السيرة المختصرة للإمام المجاهد أبي عمر السيف في الشيشان
من كان يخضب خده بدموعه *** فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل *** فخيولنا يوم الكريهة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا *** رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من حديث نبينا *** قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في *** أنف امرئ ودخان نار تلهب
لعله لم يكن يدور في خلد الإمامين الجليلين سفيان الثوري والفضيل
بن عياض رحمهما الله تعالى حين تمت المراسلة بينهما بهذه الأبيات أن
التاريخ سوف يعيد نفسه، وأنه بعد قرابة نحو عشرة قرون من الزمان سوف
يتكرر هذا المشهد بكل تفاصيله.
هاهو ذا النقاء في الجهاد وهاهم أولاء المجاهدون الذين خرجوا ابتغاء
إقامة دين الله في الأرض، ليعبد الله وحده، ولم يكن همّ الكثير منهم
زخرف الدنيا وبهرجها، ولو كان ذلك لما تركوا أوطانهم وأهلهم.
ويأتي على قمة من قمم هذا الجهاد السامقة الشيخ أبو عمر السيف رحمه
الله حيث قضى عقداً من الزمن في بلاد الشيشان مجاهداً وعالماً ومفتياً
وداعياً إلى الخير ومعلماً للناس الخير، ومصلحاً بين الناس.
لقد جسد هذا الإمام دور العالم الحق الذي كنا ومازلنا نقرأ سيرته في
كتب السير والتراجم، ذلكم العالم الذي يعد نبراس الأمة، فتلجأ إليه في
الشدائد والمدلهمات ـ بعد الله تعالى -، تلجأ إليه بقضها وقضيضها
بحاكمها ومحكومها، لينير لها الطريق، ويبصرها بأمر الدين، ولم يكن هذا
الإمام إماماً في العلم والدعوة فحسب، بل كان قائداً للمجاهدين أيضاً
وفي مقدمتهم.
وهكذا يكون نقاء الجهاد وصفاؤه حين يقوده أهل العلم الذين يبتغون
مرضاة الله وفضله { الَّذِينَ
يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ
أَحَداً إِلَّا اللَّهَ } [الأحزاب:39]، فلا يميلون ذات اليمين
ولا ذات الشمال وإنما يثبتون على الصراط المستقيم، مهما اشتد البلاء
أو ادلهمت الخطوب، ومهما تزخرفت الدنيا وتبهرجت.
فلنتعرف على لمحات من سيرة هذا الرجل العملاق في الشيشان، كتبت على
عجالة من الأمر، وسوف تقرؤون قريباً سيرته مكتملة موثقة بإذن الله
تعالى. وقبل أن ندلف إلى سيرته، دعونا نستذكر معا قول المتنبي
الشهير:
وتعظم في عين الصغير صغارها *** وتصغر في عين العظيم العظائم
فلنستمع ولنستمتع بقصة هذا البطل الذي وضع بَصمته على الجهاد
والمجاهدين في أرض الشيشان وعمل بِصَمت لإقامة دين الله، وتحكيم شرعه
في تلك البلاد.
فقبل نحو عقد من الزمان، وتحديداً في ربيع الآخر عام 1417هـ انتهى
المطاف بأبي عمر إلى بلاد الشيشان وكان ذلك إبّان الحرب الأولى عليها،
وقبل انسحاب الغزاة الروس بثلاثة أشهر. هذا الشاب الذي ترك منصبه
كمعيد بكلية الشريعة بالقصيم، وترك أيضا ما عرض له من منصب القضاء بعد
تخرجه بامتياز مع مرتية الشرف.
وقد انخرط فور وصوله في معسكر القائد ابن الخطاب رحمه الله، ولم يكن
أبو عمر معروفاً آنذاك، حيث كان حريصاً على البعد عن الأضواء، حتى جاء
القائد أبو الوليد رحمه الله يوماً لزيارة المعسكر، فلم يكد يصدّق ما
رأته عيناه، حين رأى أبا عمر والذي كان أميره في بلاد الأفغان ومعلمه،
فسرّ بذلك أيما سرور، وقام بالتعريف به بين قادة المعسكر، ونبه الناس
إلى علمه وفضله، ففرحوا وعرفوا للرجل مكانه ومكانته.
وحين وضعت الحرب الأولى أوزارها، وبدأ الغزاة الروس في الانسحاب، طفق
الشيخ أبو عمر يعدّ العدة للبدء في التعليم والتوجيه، فبدأ بإقامة
الدروس للمجاهدين، وتعليمهم أمور الدين وفقه الجهاد، ففرح القادة
بذلك، لأنه كفاهم مؤونة التوجيه والتعليم وسد ثغرة طالما كانت تؤرق
قادة الجهاد في الشيشان، وهي كذلك تؤرق قادة الجهاد في كل مكان حيث
نقص الكوادر العلمية.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تطور إلى ما هو أعظم، فبعد أن أتم الروس
انسحابهم أعلن الرئيس الشيشاني سليم خان ياندر بييف ـ رحمه الله ـ
نيته في تطبيق الشريعة الإسلامية في هذه الجمهورية، وبدأت المراسلات
بينه وبين الشيخ أبي عمر عن طريق القائد الشيشاني عيسى تكبير المندوب
الخاص للرئيس والشيخ شمس الدين باتوكايوف والذي عيّن فيما بعد رئيساً
للمحاكم الشرعية. وكانوا قد عرفوا الشيخ أبا عمر والتقوه وأعجبوا
بشخصيته وسعة علمه وفقهه. وكان مما طلب الرئيس الشيشاني من الشيخ أبو
عمر في هذه المراسلات إيجاد دستور إسلامي للبلاد.
وقد ظهر للشيخ أبي عمر حرص الرئيس وجديته في هذا الاتجاه فرغب في
مقابلته. وتمت المقابلة في شهر رجب من عام 1417هـ. بمعية الشيخ فتحي -
رحمه الله - أمير الجماعة، وقد جرى في هذا اللقاء المبارك حديث مطول
بين الشيخ والرئيس في أهمية وكيفية البدء في تطبيق وتحكيم الشريعة.
وقد أكد الشيخ على جملة قضايا، من أهمها: دور السلطة السياسية وأن
يتعدى الإعلان عن تطبيق الشريعة إلى الخطوات العملية التفصيلية
تطبيقاً وتنفيذاً؛ ومن ذلك إقامة المحاكم الشرعية، وإقامة جهاز
الحسبة، وبناء المساجد، وتعليم الناس أمور الإسلام.. إلى أمور أخر
يمكن مراجعة تفاصيلها في الفلم الوثائقي الذي سينشر بإذن الله في موقع
القوقاز.
وقد تتابعت اللقاءات بعد ذلك، وأصدر الرئيس سليم خان - رحمه الله -
عدة مراسيم؛ فأصدر مرسوماً بتأسيس المحاكم الشرعية وآخر بتأسيس جهاز
الحسبة وسماه (حرس الشريعة) ومراسيم أخر تنظم التعليم والمساجد
وغيرها.
ولما ظهر للشيخ أبي عمر - رحمه الله - صدق توجه الرئيس ورغبته في خدمة
الإسلام، فرح بذلك ونذر نفسه وتفرغ للقيام بهذا العمل الجلل وواصل كلل
الليل بكلل بالنهار، وتولى بنفسه الإشراف على أهم الأجهزة في هذه
المرحلة وهو تنظيم وتعليم القضاء الشرعي فأسس معهد القضاء الشرعي
ومعهد حرس الشريعة في مدينة "قودرميس"، فكان يعُدّ القضاة بالتعليم
والمدارسة ليلاً ويباشر معهم الفصل في أقضية الناس التي قيدوها بالأمس
بعد صلاة الفجر قبل أن يجلسوا للناس، حتى أينعت هذه المحاكم وعمت
بركاتها، وكثرت حتى بلغت فروعها ستة وعشرين محكمة. وتخرج على يديه ثلة
من القضاة وطلاب العلم.
وقد وقف الشيخ أبو عمر - رحمه الله - إلى جانب الرئيس الشيشاني سليم
خان في توجهاته المباركة. فأعلن دعمه له، ودعا الناس إلى ذلك، وأسهم
هو شخصياً في دعمه مادياً، على قلة ذات يده وتبنى بنفسه القيام على
هذا الصرح الكبير، لأولويته وأهميته، بخاصة أنه ثمرة الجهاد في سبيل
الله.
وقد ظهرت آثار تطبيق الشريعة جلية واضحة على الناس فأمنوا على أموالهم
وأعراضهم، وبنيت المساجد وكثر المصلون وانتشرت حلق التعليم ومنع
الفساد، في بلد كانت تعمه الفوضى وتتحكم فيه العصابات وتخفى على كثير
من أهله معالم الدين وأحكام الشرع.
وبعد ثلاث سنوات من قدومه، وتحديداً في شهر جمادي الأول من عام
1420هـ؛ هاهي طبول الحرب تقرع مرة أخرى، وهاهي نذرها بدأت تظهر، ويعود
الغزاة الروس مرة أخرى إلى الشيشان، ويشاهد أبو عمر كل ذلك بأم عينه،
فيبلغ منه الهم كل مبلغ، حتى لم يعد يذق طعم النوم في تلك الليالي
الباردة في تلك البقعة القصية من الأرض.
وفي إحدى الليالي بات الشيخ مهموماً، وفي الثلث الأخير من الفجر قام
وكتب رسالة مؤثرة إلى المسلمين ذكرهم بما هو واجب عليهم في تلك المحنة
والمصيبة الواقعة على الشعب الشيشاني، والشيخ حين يكتب كتاباً فإنه لا
يستطرد، بل ينتقي جوامع الكلم، ويكثر فيه من الاعتماد على نصوص الكتاب
والسنة حتى لكأنك تقرأ كلام بعض السلف.
تأملوا معنا هذا المقطع المنقول من أحد بياناته، إذ يقول: "إن ما وصل
إليه حال الأمة اليوم من الذلة والضعف وتكالب الأعداء على خيراتها
يرجع إلى تخليها عن خصلتين من خصال حملة الرسالة وهما الشجاعة والكرم
وبهما يقوم الجهاد في سبيل الله تعالى، فبالشجاعة يجاهد المسلم بنفسه،
وبالكرم يجاهد بماله، ومتى تخلت الأمة عن هاتين الخصلتين فقد تخلت عن
حمل الرسالة كما أرادها الله أن تحمل ورضيت بالذلة والضعف، قال صلى
الله عليه وسلم: « يوشك أن تداعى عليكم
الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها »، قيل: يا رسول
الله فمن قلة يومئذ قال: « لا، ولكنكم
غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم،
لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت ».
وكانت جديرة بالاستبدال لتخليها عن هاتين الخصلتين، قال الله تعالى عن
ترك الشجاعة: { إِلاَّ تَنفِرُوا
يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا
غَيْرَكُم } [التوبة:39] وقال عن ترك الكرم والإنفاق في سبيل
الله: { هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ
لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن
يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ
وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا
غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } [محمد:38]،
وهذه سنة الله تعالى المشاهدة الملموسة في الواقع، ووعده الصادق الذي
لا يتبدل.
فعندما اتصف رجال قليلون من هذه الأمة بهاتين الخصلتين - الشجاعة
والكرم - في بلاد الشيشان استطاعوا بحمد الله تعالى دحر العدو الروسي
الكافر الذي خرج من البلاد يجر أذيال الخيبة والهزيمة.
و الغاية التي شرع لأجلها الجهاد بالنفس والمال أن تكون كلمة الله هي
العليا ويكون الدين كله لله، قال تعالى: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللّهَ
بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِير }، وقال تعالى: { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز . الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي
الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ
الْأُمُور }.
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله
صلى الله عليه وسلم، الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي
ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في
سبيل الله... »" ا.هـ.
ثم شرع في لقاء قادة المجاهدين والبحث معهم في كيفية الاستعداد لدفع
الغزاة، من شراء الأسلحة والمؤن، وفي موازاة ذلك كان حريصاً على جمع
كلمة المجاهدين والتأليف بين قلوبهم، ولم يكن رحمه الله منظراً
للقتال، أو داعياً إليه بقلمه فحسب بل كان في مقدمة المجاهدين، وقد
أصيب مراراً في مواضع كثيرة من جسمه جعلته طريح الفراش حيناً من
الدهر.
ونذكر هنا قصة المسيرة الشهيرة التي عرفت باسم مسيرة (شاتوي) وكان
الشيخ أبو عمر رحمه الله مشاركاً في تلك المسيرة وقد حصل له خلال
المسيرة تعب شديد وكل ذلك في شدة البرد ووعورة المسالك تحت القصف، وقد
جرى عليهم من الأهوال ما تعجز عن حمله الجبال، وبعد ستة عشر يوماً من
المسير والحصار، مكث في قرية "خاتوني" مع الجرحى والمرضى. وكان في هذه
الفترة يمكث مرة في الغابات وأحياناً في القرية متخفياً، ونذكر موقف
حدث له في هذه القرية أنه جلس في إحدى السيارات وقد مر العدو بآلية من
جانبه ولم يكن بينهم سوى ثلاثة أمتار فقط ولم يشاهده الروس ولله الحمد
وخاصة أن الشيخ يبدو وشكله واضحاً أنه من العرب.
وبعد أكثر من شهر تقريباً أرسل القائد خطاب رحمه الله تعالى إلى الشيخ
أبو عمر رحمه الله ومن معه من المجاهدين مجموعة كاملة بقيادة أبو
الوليد الغامدي حتى يتمكن من نقلهم إلى "سرجينيورت" حيث معسكر الإخوة
المجاهدين في الغابات هناك.
وفي مقابل ذلك؛ فقد حرص الشيخ على توثيق صلاته بالعالم الإسلامي، وعلى
رأسهم علماء الأمة الكبار، ومنهم الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه
الله، فقد كان كثير الاتصال بهم، يبين لهم الأمور، ويشرح لهم الأوضاع،
بل لقد كان الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يتابع أمور الجهاد في الشيشان
بنفسه، فكان كثيراً ما يتصل ويسأل عن أخبار الجهاد، وأحوال المجاهدين،
ويوجه ويرشد وينصح.
وإضافة إلى انشغاله رحمه الله بالجهاد والمجاهدين، فقد كرّس جزءاً
كبيراً من وقته للتعليم، فقد عني بتأسيس المعاهد، فقد أسس معهد
(الإمام الشافعي) بعد تأسيسه لمعهد القضاء الشرعي ومعهد الحسبة الآنفي
الذكر، وكان أهم أنشطة هذا المعهد تخريج الدعاة والقضاة.
إضافة إلى القيام بدورات دعوية وشرعية مختلفة، مع حرص وعناية
بالداعيات من النساء، ودعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحث
الناس عليه.
ولم يكتف رحمه الله بكل هذا، بل أسس جمعية الهدى الخيرية والتي كانت
تعنى بالفقراء والأرامل والأيتام إلى جانب أعمال الدعوة وبناء
المساجد، وتهيئة المصليات في المؤسسات والمرافق العامة، وقد أشرفت هذه
الجمعية على طباعة عشرات العناوين، ومئات الآلاف من النسخ باللغتين
الروسية والشيشانية كما عملت على توعية الشعب الشيشاني بأحكام الشريعة
وتوضيحها للناس، وتطبيق الحدود تدريجياً بعد تعليم الناس
وتفقيههم.
وكانت الجمعية تستقبل كثيراً من المعونات العينية من أطعمة وملابس
إضافة إلى بيته الذي كان مقصداً لذوي الحاجات من عامة الناس، حيث كان
يحرص عل نفعهم وإفادتهم والإحسان إليهم.
وكان شديد العناية بالمساجد من حيث البناء، واختيار الأئمة المناسبين
وكفالة الدعاة وتوزيعهم على المناطق. ولم يشغله كل هذا عن العناية
بالمجاهدين، فكان يخطب الجمعة فيهم، ويحرص على زيارة معسكراتهم، وكان
يدعم هذه المعسكرات في أماكن عدة من بلاد الشيشان.
لقد كان شديد العناية بالجوانب الإنسانية لديهم، فقد كان يعالج مرضاهم
وقد اتفق ذات مرة أن قائداً شيشانياً أصيب، وعند محاولة إخراجه
تهريباً إلى خارج الشيشان للعلاج وقع في الأسر لدى الروس، فافتداه
الشيخ بعشرة آلاف دولار، وحرر القائد في أقل من يومين بحمد
الله.
الشيخ أبو عمر في الحرب الأخيرة..
مع دخول القوات الروسية الغازية أرض الشيشان من جديد، بدأ الشيخ أبو
عمر - رحمه الله - يحرّض الناس على الجهاد، ودفع العدو الصائل، ويدعو
المحسنين في أنحاء العالم الإسلامي إلى دعم الجهاد، وكان أحد المؤسسين
وأبرز الداعمين لمجلس الشورى العسكري للمجاهدين في الشيشان وتنقل في
جبال الشيشان ووديانها، مع المجاهدين حسبما كانت تمليه ظروف الحرب،
وكان أثناء ذلك كله يقاتل بنفسه، وكان مرجعا ًشرعياً للمجاهدين فيما
يشكل عليهم وفي تجميع صفوفهم، وتوحيد آرائهم، مذكّراً بأهداف الجهاد
وما أعده الله لأهله في الدنيا والآخرة، وعلى أن الغاية منه إقامة دين
الله في أرض الله وأن يعبد الله وحده. وقد التقى الرئيس الشيشاني
أصلان مسخادوف لهذا الغرض، واتفق معه على ذلك، كما كان همزة وصل بين
المجاهدين وبين العلماء في بلاد الحرمين، وفي مقدمتهم الشيخ محمد بن
عثيمين رحمه الله، كما أسلفنا.
وقد أصيب الشيخ في مواجهاتٍ مع العدو إصابات عديدة كما جرت عدة
محاولات لاغتياله، نجا منها بفضل الله تعالى، وقد طلب الشيخ الشهادة
في مظانها حتى ظفر بها - نحسبه كذلك - بعد حياة من الجهاد، تعلماً
وتعليماً، ودعوة ومجالدة للعدو، كلما سمع هيعة أو فزعة طار إليها، فلا
نامت أعين الجبناء.
وفاته:
قتل الشيخ في شهر شوال من عام 1426هـ بعد مواجهة مع العدو، مقبلاً غير
مدبر، تقبله الله في الشهداء.
مواقف ومآثر:
• كان للشيخ دورُ في إدخال كثير من العرب الذي قاتلوا في الشيشان
ومنهم القادة مثل أبو ذر الطائفي رحمه الله.
• الشيخ كان كثير الهم والحرقة على أوضاع المسلمين.
• كان الشيخ معتنياً بالدعاء مكثراً منه في كل أحواله؛ ولذلك كان
معجباً بكتاب "الدعاء من الكتاب والسنة" للقحطاني.
• كان معجباً بأبي ثابت "صالح الدهيشي" رحمه الله الذي قتل في بداية
الحرب الثانية، ويقول أنه يتمنى أن يلقى الله بمثل أعمال أبو ثابت
الصالحة.
• لا يستعجل بالإفتاء بل يكثر التفكير عند السؤال أحياناً وأحياناً
يقول لا أعلم ولا يستحي من ذلك.
• محبوبٌٌ لدى القادة فهم يتتابعون إلى المجئ إليه.
• كان يؤول الرؤيا، وقد رأى أول القتال الشمس، وقد خرجت من المشرق
صباحاً، فقال إن هذه الحرب تطول والله أعلم.
وفي أحدى حصارات الروس للمجاهدين؛ رأى الشيخ سالم وفوق كتفه أبو
الوليد، فقال سوف نخرج سالمين بإذن الله، وقد كان القائد أبو الوليد
هو الأمير في تلك المجموعة وقد خرجوا سالمين بحمد الله في ذلك
اليوم.
• الشيخ كان يتميز بالذكاء والدهاء وذو فراسه، وصاحب شخصية قوية بل
قوية جداً يهابه الجميع، وذو سعة صدر، وطول بال، وتواضع كبير، قليل
الكلام إلا ما ينفع، كثير الصمت، هادىء الطبع في حركاته، وسكناته، ذو
حياء شديد، وصاحب عزيمة وإصرار منقطع النظير، لا يداهن ولا يجامل على
حساب الشرع، صاحب تأمل وتروٍ في اتخاذ القرارات المهمة، سهل المعشر لا
يميل إلى الحدة والغلظة في التعامل مع الإخوة، بل كان سهلاً ليناً،
ولكنه حاد في العمل، إذا عاشرته أحببته وإذا رأيته هبته.
وبعد،
فهذه نفحة من طيب أبي عمر رحمه الله تعالى العالم المجاهد الذي جدد
دور أهل العلم في الجهاد في سبيل الله، أردنا بها تذكير أهل العلم
بمسؤوليتهم ودورهم في نصرة الأمة، والذب عن حياضها، فقد ترجل هذا
الإمام المجاهد، ولقي ربه، راجين أن يكون ممن قضى شهيداً مع رفاقه،
نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحداً، ونسأل الله تعالى أن
يجمعنا بهم في مستقر رحمته، وأن يقيض للأمة من يعيد لها سيرة الجهاد
والمجاهدين النقية.
- التصنيف: