خنساوات فلسطين..ليس مثلكم في العالمين

منذ 2006-11-07

لاشك أن الجميع متابع للأحداث الدامية التي تعيشها غزة وبالتحديد شمالها في بيت حانون حيث الحصار والدمار والموت الجماعي، فهناك تُرسم لوحة الموت وأيضا الحياة.
شهداء يرتقون للعلا ودماء تنزف، تنتظر ضمادات من الجنود المجهولة "المسعفين" بالطيع هنا لا أتحدث عن ثقافة الموت التي باتت جزء من حياة الفلسطينيين وخاصة الغزيّين فليس أدل على ذلك من سقوط 40 شهيد خلال ثلاث أيام.

أمطار الصيف تنتهي وتبدأ غيوم الخريف وتستمر فصول المجزرة الفلسطينية وربما ننتظر بعدها أمطار الشتاء التي على مايبدو سيتوازى فيها سقوط الصواريخ و القذائف مع هطول المطر هذا المشهد الدموي المتكرر يعيشه الفلسطينيين حتى بعد أن تحررت غزة ولكن مع هذه الفصول تظل الصواريخ الفلسطينية تدك المستوطنات وتستمر معركة "وفاء الأحرار " التي أطلقتها القسام في إطار الرد على المجازر الصهيونية.


وبالطبع في ظل هذه الأجواء لا تجتمع الأسر الفلسطينية على مسامرات بل جميعهم يلتف حول المذياع يتنقل بين محطاته الإذاعية المحلية التي لم تعد تلاحق على الأخبار العاجلة التي تفيد بقصف سيارة هناك وشهداء هنا وغارات متلاحقة لمجموعات مجاهدة .

وأنا أتابع مع أسرتي إحدى الإذاعات إذا بخبر أفزعني يفيد بحصار مجموعة من المسلحين في مسجد النصر في بيت حانون تفاجئت للخبر وبدأ القلق يزداد في نفسي والمتابعة تشتد والأخبار تتناقل حصار شديد يلتف المسجد من جوانبه الأربعة ولحظات الانتظار تزيد ومكبرات الصوت الإسرائيلية تطالب المجاهدين بالاستسلام وخفقان قلبنا يزداد فــ 75 مسلح محاصر وغزة تهيج ألماً وأملاً وربما صور تراودني ما كان عليها أن تمر فقد راجعت ذاكرتي حصار المقاطعة وراجعت استسلام من هناك ويزداد الألم مع هذه الصورة خوفاً من تكرارها فالمجاهدون محاصرون ولا حل أمامهم وكنت أحسب وأضرب أسداس بأسباع، لم يقطع عليّ هذا التفكير إلا اتصال من الإذاعة التي أتابعها بأحد المجاهدين المحاصرين بالمسجد وترن كلماته في أذني "لاخيار للاستسلام فالشهادة أو الشهادة أو نصر من الله وفك للحصار" ربما كلماته ألحقت بنفسي هدوءاً نسبيا جعلني على ثقة أنه لا تكرار لمشهد المقاطعة.


وأنا أتابع كل هذا فإذا بمكبرات صوت تنطلق من المساجد تدعو بها الجماهير إلى تلبية الدعوة لصلوات وابتهالات ترفع بها أكف الضراعة لله ليثبت أهل بيت حانون في الشمال الصامد ويفك الحصار عن المجاهدين في المسجد، لحظات لايمكن لمداد أي قلم أن يرسمها فالمشهد أعظم والصورة أقوى والخوف يشتد والأمل والرجاء بالله يزيد، انطلقت الناس إلى المساجد تلبية للدعوات وبتنا نسمع الدعاء والإجهاش بالبكاء من المنابر.


وبين هذا وذاك أتابع الأخبار التي تتردد من قلب المسجد المحاصر والإسرائيليين يبدءون بهدم السور الأول للمسجد وينادون المسلحين مطالبينهم بالاستسلام وسط كل هذا يأتي خبر بدعوة حماس لنساء الشمال للتجمع في مظاهرة تنطلق إلى المسجد المحاصر، في البداية ظننت خطأ في هذا الخبر فالوقت مطلع الفجر وأنا أتساءل ماذا سيفعل النساء، وتزيد المتابعة وأسمع بانطلاق عشرات النساء نحو مسجد النصر المحاصر غير آبهة بالدبابات والمجنزرات التي تحيطه ونتابع بالإذاعة المسيرة النسوية واتصالها مع أحد النساء المشاركات تقول "نحن محاصرون وسط الدبابات وجزء منا تجاوز الدبابات ودخلوا إلى المسجد" وعند سؤال المذيع لها عن سلاحهم الذين أتوا به وقطعوا المسافات إذ بها بثبات تقول "تسلحنا بلا اله إلا الله محمد رسول الله وكفى به سلاحا" ذهلت من ثقة هذه المرأة وربما أخذتني الحماسة من إجابتها أن أيقن بنجاحهم، وتستمر متابعتي للمسيرة التي وصلت المسجد المحاصر، وأسمع عن تصادمهن مع جيش الاحتلال الذي أطلق النار عليهن فيسقط منهن شهداء وجرحى في معركة هي الأولى التي تقودها نساء غزة إلا أن المفاجئ سماعي بأنباء تتحدث عن نجاحهن بفك الحصار عن المجاهدين في خطة على ما يبدو معدة بالتنسيق مع الوحدة القسامية الخاصة كما نقلت الإذاعات المحلية، ما أكد لي الخبر عندما عاودت مكبرات المساجد النداء ولكن هذه المرة لركعتين شكر لله على نجاح نساء غزة في فك الحصار عن مجاهديها.

وتنتهي الملحمة بمشاركة نساء الشمال اللاتي قدمن ثلاثة شهيدات في هذه المعركة وجاءت البشرى بمعجزة إلهية أدواتها خنساوات فلسطين عندما كانوا دروعاً بشرية حمت المجاهدين وفكت حصارهم .. حق لنا أن نفتخر بنساء فلسطين وخنساواتهم التي كنا نظن أنها واحدة وإذا بهن كل نساء فلسطين خنساوات.

المصدر: فداء المدهون