائية ضد أي جندي أمريكي أو موظف أجنبي هناك.

 

هذا يعني أنه يتعين على أقارب الضحايا الذين سقطوا في مجزرة حديثة، التريث في الوقت الحالي.

 

في أحد أعدادها الأخيرة، أوردت جريدة الواشنطن بوست، حوارا مع محامي هؤلاء و هو المسمى، وليد محمد، جاء فيه على لسان هذا الأخير: "إن هذه العائلات حاليا بصدد الانتظار، إنها تنتظر أن تصير القوانين هنا شبيهة بتلك التي سنت في أمريكا لأجل حماية الكلاب هناك... لقد أضحى العراقيون في نظر الأمريكيين كلابا".

 

 

---------------------

(*) أنس شلال هو محلل سياسي عراقي يحمل الجنسية الأمريكية.

العنوان الأصلي للمقال: "هل لحياة كل الناس، القيمة ذاتها؟ نظام التعويضات الأمريكي الحالي يقول غير هذا" نشر في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور