تونس والخرقة البيضاء
بسم الله الرحمن الرحيم
كان أحد المشايخ المشهورين الآن - والذي عُرف بتغيّر منهجه وطريقة
دعوته وطرحها - قد طرح تساؤلا في إحدى محاضراته القديمة عن موضوع عوام
الغرب وعداوتهم للإسلام حيث انتشر بين الناس حب هذه الفئة وعدم
الاكتراث بالولاء والبراء بحجة عدم صراحة عداوة هذه الفئة للإسلام
والمسلمين ، فأجاب إجابة جميلة نختصرها بأن هذه الفئة في صدرها نار
كامنة قد تتحرك وتتهيج في أول صدام مع الإسلام أو عند الإحساس بأي خطر
من قبل الإسلام ، وكلام هذا الشيخ كان صحيحا للغاية فنحن نرى ذلك
بأعيننا من عداوة وتضييق وتَعَدّ صارخ واضح تجاه الإسلام والمسلمين ،
وما أحداث الدانمرك ومساندة أوربا وأمريكا لها عنا ببعيد .
حقيقةً .. حين سمعت بأخبار أخواتنا في تونس وما يحدث لهنّ الآن من ظلم
ومحاربة من هذا النظام الظالم المارق ، وحين تسمع نداءات علماء تونس
ونداءات المسلمات ، من منعهم من الخروج مُحْتَجِبَات ، وفصلهن من
وظائفهن وأعمالهن ، وملاحقتهن في الأسواق والجامعات بل حتى عند أبواب
بيوت الله ، وإلزامهن بكتابة تعهدات على عدم ارتداء الحجاب ، حتى وصل
الأمر منع المحجبات الحوامل من دخول المستشفيات للمراجعة أو الولادة
!
ومن المضحك المبكي مصادرة اللعبة ( فلة ) من الأسواق لأنها لعبة محجبة
بخرقة بيضاء تمثّل دعوة للباس الطائفي !! فاضطرت أخواتنا المسلمات
العفيفات القابضات على الجمر بلزوم البيوت وتطليق الوظائف والجامعات
تمسكا بدينهن وطاعة لربهن .. أقول : حين سمعت هذه الأنباء تذكرت كلام
هذا الشيخ والمسألة التي تطرق لها هل فعلا هذا المخبوء في قلوب عوام
الغرب كان يتناصف أو يتضاعف في قلوب هذه الأنظمة ؟!
فيا سبحان الله .. إحساس بالخطر = ظهور العداوة !! ، وأي خطر ظهر يا
قوم ؟! إنه حجاب تغطي المرأة فيه ما أمرها ربها سبحانه ، ليت شعري لو
أردنا تطبيق الشريعة ؟! ليت شعري لو أردنا رفع راية الجهاد ؟!
أأعيتكـم مجابهـة الحجـاب *** فصادرتـم حقوق الناس ، سَفَلـهْ
ولي مع هذه الأحداث بعض الوقفات والخواطر :
1- تبين ووضوح عداوة هذا النظام للإسلام والمسلمين مما لا يجعل عندنا
أي اعتذار أو عذر له ولزبانيته ، فهذه العداوة الصريحة للدين توجب
الكفر بالله تعالى والردة عن دينه ، قال الله تعالى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا
كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ
كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ
طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ } [التوبة:65-66]
فإذا كان مجرد الاستهزاء بدين الله تعالى يوجب الكفر بعد الإيمان فمن
باب أولى من يحارب دين الله تعالى أو يحارب شعيرة من شعائر دينه
الظاهرة المتواترة المعلومة من الدين بالضرورة أنه يكفر ولا يقبل منه
اعتذار .
2- إذا كان هذا النظام الفاسد قد استباح لنفسه هذا العداء وإيذاء
المسلمين ، فإني أعجب كل العجب ممن يتسمون رجال الشرطة والأمن هناك !
وهم أصلا من أبناء هؤلاء النسوة وإخوانهن وأزواجهن وآباؤهن ، كيف لمن
يحمل اسم الإسلام أن يرضى بمثل هذا الكفر !
وإن والله هؤلاء الرؤساء ضعفاء في أنفسهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا
ضرا ، ولكن حينما سَرَتِ العبوديةُ لهم في قلوب أتباعهم واسْتَحْكم
الذلّ على قلوبهم وجثم الخَوَر على صدورهم ، صار هذا "الهُبَل" مُطاعا
مسموعَ الكلمة بينهم ، ولو أنّ هؤلاء الرجال رفضوا وعصوا وأضربوا عن
العمل لَعَجَزَ هذا "الهُبَل" الفاسق الفاجر عن التحرك ! وهذا أقلّ
الأحوال إن لم يقف الجيش والمسلمين وقفة صادقة وقلبوا النظام على رأس
سيّده ، كما حدث في موريتانيا قبل سنة ونص ، وما حدث أخيرا في ماليزيا
، انقلاب من الجيش على النظام بسهولة ويُسْر ، لكنّ المصيبة والحسرة
أن فُقِدَت هذه العزة وهذه الرجولة من قلوب هؤلاء القوم ، وإني
لأتحسّر على الغيرة التي ضاعت فضلا عن تحسّري على ضياع دينهم وإسلامهم
، فلو كانوا يعرفون الدين والإسلام معرفة صحيحة لما سرت هذه الأمراض
إلى قلوبهم ، وإني لا أجد نفسي إلا متحسرا كما تحسر الإمام الذهبي
قائلا : ( آه واحسرتاه على قلة من يعرف دين الإسلام كما ينبغي )
.
3- إنه يوم السّعد للعلماء ، إنه يوم المفخرة العظيمة ، إنه .. يوم
الصدع بالحق ! فيالله على هذه الكرامة التي ستُحْبَوْنَها يا ورثة
الأنبياء ، إنه اليوم الذي ستقف فيه لله وفي الله ، تقوم بكتاب الله
تعالى ، تحل مَحَلّ النبي صلى الله عليه وسلم ، ومحلّ الصحابة الكرام
، ومحلّ سعيد بن جبير ، ومحلّ أحمد بن حنبل ، ومحلّ شيخ الإسلام ابن
تيمية ، ومحلّ محمد بن عبد الوهاب ، ومحلّ سيد قطب ، ستكون في صفهم
وفي منزلتهم ، حينما تقف في وجه الظلم وتقول له : لا ! ، حينها نرفعك
على الرؤوس ونلهج بالدعاء لك في السجود ، ونسأله تعالى أن يثبتك ،
وسنلتف حولك ونتبعك وندافع عنك ، وهذا ليس بشيء يا مشايخنا من الأجر
العظيم والوفير الذي ستناله من الله تعالى ، فإذا كان المسلم يغفر
بالشوكة يشاكها ذنوبَه كلّها ، فما بالك أن تسجن لله وتوقف عن الخطابة
لله وتمنع من الدروس لله وتؤذى لله ولعلك تعذّب وينتقص منك ويؤلّب
عليك علماء السوء وسفهاء القوم .. وكل ذلك لله وفي لله ، وإذا استشهدت
في سبيله ... فسنقول سيد الشهداء !! كما أخبرنا بذلك عليه الصلاة
والسلام .
4- لحرائر تونس العفيفات .. القابضات على الجمر .. تذكرن أخوات
لَكُنَّ في الشيشان يوقَفْنَ في التفتيش والمدارس فيكشف عن جلابيبهن
وغطائهن علج كافر نجس ، فتسيل دمعة من عيونهن حسرة وقهرا وفي قلبها :
أين المسلمون ؟ ، تذكري نساءً في العراق مسجونات يُغتصبن على أيدي
الصليبيين الأنجاس والرافضة المجوس ويُرْمَيْنَ في الشارع يلفحُ خوفُ
العار والشنارِ قلوبَهن ، تذكّري مِحْنَةَ أخواتِكِ في فرنسا وما حلَّ
بهنَّ ، وتذكري وتذكري وتذكري .. كل ذلك لتعلمي أن ما ذلك إلا حرب
ومعركة ليس لأنّك تونسية ، وليس لأنك وضعت هذه الخرقة البيضاء على
رأسك ، إنما لِمَا تحمله من دين وعزة وكبرياء تتزلزل لذلك أركانهم
وترتعد له فرائصهم ، وأنت أختاه .. أم المثنى وخالد والقعقاع وأسامة
.. لن ترضَيْ بأقل من النصر أو الشهادة .. فامض على بركة الله تعالى
.. واقْبِضِ على الجمرة .. فإنها والله حياة دنيئة حقيرة وهي صَبْر
ساعة .. والملتقى عند حوض النبي صلى الله عليه وسلم لتشربي منه وتروين
فلا تظمئي بعده أبدا .
5- أنتِ يا مَن تسمعين بهذه الأخبار والمحن ، يا من رميتِ الحجاب
للدنيا ، يا من رميتيه لأجل وظيفة ونسيتِ أن الرزق بيد الله تعالى ،
ألا من عودة ورجعة إلى حجابك وحيائك ؟! لن أطيل الكلام .. قوافل
المسلمات المحجبات يفزن بالخير الوفير ، وهذا هو الميدان ، وأبواب
الجنان فتحت .. { وفي ذلك فليتنافس
المتنافسون } .
6- أخي .. عندك أخت أو أم أو زوجة أو ابنة .. كن رجلا شريفا عفيفا ،
اصبر على البلاء وقِفْ وقفة الرجال ، وذُدْ عن حوضك لا تجعله يُهَدَّم
، وتذكر نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل ياسر ( صبرا آل ياسر
فإن موعدنا الجنة ) .
7- جميع المسلمين ، لقد وصفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجسد
الواحد ، فإذا اشتكى أهلنا في تونس علينا أن نسهر لأجلهم ونقف معهم
وننصرهم بما نستطيع ، لا تجعل الموضوع يمرُّ بسهولة ، حادث أهلك
وأقاربك عما يجري ، عَرّف أصدقاءك وزملاءك بهذه المحنة ، أقل القليل
أن تُدخل البغض والبراء في قلوبهم لهؤلاء الجلادين الظلمة وتدخل الحب
والولاء لأخواتك وإخوانك في تونس ، فتَلْهَجُ قلوبُ المسلمين في
الدعاء لهم والقيام بحق الإنكار على هؤلاء الجلادين ، وهذا أقلّ ما
يمكن أن يفعله من ليس لديه موهبة أو خبرة ، أما من لديه ذلك
فَلْيُسَخِّرْ موهبته لإخوانه ، فالشاعر والكاتب والعالم والداعية
والتاجر والمصمم والمبرمج وأصحاب المواقع والمنشد وأصحاب القنوات
الفضائية والمحللين .. عليهم ألا يقفوا مكتوفي الأيدي ، والأجر من
الله تعالى .
هذا ما لدي ، وأسأل الله سبحانه وتعالى بمنّه وكرمه ، أن يرفع البلاء
عن أهلنا وأخواتنا في تونس ، ويحميهن ويستر عليهن ويصبّرهن ، وأن يشل
أيدي الجلادين ويكفّها عنهم ، وأن يرسل عليهم الطوفان والجراد والقمل
والضفادع والدم ، ويهلك القوم المجرمين .
اللهم مكّن لعبادك المجاهدين في سبيلك ، اللهم سدد رميهم واجمع كلمتهم
ووحد صفوفهم واشف جريحهم وفك أسيرهم .. واجمعهم على الخير والإسلام
والإيمان ، إنك ولي ذلك والقادر عليه .
- التصنيف: