مفارقات الهجوم على الحجاب والنقاب
الهجوم على الإسلام والمسلمين في بريطانيا بات موضة وموضوعًا مثيرًا في كل الأوساط السياسية والإعلامية في بريطانيا
الهدف عزل المسلمين
الهجوم على الإسلام والمسلمين في بريطانيا بات موضة وموضوعًا مثيرًا في كل الأوساط السياسية والإعلامية في بريطانيا، حملات مغرضة تهدف إلى عزل المسلمين، وإلصاق تهمة الإرهاب بهم، حتى يتحولوا إلى جالية منبوذة تشكل خطرًا على أمن البلاد واستقرارها.
هذه الحملات تأتي في إطار سياسة التخويف التي تتبعها حكومة بلير للتغطية على سياساتها الخارجية وحروبها الفاشلة والكارثية في العراق وأفغانستان وتحويلها بريطانيا إلى عميل صغير تابع لإدارة الرئيس بوش، والجالية الإسلامية تتحول إلى كبش فداء لتحويل الأنظار عن هذا الإخفاق.
ومن العجب أن يسمح هؤلاء للفتيات أن يسرن شبه عاريات في الشوارع، بحيث تظهر ملابسهن الداخلية الفاضحة، ولكنه غير مسموح بأقلية الأقلية من المسلمات بتغطية وجوههن، ويتحدثون في الوقت نفسه عن تقديس الحريات الشخصية، ويتدخلون لتحرير المرأة في البلدان العربية والإسلامية.
والخوف الحقيقي من كلام "سترو" وما أثاره من دعوى بعض السياسيين لمنع الحجاب وليس النقاب فقط بعد التلاعب اللفظي الذي شهده الجدل الدائر حول القضية واستخدام لفظ "الحجاب" بدلاً من "النقاب" بشكل موحٍ متعمّد.
منع النقاب في جامعة حلوان المصرية
لكن إذا كان هذا الذي ذكرناه يحدث في الغرب غير المسلم الذي يناصبنا العداء، فما هو مسوّغ رئيس جامعة حلوان المصرية المسلم، الذي يعيش في بلد الأزهر في إصدار قراره بمنع دخول المنتقبات المدينة الجامعية!؟
لقد فهم البعض أن القرار يعني منع التحاق المنتقبات بالمدينة، وفهم البعض الآخر أنه يعني منع دخولهن عبر البوابة إلاّ إذا خلعن النقاب أولاً.
وبعد تصاعد حملة الاحتجاج أصر رئيس الجامعة على موقفه مؤكدًا أن سبب ذلك هو حرصه على الكشف عن هوية من يدخل المدينة الجامعية حرصًا على الطالبات في المدينة، وتساءل: ماذا لو تنكر رجل في زي المنتقبة ودخل المدينة الجامعية للطالبات وتم اكتشاف هذا الأمر؟ بالطبع سيقوم أولياء الأمور بذبحي. والغريب أن وزير التعليم العالي أيد رئيس الجامعة في قراره هذا.
وما يستند إليه رئيس جامعة حلوان من مسوغات هي حجج واهية لا أساس لها من الصحة، فهو يستطيع وضع ضابطة للأمن مثلما يحدث بالمدن الجامعية لجامعة القاهرة، ولا أحد يستطيع إصدار قرار بمنع المنتقبات من دخول المدينة الجامعية؛ لأنه في حالة صدور مثل هذا القرار يصبح غير قانوني كما أن أساتذة ورؤساء الجامعات يعارضون هذا القرار.
قمة التطرف العلماني في تونس
وفي تونس بدأت السلطات حملاتها المعروفة والمستمرة ضد الحجاب مع بداية العام الدراسي في منتصف سبتمبر الماضي، وشهدت وتيرة تلك الحملة تصاعدًا كبيرًا مع دخول شهر رمضان، وتمسّك قطاع كبير من الطالبات بارتداء الحجاب.
وضمن هذه الحملة، شن الحزب الحاكم، هجومًا عنيفًا على ارتداء التونسيات الحجاب، وذلك خلال ندوة رمضانية حول "الحفاظ على الأصالة والهوية الوطنية"، حيث قال الأمين العام للحزب الحاكم في هذه الندوة: إذا قبلنا اليوم الحجاب فقد نقبل غداً أن تُحرم المرأة من حقها في العمل والتصويت، وأن تُمنع من الدراسة، وأن تكون فقط أداة للتناسل وللقيام بالأعمال المنزلية، فذلك سيعيق تقدمنا فنتراجع إلى الوراء، وننال من أحد المقومات الأساسية التي يقوم عليها استقرار المجتمع وتقدم الشعب ومناعة البلاد!!
والجدير بالذكر أن القانون 108 ، الصادر عام 1981 في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، يعد الحجاب "زيًّا طائفيًّا"، وليس فريضة دينية، ومن ثَم يُحظر ارتداؤه في الجامعات ومعاهد التعليم الثانوية، وهو ما يعارضه بشدة قطاع كبير من الشارع التونسي.
ومن جانبه طالب الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض السلطات بإيقاف ما وصفه بالحملة على المتحجبات وناشدها عدم التمييز بين المواطنين على أساس معتقداتهم، وأضاف الحزب أن ما تتعرض له المتحجبات من إهانة ومضايقات ومنعهن من الدراسة في المعاهد والكليات وحرمانهن من التوظيف في المؤسسات العامة يُعدّ شكلاً من أشكال الاضطهاد الديني.
أما الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين فقد أعربت عن قلقها مما سمته تزايد حالات مضايقة المتحجبات في تونس، وشددت الجمعية على مشاركة هياكل الدولة على كافة مؤسساتها في هذه الأعمال يؤكد أن المضايقات سياسة ممنهجة وليست تجاوزات فردية.
الهيئة العالمية لنصرة الإسلام في تونس وجهت هي الأخرى نداء نددت فيه بما سمته حرص الحكومة التونسية على إشاعة التعري والتبرج في البلاد بمحاربتها ظاهرة الحجاب؛ وفقًا لما ذكر بيان للهيئة التي اتهمت الحكومة بشن ما وصفته بالحملة الشعواء ضد المتحجبات في المؤسسات والدوائر الرسمية.
من ناحية أخرى يؤكد شهود عيان أن السلطات أصبحت تعترض المتحجبات في الأسواق والساحات العامة.
وكانت الحكومة التونسية شنت حملة لجمع الأدوات المدرسية التي تحمل صورة الدمية (فلة) التي ترتدي الحجاب مسوغة ذلك بأن تداول هذه الدمية يشجع على انتشار ما تسميه اللباس الطائفي.
حينما تحشر الدولة أنفها
ما يزعج في هذا الأمر هو أن تكون الدولة طرفًا في قضية فكرية اجتماعية سياسية يمكن أن تُناقش بكل هدوء في وسائل الإعلام وفي النوادي الأهلية، وفي غيرها بطريقة توضح الموقف المطلوب للمواطنين، مع ترك الخيار لهم على أساس المسألة مسألة حرية شخصية.
إنه يصعب على أهل الاعتدال والرأي الآخر، ودعاة التعددية وثقافة الاختلاف، أن يتقبلوا هذه الهجمة الضارية الشرسة التي تشنها الحكومة التونسية وأجهزتها وصحفها على الحجاب والمحجبات، والاتهامات والأوصاف بالغة القسوة التي يوجهها كبار رجالات الدولة وكبار مسؤولي الحزب الحاكم، إلى الحجاب والمتحجبات.
فقد غدا الحجاب عند هؤلاء رمزًا من رموز الفتنة، وزيًا طائفيًا دخيلاً يمثل خطرًا على البلاد وثقافتها وتقاليدها، وشعارًا سياسيًا ترفعه مجموعة صغيرة لتحقيق مآرب سياسية، ووصل الأمر إلى مدى غير مسبوق حينما ذهبت صحيفة (الحدث) المقربة من الحزب الحاكم في افتتاحية لها بعنوان "أوقفوا مهزلة الحجاب" إلى القول بأن الحجاب هو زي الساقطات والوثنيين والعبيد وأنه مصدر للأوساخ والأمراض!!
لكن الأخطر من ذلك .. هو منع المحجبات من الدراسة في المعاهد والكليات في تونس، وحرمانهن من الوظائف في المؤسسات العامة، واعتراضهن في الأسواق والساحات العامة، واقتيادهن لمراكز الشرطة؛ حيث يتعرضن للإهانة، ونزع الحجاب بالقوة وكتابة تعهد بعدم ارتداء الحجاب مرة أخرى، إلى غير ذلك من ضروب الضغوط النفسية والجسدية، مما لا يوجد له مثيل في كافة الدول العربية والإسلامية حتى أشدها علمانية، أو في دول العالم كله المسيحية وغير المسيحية.
- التصنيف: