مسكين أنت أيها اللبناني

منذ 2006-09-02

د. نهى قاطرجي

 

مسكين أنت ايها اللبناني... عنوان قد يشعر القارئ بمضمونه قبل أن يقرأ محتواه، ما الجديد الذي يمكن أن يـأتي به هذا المقال أكثر من المشاعر الملتهبة والاستنكار الصارخ من شعب عاني الأمرين من ظلم العدو الطامع دوماً في أرضه ومياهه؟ ماالجديد الذي يمكن أن يأتي به والناس أصبحوا يرون ويشاهدون بأعينهم وفي اللحظة نفسها ما يجري في هذا البلد الذي لا تتعدى مساحته الـ 10452 كم مربع.. هذا قبل أن يقرض اليهود بعضا من كيلومتراته.

 

مسكين هذا الشعب اللبناني ومن قبله الشعب الفلسطيني والعراقي والأفغاني، ومن بعده المصري والسعودي والقطري وكل مسلم يعتقد بأن بالسعادة تأتي عن طريق إنجاب الأولاد وجمع الثروات والتلهي بشؤون الدنيا، لذلك نجد كثيراً من أبناء هذا الشعب يرفضون الحرب الدائرة على الأراضي اللبنانية اليوم ويتمنون لو يستطيعون أن يبرموا اتفاقية سلام مع العدو معتقدين بأن هذا سيحميهم من بطشه وجبروته من جهة، ويجعلهم يعيشون آمنين سعداء في وطنهم وأرضهم من جهة أخرى. وقد تناسى هؤلاء أنهم يتعاملون مع أمة ضالة عرفت منذ فجر التاريخ بالغدر والخيانة ونقض العهود، لذا فتصرفها اليوم لا ينتج عن خطف أسير أو قتل جندي بل وفق أسطورة تاريخية تدعو إلى بناء دولة يهودية من النيل إلى الفرات تكون مقرا نهائيا لكل يهود العالم. لذلك تجدها تتحين الفرص لتحقيق حلمها عند أول مناسبة.

 

إن "إسرائيل" وإن كانت تعلم علم اليقين بأنها لن تنجح في محاولتها بفرض الاستسلام على الشعب اللبناني، وبأنها ستلقى مقاومة عنيفة من أبناء هذا الشعب، ولكنها على الأقل ستستمر في منعه من العيش بسلام وكرامة، وتدفع بالكثير من أبنائه إلى الهجرة للتخلص من وحشية دولة لا يدري متى تقرر أن تهاجمه وتهدم ما بناه لسنوات طوال.

 

مسكين هذا الشعب اللبناني لسببين: الأول أنه وإن تمتع بهذه الزينة على الأرض لبعض الوقت، إلا أن هذا لن يدوم، لأن اليهود بالمرصاد وهم لا يحاربون بالسلاح فقط ولكن بالاقتصاد أيضا، وهم لا يؤمنون بحق الشعوب في الحياة لأنهم بنظرهم غوييم من الجنس الأدنى، خلقوا لخدمة هذا الشعب الآري المميز "شعب يهود". لذلك يسيطر أغنياء يهود على مقدرات العالم وخاصة في الدول الكبيرة وهم يستخدمون الاقتصاد سلاحاً يضغطون بواسطته على حكام الولايات المتحدة من أجل الحصول على دعمهم العسكري والأمني.

 

أما السبب الثاني فإن من يفكر بالعيش بسلام فهو مسكين أيضا، لأنه يفكر بمنطق مخالف لسنن الله في الأرض. والله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان في هذا الكون لإعمار الأرض ماديا فقط ولكن لينشر دين الإسلام، وهذا لا يكون دوما بالحوار والسلام بل بالحرب والقوة وإعداد العدة.. فأين هذا المنطق من منطق كثير من مسلمي اليوم في لبنان وفي بعض الدول العربية التي لا تحكم بشرع الله.. وأنا أتحدث هنا في الغالب عن الدول التي أبرمت معاهدات السلام أو تنتظر إبرامها. أين هؤلاء من قول الله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]. فهل يعتقد هؤلاء بأنهم إذا حافظوا على الصلوات وكافة العبادات قاموا بواجبهم تجاه دينهم وربهم. وهم بذلك يحافظون على إسلامهم ولم يتبعوا اليهود ولا النصارى، فهل تناسى هؤلاء بأن تصرفاتهم تدل على عكس ذلك، فما الفرق بين أي أميركي يعيش في أميركا وبين ذلك المسلم الذي يرضى أن تحكمه دولة مثل أميركا وهي التي قتلت المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان، وهي التي تدعم اكبر دولة إرهابية وتمدها بالسلاح وتدافع عنها أمام المجتمع الدولي، وهي التي ترفع سلاح الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد أي مشروع يمكن أن يدينها أو يهز من مشاعرها.

 

مسكين أنت أيها المواطن اللبناني الذي لم يشهد في تاريخه سوى الحروب والدمار، وهو وإن لم يعش المعارك العسكرية على أرضه في بعض الفترات، فإنه يشهد تلك الحرب الباردة على طاولات الحوار وفي جلسات البرلمان، والتي تكلفه من أعصابه أكثر مما تكلفه الحروب من أمواله، لذلك كفر هذا الشعب بحكامه ورؤسائه الذي يتبع كل واحد منهم لدولة يتحدث بلسانها وينقل برامجها وخططها.. لقد أدى التناقض في تركيبة الدولة وفي النظم الطائفي إلى استغلال دول العالم القريبة والبعيدة هذا التناقض من أجل زيادة حدة الانقسامات الداخلية لتنفيذ مآربها الخاصة.. كل هذا والمواطن اللبناني مشغول بلقمة عيشه التي ضاقت يوما بعد يوم إلى أن دفعته للتخلي عن هويته اللبنانية واستبدالها بأخرى كندية أو فرنسية أو استرالية أو أميركية، يستعملها أثناء الحاجة كما هو الحال اليوم مع البعض النازحين الذين ناشدوا الرئيس ميتران والرئيس بوش إنقاذهم، فقال أحدهم: "نحن مواطنون أميركيون نطالب الرئيس بوش بإنقاذنا" والحديث باللغة العربية طبعا. وإن كان المتحدث أبدى استعداده للحديث باللغة الإنكليزية كي يصدقه الرئيس بوش، وقالت أخرى معترضة على عدم اهتمام السفارة الكندية برعاياها:"لقد تبين لنا اليوم أننا مواطنون من الدرجة الثانية".

 

مسكين أنت أيها اللبناني الذي تنتظر الدعم والنصر من دول العالم الغربي، بينما في الحقيقة لست أول شعب يقتل ويباد، فلقد سبقك الفلسطيني والعراقي وهاهو دورك الآن يأتي لتقف أمام عدسات مصوري العالم الذين يتسابقون في نقل مناظر الدم والجثث عبر الأقمار الاصطناعية.. كل هذا والعالم ينظر بإمعان وكأنه يشاهد فيلماً من أفلام الرعب التي تنتجها هوليود وتكلفها ملايين الدولارات، وهو إذا أخذته النخوة رفع صوته بالاستنكار في بعض الأحيان وبتقديم المساعدات في أحيان أخرى.. وكأن من يقتل ليس بإنسان، مع أن هذه الدول نفسها تتبجح بدفاعها عن حقوق الإنسان وتبرم الاتفاقيات الدولية التي تحمي المدنيين أثناء الحروب. أين تطبيق هذه الاتفاقيات في لبنان وقبلها في فلسطين وأفغانستان والعراق؟ أين حماية حق المدنيين والناس يقتلون في هذه الدول مثل الجراد؟ أين كل هذا إن لم يكن مجرد شعارات واهية لا تطبق إلا على الدول الفقيرة والنامية ودول العالم الثالث والتي من بينها دول العالم العربي والإسلامي؟

 

أخيرا، مسكين أنت أيها اللبناني التي تفتخر بعروبتك وتنتظر الدعم من حكام وشعوب الدول العربية العاجزين حتى عن حماية أنفسهم، فالحكام مشغولون بحماية كراسيهم، والشعوب إما مقموعون عاجزون عن الوقوف في وجه حكامهم، وإما مشغولون بزيادة أموالهم التي كان للحرب فضل في زيادتها،"فمصائب قوم عند قوم فوائد"، وإن كانت خسارة بعض هؤلاء أكبر، فهم خسروا بلدا كانوا يعتبرونه متنفسا لهم ينفقون فيه أموالهم في وجوه العصيان والفسوق المنتشرة بكثرة في بلد قائم على "السياحة".

 

ما ورد سابقا يمثل صورة من صور هذا الشعب المسكين، ولكن ما لا يجب أن ننساه أن هناك في الجانب الآخر صورة مشرقة لذلك اللبناني المقاوم الذي رفض الاستكانة والذل وأدرك من هو عدوه الحقيقي ووجه حربه ضده وكسر بذلك أسطورة جيش لا يقهر.

المصدر: صيد الفوائد