موالد مصر؛ بين الجهل والاستغلال

منذ 2014-01-14

مع تقادم الزمن وتخلِّي بعض العلماء عن مهمته؛ انحرفت فئات من المسلمين عن جادة الطريق، وزيَّنت لهم شياطين الإنس والجن ما لم يُنزِل به الله من سلطان؛ فتشوَّهت صورة العقيدة البيضاء، ودخل فيها ما يعقِّدها ويخرجها عن يُسْرها ونقائها؛ فأضحت العلاقة بين العبد وربه تتطلب وسطاء وشفعاء من الأموات فضلاً عن الأحياء.

 

جاء الإسلام بعقيدةٍ سمحةٍ غرَّاء، من أهم ما يميزها السهولة واليسر، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين العبد وربه عز وجل؛ فلا وساطة بين الإنسان وخالقه تبارك وتعالى، وإنما بعث الرُّسل لِيُبلِّغوا الرسالة ويُبيِّنوها وينيروا الطريق، ومع انقطاع الوحي بعد النبي صلى الله عليه وسلم ورث العلماء مهمة الرسل والأنبياء.



لكن مع تقادم الزمن وتخلِّي بعض العلماء عن مهمته؛ انحرفت فئات من المسلمين عن جادة الطريق، وزيَّنت لهم شياطين الإنس والجن ما لم يُنزِل به الله من سلطان؛ فتشوَّهت صورة العقيدة البيضاء، ودخل فيها ما يعقِّدها ويخرجها عن يُسْرها ونقائها؛ فأضحت العلاقة بين العبد وربه تتطلب وسطاء وشفعاء من الأموات فضلاً عن الأحياء.



ومن أشدِّ صور هذا التشوُّه العقدي تقديس القبور والأضرحة واتخاذها واسطة للتقرُّب إلى الله عز وجل، فضلاً عن اتخاذها آلهة من دون الله؛ بصرف صنوف من العبادة لها مثل: الذبح والاستغاثة والتوسل... إلخ.



وتتعاظم الخطورة مع إقامة الاحتفالات السنوية عند هذه القبور فيما يُسمَّى بظاهرة الموالد حيث تجتمع الانحرافات السلوكية والمظاهر البدعية والشركية في صعيد واحد ووقت واحد.



يتفاوت انتشار هذه الموالد بين الدول الإسلامية، وتحظى مصر بنصيب الأسد من الأضرحة والموالد، خاصة مع وجود موالد للنصارى يحضرها -مع الأسف- بعض عوام المسلمين، كما يوجد مولد لليهود اسمه مولد أبي حصيرة في محافظة البحيرة شمال مصر.



ولا تكاد تخلو مدينة مصرية من عدة أضرحة تُقام حولها الموالد السنوية.



ومن أشهر هذه الموالد: الحسين، والرفاعي، و السيد البدوي، و السيدة زينب، والقناوي.



وفي هذا التحقيق نحاول إلقاء بعض الضوء على استمرار ظاهرة الموالد في مصر؛ تذكيراً بخطورتها، ومحاولة للتعرُّف على أسباب الاستمرار، ونركِّز على المحاولات الشيعية والأمريكية؛ لاستغلال هذه الظواهر في تحقيق أهدافهم، كما نشير إلى أهم طرائق المواجهة وأساليبها.



الموالد في الإسلام:



يقول الدكتور جمال المراكبي رئيس جماعة أنصار السنة في مصر: "إن الاحتفالات بموالد الأنبياء والأولياء والصالحين من البدع المنكرة التي أحدثها الغلاة والمبتدعة في دين الله عز وجل، واستحسنها كثير من الناس ممن قلَّ علمهم وسهل التأثير عليهم".



والاحتفال بالموالد من البدع والضلالات المخالفة للسنة؛ حتى لو لم تصاحبها المنكرات؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده، ولم يحتفل الصحابة بمولده صلى الله عليه وسلم ولا بموالد الصالحين، ولا اجتمعوا لها؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلميقول: «

من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ

»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «

إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة

»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «

اللهم لا تجعل قبري عيداً

»، ويقولصلى الله عليه وسلم أيضاً: «

لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلُّوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم

» (أخرجه أبو داود، وصحّحه الألباني: [1/571]).



وعن علي بن الحسين أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو، فدعاه فقال: ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «

لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليَّ؛ فإن صلاتكم وتسليمكم تبلغني حيثما كنتم

» (رواه ابن أبي شيبة، وصححه الألباني في تحذير الساجد: [95]).



وعن سهيل بن أبي سهيل قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عند القبر فناداني، وهو في بيت فاطمة رضي الله عنها يتعشَّى فقال: هلمَّ إلى العشاء، فقلت: لا أريده، فقال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلَّمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا دخلت المسجد فسلِّم، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «

لا تتخذوا قبري عيداً ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم، لعن اللَّه اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد

» (رواه سعيد بن منصور في: الاقتضاء؛ وقوَّى إسناده الألباني في: أحكام الجنائز).



ويضيف الدكتور جمال المراكبي: "هذا الذي قلناه هو حكم الموالد في الشرع الحنيف، وإن لم تصاحبها منكرات وبدع؛ فكيف والموالد لا تخلو من بدع ومنكرات بعضها شركية وبعضها بدعية؟!".



النشأة والتطور:



ظاهرة الاحتفال بالموالد معروفة من العصور السابقة على الإسلام؛ فكان الفراعنة واليونان يحتفلون بالآلهة، ويجعلون عيداً لظهورها، ثم انتقل ذلك إلى النصرانية فكانوا يحتفلون بالموالد؛ مثل: ميلاد المسيح عليه السلام، ثم جاء بعض المنتسبين إلى الإسلام فتشبَّهوا باحتفالات النصارى وجعلوا احتفالاً بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.



لذلك يُرجِع بعض الباحثين أصول الموالد في مصر إلى العصر الفرعوني، فيربط الدكتور فاروق أحمد مصطفى أستاذ الاجتماع في جامعة الإسكندرية في دراسة بعنوان: "الموالد؛ دراسة للعادات والتقاليد الشعبية في مصر" (فاروق أحمد مصطفى، الهيئة العامة للكتاب: الموالد دراسة للعادات والتقاليد الشعبية في مصر)؛ يربط بين الموالد وبين الاحتفالات الفرعونية القديمة، ويقول: إن أهم ملامح الاحتفالات الفرعونية هي تقديس الآلهة والفرعون وتقديم القرابين، والجانب الفلكلوري مثل: الموسيقى والغناء والرقص.



كما أن هناك عبارات التقديس التي كانت تُطلق على الفرعون؛ فهو الذي يهب الحياة، وهو النور الذي يهدي الناس، وهو إما الإله أو من سلالة الآلهة.



وهذه الصفات نفسها نجد كثيراً منها مستخدَماً حتى الآن في تقديس الأولياء والقديسين.



ويتفق معظم الباحثين على أن أول من أحدث بدعة الموالد في الإسلام هم العبيديون الفاطميون.



يقول الشيخ علي حشيش مدير الدعوة والإعلام في جماعة أنصار السنة في مصر: "إن مصر حفظها الله كانت ولا تزال أهل سنة حتى دخلها الفاطميون وما هم بفاطميين؛ فأول من ابتدع الموالد وبنى المزارات وأحدث القباب على القبور في مصر هم العبيديون أصحاب الدولة اليهودية الباطنية الفاسدة المفسدة دولة العبيديين المسمَّاة كذباً وزوراً وتغريراً باسم الفاطميين وهم برآء من فاطمة الزهراء رضي الله عنها وهي بريئة منهم".



وحول أصول الفاطميين؛ قال الإمام الحافظ ابن كثير في كتاب: (البداية والنهاية: [12/653]): "الفاطميون على زعمهم لم يكونوا بفاطميين، وإنما كانوا ينسبون إلى عُبَيْد وكان اسمه سعيداً، وكان يهودياً حداداً، دخل بلاد المغرب وتُسمَّى بعبيد الله، وادَّعى أنه شريف علوي فاطمي، وقال عن نفسه إنه المهدي... وراج لهذا الدعيِّ الكذَّاب ما افتراه في تلك البلاد، وآزره جماعة من الجهلة، وصارت له دولة وصولة، ثم تمكَّن إلى أن بنى مدينة سمَّاها (المهدية) نسبة إليه، وصار ملكاً مطاعاً يُظهِر الرفض وينطوي على الكفر المحض. ثم كان من بعده ابنه القائم محمد، ثم ابنه المنصور إسماعيل، ثم ابنه المعز، وهو أول من دخل ديار مصر منهم...".



ويضيف الشيخ علي حشيش: "فهم أول من أحدث قبة على القبر الذي بنوه بالقاهرة باسم الحسين رضي الله عنه والحسين بريء منهم".



وكانوا يزخرفون هذا المنكر بكثرة ما يذبحون ويطعمون من الطعام، وما يخلعون من الخِلَع، ويبذلون من الأموال يشترون بها الذين باعوا دينهم في سوق الدنيا، وما أكثر المحتاجين والمجانين الذين يطوفون حول القبر المزخرف بالنحاس والفضة والستائر الحريرية، وأضاؤوا حوله، وزعموا أن به رأس الحسين بن علي، ثم أخذوا يرفعون القباب على الموتى ويروِّجون في مصر المزارات والموالد حتى حمى الله مصراً بأهل السنة، وجاء صلاح الدين الأيوبي.



ويذكر ابن كثير في: البداية والنهاية: [12/945]) ما قام به بنو أيوب من تطهير لهذا المنكر وحفظ لمذهب أهل السنة وإبادة لمذهب أهل البدعة.



وبصفته شيخاً سابقاً للطريقة الخلوتية الصوفية لنحو 15 عاماً؛ يقول المهندس محمود المراكبي -رائد تطوير البرمجيات الإسلامية، وصاحب المؤلفات الشهيرة في نقد الصوفية-: ظاهرة الموالد في مصر نشأت مع الدولة الفاطمية التي تنتسب زوراً وبهتاناً إلى فاطمة الزهراء رضي الله عنها؛ حيث أراد العبيديون إقامة مناسبات تدفع الشعب المصري إلى التعلُّق بنَسْل فاطمة رضي الله عنها، فظاهرة الموالد ظاهرها حب أهل البيت رضي الله عنهم وباطنها الدعوة إلى الأفكار الشيعية المسمَّمة.



ويدلِّل المهندس محمود المراكبي على جهل الصوفية، وأن الموالد لها أهداف خفية؛ بقوله: والعجيب أن أشهر القبور والأضرحة في مصر لا يوجد بها أصحابها؛ فالحسين -مثلاً- لم يدخل مصر، وفي كتابي (القول الصريح في حقيقة الضريح) أثبتُّ تاريخياً أن رأس الحسين لم يدخل مصر.



كما أن القبر المزعوم للسيدة زينب مكتوب عليه [مشهد السيدة زينب] والفرق بينه وبين الضريح أن الضريح يعني: أن الشخص مدفون في هذا المكان بشكلٍ يقيني، أما المشهد فالذي قال: "إن السيدة زينب مدفونة"؛ هنا هو [علي الخواص] وهو شيخ الشعراني، وهو أمِّي لا يقرأ ولا يكتب، وزعم أنه شهد في الرؤيا أن السيدة زينب مدفونة هنا، وتبعه على ذلك الجهلاء وأصبح واقعاً مقرراً.



كما أن موقع مسجد السيدة زينب بالقرب من نهر النيل، والمصريون لا يدفنون موتاهم إلا قرب الجبل خوفاً من تسرُّب مياه النيل إلى الأرض الطينية.



لقد كانت وظيفة الموالد التي أنشئت من أجلها -بحسب دراسة الدكتور فاروق أحمد مصطفى- هي العمل على نشر الدعوة الفاطمية، وإلهاء الشعب عن التغيير الديني الذي يجري في البلاد، واستخدمت من الوسائل والأساليب ما يساعد على تحقيق هذه الوظيفة واستمالة الشعب لحب الفاطميين، وهو ما يؤكده -أيضاً- الباحث عبد الغني النبوي الشال في كتابه (عروسة المولد)؛ حيث يرى أن الدولة الفاطمية تفهمت نفسية الجماهير المصرية؛ فخلقت هذه الموالد والاحتفالات لتحقيق هدفين؛ الأول: إشباع المصريين إشباعاً دينياً بالموالد والاحتفالات وتقوية الحركة الصوفية، والثاني: إبعاد المواطنين عن التفكير في محاسبة الحكام.



ويوافق على هذا الرأي الأستاذ جمال بدوي في كتابه: (الفاطمية دولة التفاريح والتباريح) (أسامة شحادة، مجلة العصر، في تاريخ المولد وتطوره وغايته).



بدع ومنكرات، وضمَّة لحاف!



لا تخلو الموالد من البدع والمنكرات والمخالفات الشرعية.



ويفرق الدكتور جمال المراكبي بين البدع والمنكرات التي تدخل في باب الشرك وبين التي تدخل في باب البدع، ويرى أن أهم المظاهر الشركية: دعاء صاحب القبر فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، واعتقاد أنه يجيب الحاجات ويكشف الكربات؛ وهذا من الشرك الأكبر الذي ينافي التوحيد، والعكوف على القبور والذبح لها من دون الله والنذر لأصحابها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «

لعن الله من ذبح لغير الله

» (صحيح مسلم، كتاب الأضاحي).



وعن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «

هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟

» قالوا: لا، قال: «

هل كان فيها عيد من أعيادهم؟

» قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «

أَوْفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آد

م» (سنن أبي داود، كتاب الإيمان والنذور).



ومفهوم هذا الحديث أنه لو ارتبط الذبح أو النذر بعيد من أعياد الجاهلية المرتبطة بالأوثان والأصنام؛ فإن الذبح والنذر لا يجوز الوفاء بهما في هذه الحال.



ومن المظاهر البدعية: الحرص على الاجتماع في الموالد ودعوة الناس في أقطار الأرض لشهودها، وشد الرحال إليها وإلى القبور.



ومن البدع أيضاً: رفع قبور الموتى، وبناء المساجد عليها، وبناء القباب، وتعيين السدنة، وما يكون في الموالد من اختلاط بين الرجال والنساء، وامتلائها بالملاهي المحرَّمة، وما يفعله بعض الجهال في بعض البلاد من اللهو واللعب والغناء المحرم، وما يتبع ذلك من السهر في معصية الله والاستهانة بمحارم الله، والتهاون بالصلوات وتضييع السنن الظاهرة والباطنة.



ومن العجب العجاب أن تجد أهل البدع من الروافض ومن المتصوفة يجتمعون على هذه البدع والمنكرات ويعدونها من صميم الدين، ويصفون المنكرين عليهم من أهل السنة والجماعة بأنهم خوارج وغلاة ووهابية، ويزعمون أنهم لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحبون الصالحين، بل هم أقوام قد سلبهم الله الإيمان بهذا الغلو.



زعم الشعراني أن الأحياء والأموات يحضرون الاحتفال بمولد سيده عند ضريحه، بل يحضره النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والأولياء.



وأما من يُنكِر المولد ويمتنع عن حضوره؛ فعن ضياع إيمانه حدِّث ولا حرج.



قال الشعراني: "أخبرني شيخنا الشيخ محمد الشناوي أن شخصاً أنكر حضور مولده فسُلِب الإيمان، فلم يكن فيه شعرة تَحِن إلى دين الإسلام، فاستعان بسيدي أحمد، فقال: بشرط ألا تعود، فقال: نعم! فردَّ عليه ثوب إيمانه" (طبقات الشعراني).



وبحسب دراسة الدكتور فاروق أحمد مصطفى؛ فإن الموالد تعمل على تدعيم الاعتقاد في الأولياء وتقوية هذا الاعتقاد؛ فالشعائر المتعلقة بالموالد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاعتقاد في أهمية الأولياء والقديسين والأدوار التي يقومون بها وتأثيرهم في الحياة اليومية.



وإذا كانت الجماعات الدينية تعتقد اعتقاداً راسخاً بهؤلاء الأولياء، وترتبط بهم بوثاق القرابة الشعائرية، ويعدونهم آباءهم وأجدادهم الروحيين؛ فإن كثيراً من المريدين والبسطاء يُرجِعون أسباب نجاحهم في حياتهم اليومية من عمل أو دراسة أو تجارة أو إنجاب أطفال أو زواج البنات إلى قيامهم بتأدية هذه الشعائر، وإلى تأثير هؤلاء الأولياء عليهم، هذا بالإضافة إلى الاعتقاد في أنهم السبيل إلى التقرب والوصول إلى الله؛ فهم الذين يشفعون لهم عند الخالق، ويسألونه تحقيق دعائهم في الدنيا والآخرة؛ فليس بينهم وبين الله حجاب، بل قد يصل الاعتقاد بهم إلى درجة أكبر من ذلك؛ فيرى بعضهم أنهم هم الذين يحققون الأعمال، ويعينونهم على قضاء حاجاتهم ورفع الظلم عنهم.



ويصف الدكتور فاروق مشهد سيدة عجوز اقتربت من مقصورة البدوي وأخذت تشكو إليه ما أصابها على يد زوجة ابنها، رغم ما تقدِّمه لها ولابنها من خير الأعمال التي يعرفها السيد البدوي، وتطلب منه الانتقام من هذه الزوجة.



ومن ذلك أن المهندس محمود المراكبي يحكي ما شاهده من بدع الموالد ومنكراتها خلال صوفيته السابقة فيقول: إن الموالد مناسبة ليذهب الناس ويذكروا الله -كما يدَّعون- على أنغام الموسيقى والتمايل والتراقص، وهي ظاهرة خطيرة.



وترجع هذه الممارسات المنحرِفة إلى الفكرة الصوفية حول ما يُسمَّى "الوَجْد" وهو خاطر يأتي في القلب يشغل عن الدنيا وما فيها، فقال الصوفية: إذا لم يكن عندك وَجْدٌ فتواجدْ؛ على وزن: إذا لم تبكوا فتباكوا، فالتمايل عند الذكر هو محاولة للوصول إلى الوجد المزعوم، وهو مثل حفلات الزار ومثل الموسيقى العنيفة التي يستمع إليها "عبدة الشيطان" لتفريغ الطاقة في حركات عنيفة، فهي الفكرة ذاتها للذكر المزعوم عند الصوفية، وكثيراً ما نجد أن الذِّكْر المزعوم مختلط بين النساء والرجال؛ فالذِّكْر مختلط، والتمايل مختلط، والرقص مختلط، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



ويكشف المراكبي عن أحد المنكرات الخطيرة في الموالد فيقول: إن هناك ما تقوم به بعض الطرق الصوفية من اختبار لصدق اتِّباع أفرادها ويُسمَّى (ضمَّة اللحاف) وتعني: الإتيان برجل وامرأة من الطريقة الصوفية نفسها أي: مريد ومريدة، فيدخل الرجل والمرأة تحت لحاف واحد حتى الصباح، فإذا لم يحدث بينهما جماع؛ دلَّ ذلك على الإخلاص وصدق الاتِّباع! هذا فضلاً عن شرب المخدرات، وهو ما رأيته بنفسي في الموالد.



أسباب الانتشار:



1- الاستغلال المادي: في حوار مع صحيفة (الأخبار) المصرية منذ عامين قال وزير الأوقاف المصري: "إن حصيلة النذور في الفترة من 1/7/2005م إلى 30/6/2006م بلغت 52 مليوناً و67 ألفاً و579 جنيهاً".



وقالت صحيفة (المصري اليوم) في 28/12/2006م: "إنه في محافظة البحر الأحمر تنحر الذبائح وتقدم النذور يوم مولد أبي الحسن الشاذلي وتصل إلى 120 ألف رأس من الخراف والماعز والإبل".



وبإضافة ما سبق إلى النذور اليومية من الطيور والماشية وحلي النساء، بالإضافة إلى ما ينفقه المصريون خلال الموالد على اللهو والمأكولات؛ تتبين الضخامة المادية لعوائد الأضرحة والموالد، وهو ما يؤكد عليه المهندس محمود المراكبي؛ حيث يرى أن الفائدة الشخصية معتبرة في استمرار الموالد؛ فجدول أعمال أصحاب الأغاني والموسيقى والألعاب النارية مزدحم بالموالد في أرجاء مصر، كما أن الباعة وأصحاب الفنادق الرخيصة بالقرب من مواقع الموالد تنتعش تجارتهم في تلك المواسم، فضلاً عن المنافع الواسعة للقائمين على الموالد؛ خاصة فيما يتعلق بالنذور والوجاهة والمكانة الاجتماعية والدينية وكسب الولاء الديني والاستزادة من الأتباع والمريدين.



وذلك ما أشار إليه الباحث محمد صبري محمد يوسف في دراسته المهمة التي نال بها درجة الماجستير، والتي جاءت بعنوان (دور المتصوفة في العصر العثماني)؛ حيث رصد في الفصل الخاص بمصادر القوة الاقتصادية للمتصوفة كيف استفاد كبار المتصوفة من الملمح التجاري للموالد، وكيف أن هذه الموالد مثلت أسواقاً سنوية يجري فيها التعامل التجاري جنباً إلى جنب مع زيارة المريدين لأصحاب الأضرحة.



2- الجهل والعاطفة: يرى الدكتور محمود زكي جابر -أستاذ علم الاجتماع في جامعة حلوان-‏ أن: "الأضرحة والموالد ليست فقط مجرد مظاهر أو رموز، بل هي أعمق من ذلك؛ لأنها تمسُّ عقيدة أغلب المصريين؛ فارتباطهم بها ليس وليد اليوم بل هو شيء متوارث في داخلهم ونشؤوا على تقديسه واحترامه‏، وقد أكدت العديد من الدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع أنه كلما قلَّ المستوى التعليمي أو انعدم كلما زاد ارتباط الناس بهذه الأضرحة والموالد".



كذلك كان لبعض الطرق الصوفية دورها الكبير في تدعيم هذه المعتقدات وخصوصاً في الريف، بل الغريب أن الناس في بعض القرى تمنح الولاية لأبناء الصالحين وأحفادهم بغضِّ النظر عن مسلك هؤلاء الأبناء والأحفاد، وبعد وفاتهم يبنون لهم الأضرحة، وينسجون حولهم الروايات والكرامات.



ويشير المهندس محمود المراكبي إلى أن: "العاطفة الشعبية المصاحبة للجهل من أهمِّ أسباب استمرار الموالد".



والعاطفة عندما توجَّه في غير الصراط المستقيم تؤدِّي إلى الشرك، والمثال واضح في أصنام قوم نوح عليه السلام؛ فالأمر بدأ بحب الصالحين ومحاولة تكريمهم بصناعة تماثيل لهم، لكنه تحول مع تتابع الأجيال إلى الشرك الصريح وعبادة هذه التماثيل.



والقصة تتكرر دائماً؛ فالنبي يموت ويترك قومه على الإيمان، لكن مع تتابع الأجيال يبدأ الشرك حول قبر النبي ثم قبور الصالحين؛ فالأضرحة والموالد هي بؤرة الفساد التي يظهر منها الشرك.



3- أسباب متنوعة: يرى الدكتور جمال المراكبي أن أهمَّ أسباب انتشار الموالد: كثرة الطرق الصوفية التي تُعدُّ بالآلاف، وحرص كل طريقة على أن يكون لها اجتماعاتها واحتفالاتها، والمد الشيعي والحسينيات المنتشرة في بقاع الأرض، والدعم الذي يقدَّم لهؤلاء وأولئك؛ بداية من الاستعمار وانتهاءً بالأنظمة التي ترى في تأييد أرباب الموالد والطرق دعماً لاستقرارها، وانتشار الجهل في القرى والريف، وهو ما يسهل التأثير على عوام المسلمين وأكل أموالهم.



وأخيراً: يرى بعض الناس في الموالد موسماً تجارياً يروِّجون فيه بضائعهم ويروِّحون فيه عن أنفسهم بالمشاركة في الملاهي والمغاني وحفلات الغناء والرقص التي تشهدها الموالد عادة.



ومن جهة أخرى؛ يرى الشيخ أبو إسلام أحمد عبد الله -مدير مركز التنوير الإسلامي لبحوث المذاهب الوضعية، ورئيس قناة الأمة الفضائية- أن أهمَّ أسباب انتشار الممارسات الصوفية، وعلى رأسها الموالد وجود مساحة في الصوفية تلبِّي الحاجات الروحية لشرائح من المسلمين خاصة فيما يتعلق بالحب والتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فالصوفية تستغل حب المصريين للنبي صلى الله عليه وسلم لتجييش الجماهير، وهو للأسف الشديد من الأبواب التي نقصِّر فيها ولا تأخذ حقها ومكانتها؛ فلو تتبَّعنا دروس معظم الدعاة والعلماء ومحاضراتهم فإننا لن نجد القدر الكافي من الحديث عن المحبة القلبية للنبي صلى الله عليه وسلم.



كما أن الصوفية تلبِّي الحاجات الجسدية؛ حيث تضيق بشدة دائرة الحرام وتتسع دائرة المباحات غير الشرعية، فالجماهير تتجه لا شعورياً نحو عدم التقييد، بالإضافة إلى الدعم الدولي.



مخاطر الموالد:



1- نشر السلبية، وتحريف المقاصد:



يرى المهندس محمود المراكبي أن الموالد هي خطط مدبَّرة لإشغال الناس بدون فائدة؛ فتصبح الجماهير مغيَّبة، ويجري توجيه المسلمين إلى عدم الاهتمام بالشأن العام وعدم الإحساس بمشاكل المجتمع ومحاولة النهوض به.



إنها فكرة تدعونا إلى أن نجلس بجانب الأضرحة وننتظر المدد والغوث من سيدي فلان؛ فهي فكرة سلبية تماماً وتسلب الإرادة من المجتمع.



كما تكمن الخطورة في تفريغ العاطفة الدينية في هذا العبث، فيشعر الإنسان بعد زيارة الأضرحة وحضور الموالد أنه أدَّى شيئاً كثيراً تجاه الدين.



إن العاطفة الدينية الجيَّاشة التي يمكن استثمارها في تفجير طاقات المجتمع والنهوض بالأمة فيربح المسلم الدنيا والآخرة؛ تُفرَّغ -للأسف الشديد- في عبث الموالد؛ فيخسر المسلم دنياه ويقع في بدع وأعمال شركية تهدِّد آخرته.



كما يرى المراكبي أن الموالد حرَّفت المقصد الأصيل لزيارة القبور، ألا وهو التفكر وتذكُّر الموت وأخذ العبرة والعظة والدعاء للميت بالرحمة والمغفرة، فالقبور المزخرفة والمضاءة والمغطاة بأفخر الأقمشة، وما يصاحبها من موالد للتكريم والتفخيم؛ تحرِّف مقصد الزيارة؛ من تذكُّر الآخرة، وتحرفها من الدعاء للميت إلى طلب المدد والغوث واتخاذه واسطة بين الإنسان وبين الله تبارك وتعالى، وهذا من مظاهر الشرك.



ويضيف المراكبي: لو كان علي بن أبي طالب حياً لهدم الأضرحة بنفسه، فالنبي صلى الله عليه وسلم بعث علياً لهدم الأصنام والقبور البارزة، فكأنه استشراف للمستقبل من قِبَل النبي صلى الله عليه وسلم لما سيؤول إليه الوضع حول القبور والأضرحة، وأن من يقومون على هذه البدع والخرافات سينتسبون زوراً وبهتاناً إلى علي رضي الله عنه.



2- مطية للاحتلال: ذكر الجبرتي أن نابليون أمر شيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر بإقامة الاحتفال بالمولد وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمره بتعليق الزينات، بل حضر الحفل بنفسه من أوله إلى آخره، ويعلِّق عبد الرحمن الرافعي قائلاً: فنابليون قد استعمل سياسة الحفلات ليجذب إليه قلوب المصريين من جهة، وليعلن عن نفسه في العالم الإسلامي بأنه صديق الإسلام والمسلمين.



ويعلِّل الجبرتي اهتمام الفرنسيين بالاحتفال بالموالد عموماً لما رأوه في هذه الموالد من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتِّباع الشهوات والرقص وفعل المحرَّمات.



وتكرَّر الأمر في الجزائر؛ حيث ذكر المؤرخ الفرنسي إميل دارمنغهم أنه خلال الاحتلال الفرنسي كان يزور ضريح الولي سيدي عابد نحو 100 ألف زائر سنوياً، ويجري الاحتفال تحت حراسة الأمن الفرنسي.



كما كان يوفر الاحتلال الفرنسي الأمن والسلامة لزوار الأضرحة، ويمنحهم خصماً على تذاكر القطارات يصل إلى النصف.



في الوقت ذاته قام الاحتلال بغَلْق مؤسسات جمعية علماء المسلمين ومدارسها والتضييق على علمائها ومطاردتهم؛ بسبب رفضهم للاحتلال ومحاولة إيقاظ الأمة ونشر الوعي والثقافة الشرعية (زقاوة أحمد، مجلة الصوفية، قصة الصراع بين التدين الخرافي والإسلام النقي).



لم تغب هذه الأساليب الخبيثة عن وعي الاحتلال الجديد؛ فقد نشرت مجلة (يو إس نيوز آند وورلد ريبورت) الأمريكية عام 2005م تقريراً بعنوان (عقول وقلوب ودولارات) يقول: "يعتقد الاستراتيجيون الأمريكيون بشكل متزايد أن الحركة الصوفية بأفرعها العالمية قد تكون واحداً من أفضل الأسلحة، وبينما لا يستطيع الرسميون الأمريكيون أن يُقِرُّوا الصوفية علناً؛ بسبب فصل الدين عن الدولة في الدستور الأمريكي؛ فإنهم يدفعون علناً باتجاه تعزيز العلاقة مع الحركة الصوفية. ومن بين البنود المقترحة هنا: استخدام المعونة الأمريكية لترميم المزارات الصوفية في الخارج، والحفاظ على مخطوطاتها الكلاسيكية التي تعود إلى القرون الوسطى وترجمتها، ودفع الحكومات لتشجيع نهضة صوفية في بلادها".



كما نشرت مؤسسة (راند) الشهيرة منذ أكثر من سنتين وثيقة عنوانها (الإسلام المدني الديمقراطي؛ من يشارك فيه؟ وما هي مصادره واستراتيجياته؟).



ومن بين توصيات الدراسة: توجيه قدر أكبر من الانتباه إلى الإسلام الصوفي، وذلك من خلال تشجيع شعبية الصوفية وقبولها، عبر تشجيع البلدان ذات التقاليد الصوفية القوية على التركيز على ذلك الجانب من تاريخها وعلى إدخاله ضمن مناهجها المدرسية.



وتبعاً لذلك أوصت لجنة الكونغرس الخاصة بالحريات الدينية بضرورة قيام الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية، وهو الأمر الذي سيحظى بأكثر من استجابة من قِبَل حكومات هذه الدول، وهو ما سيتضح من خلال أكثر من مؤشر دال في هذا السياق (عباس بوغالم، إسلام أون لاين، صوفية المغرب رعاية رسمية ودعم أمريكي).



ومما ورد في تقرير (راند) عن الطرق الصوفية أنهم: "يعظمون قبور القديسين، ويؤدون عندها الصلوات، ويؤمنون بالأرواح والمعجزات ويستخدمون التعاويذ، ومجموعة الاعتقادات هذه أزالت تماماً التعصب الوهابي، وأصبح كثير منهم لا يرون تضارباً بين معتقداتهم الدينية وولائهم لدولهم العَلْمانية وقوانينها" (عبد الحق بوقلقول، مجلة الصوفية، التدين الخرافي تحت الرعاية السامية).



يعلِّل الشيخ أبو إسلام الدعم الدولي للصوفية والانشغال بالموالد؛ بأن في ذلك تحييد شريحة كبيرة من المجتمع وإخراجهم من مواجهة مشاريع الهيمنة الخارجية على أمتنا.



ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن فئات من هذه الشريحة المحيَّدة تصبح من أعداء مشروع الصحوة والنهضة الإسلامية، ومن ثَمَّ يخسر المشروع الإسلامي فئة من جمهوره، ويتكون له أعداء جُدد، ثم يُهدَر جزء من الدعوة باتجاه الشريحة المحيَّدة والأعداء الجدد، ويشغل الدعاة بهم عن مواجهة الخطر الخارجي وهو عين ما يريده أعداء الإسلام.



في هذا السياق يقول الدكتور كمال حبيب -الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية-: "يشجع الغرب -و أمريكا على وجه الخصوص- الموالد والطرق الصوفية؛ لأنهم يرون الدين بهذه الطريقة، وهو نوع مما يطلقون عليه الدين المدني ذا الطابع الاحتفالي فارغ المضمون، الذي لا يعبر بداخله عن جوهر حقيقي. فهناك ما يمكن أن نصفه تفضيلاً أو ميلاً غربياً لرؤية الدين بهذه الطريقة، ويريدون أن يكون الدين كذلك في كل العالم؛ خاصة في العالم الإسلامي. وقد كان المستعمرون القدامى يشجعون الموالد والطرق الصوفية، وأقام الإنجليز العديد من مقابر المشايخ المزيفة على طرق تجارية أرادوا إحياءها في مصر و الهند وغيرهما وأقاموا كذلك حولها الموالد المزيفة".



ويضيف الدكتور كمال: "إن الغرب حين رأى أن الإسلام بصيغته المقاومة للغرب والرافضة لتدخُّله في شؤون المسلمين وإدارة حياتهم ومجتمعاتهم ونُظم تفكيرهم وخياراتهم التي عرفتها الأدبيات المختلفة بحركات التجديد والإحياء الإسلامي؛ حين رآها الغرب تحمل مشروعاً للنهضة مستمداً من دينها وهويتها وضد العولمة الفكرية وفرض نمط الحياة الغربية؛ فإنه انزعج وأسس مراكز للأبحاث والدراسات انتهت في بعض توصياتها بضرورة تشجيع التيارات الإسلامية ذات الطابع العدمي والصوفي الذي لا يرى أن الغرب عدو، بل يراه -ربما- إشارة للخير؛ لأنه يدعم الصوفية ويفتح لها الأبواب".



كما أن الصوفية نوع من التماهي مع مفهوم العَلْمانية الغربي الذي هو نوع من الحلول الذي يختلط فيه اللاهوت بالناسوت دون تمييز بين الحق والخلق أو تمييز بين الإسلام والمسيحية في صيغتها الغربية.



ويرى أن هناك نوعاً من الإسلام يمكن أن نصفه بـ الإسلام الأمريكي أو الإسلام الحداثي الذي يفرط بالقواعد الكلية والأصول الراسخة للعقيدة وخاصة الولاء والبراء، وهذا النوع من الإسلام ذو طابع صوفي لا يميز بين الإسلام والنصرانية.



وكثير من الجهد الأمريكي -على وجه الخصوص- انصرف لتشجيع هذا النوع من الإسلام المفارق للإسلام الحق؛ لكي يواجه به الحق وأهله.



ومن ثم فالتشجيع الغربي للصوفية هو نوع من موازنة التيارات الإسلامية الإحيائية والاصطفاف الصوفي في مواجهتها.



في السياق ذاته يقول المهندس محمود المراكبي: "لقد كشف السفير الأمريكي السابق لدى القاهرة ريتشار دوني بشكل سافر عن الخطط الأمريكية في دعم التيار الصوفي في المجتمع الإسلامي، فزيارته لمولد البدوي واختلاطه بالدراويش أظهرا النموذج الإسلامي الذي تريده أمريكا مثالاً يُحتذى به، فهي تريد المسلم الدرويش الذي لا شأن له بالشأن العام، والذي يعتكف عند الأموات يطلب المدد والعون منهم ويفرغ طاقته في الموالد والاحتفالات، ولا يعنيه احتلال أفغانستان أو العراق أو المسجد الأقصى... فأمريكا تدعم التيار السلبي في المجتمع الذي لا تعنيه قضية الجهاد، ونصرة الحق، ومواجهة مشاريع الهيمنة الغربية، وإصلاح المجتمع المسلم والنهوض به".



قنطرة للشيعة: (الخميني: مصر سنية المذهب، شيعية الهوى): منذ مدة وجَّهت عناصر شيعية في أمريكا دعوة لنحو 12 شيخاً من مشايخ الطرق الصوفية في مصر لحضور مؤتمر عن التصوف عقد في ولاية كاليفورنيا، وجاءت الدعوة من قِبَل علي كيانفر رئيس الاتحاد العالمي للتصوف.



وعلَّق الدكتور محمد أبو هاشم عميد كلية أصول الدين في الزقازيق، بقوله: "إن هذا المؤتمر شيعي، والهدف من دعوة بعض مشايخ الطرق إلى المؤتمر هو محاولة تجنيدهم لدخول التشيع إلى مصر؛ لأن المنظمين للمؤتمر من الشيعة".



وكان الدكتور يوسف القرضاوي قد حذَّر في العام الماضي من المحاولات الشيعية لاختراق مصر، وقال: "إن الشيعة أخذوا من التصوف قنطرة للتشيع، وإنهم اخترقوا مصر في السنوات الأخيرة من هذا الجانب".



يروي الدكتور جمال المراكبي قصته مع أحد الشيعة خلال زيارته إلى مصر؛ حيث طلب أن يزور بعض الأضرحة، وبعد الزيارة قال: "هل تظنون أن مصر أهل سنة؟ أنا لم أرَ داخل الأضرحة غير شيعة".



فهو يقصد أنه لا فرق بين الممارسات الشيعية وبين ما يتم داخل الأضرحة مثل: السجود عند العتبات وتقبيلها.



لذلك فأمل الشيعة في مصر كبير بأن تعود دولة شيعية مرة أخرى؛ فيُلعَن أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب على منابر الأزهر جهاراً.



ويشير المراكبي إلى أن الشيعة يستغلون حب المصريين لأهل البيت رضي الله عنهم في نشر مذهبهم بطريقة خبيثة، وهي تشجيع حب أهل البيت ودعمه وإقامة الموالد، وفي الوقت نفسه نشر الشبهات حول الصحابة وإثارة القضايا الشائكة ونشر الأحاديث والقصص الموضوعة خاصة في ظل انتشار الأمية الدينية؛ وبذلك تختل كفتا الميزان عند المصريين الذين يحبون الصحابة كما يحبون أهل البيت؛ رضي الله عنهم جميعاً؛ فهم يستغلون الحب والجهل في الوقت نفسه، كما يستغلون قضية الإمام لدى الشيعة والقطب لدى الصوفية، ولا بد أن يكون القطب أو الإمام من أهل البيت، وهذا من أهمِّ مداخلهم.



على الجانب الآخر؛ يرى الدكتور كمال حبيب أنه ليس استغلالاً في الواقع وإنما هو جزء من منظومة التشيع التي تعبِّر عن تديُّن بلا دين، والمقصود بذلك أن من يقومون بأعمال الشرك المنافية للتوحيد من الشيعة والمتصوفة يفعلون ذلك تديناً، ولكن الدين أو المرجع الذي يرجعون إليه هو في الواقع مذهب وضعه على مدار القرون رجال؛ استناداً إلى أساطير وأوهام لم يشرعها ربّ العالمين.



ويضيف: فالتشيع والصوفية وجهان لحقيقة واحدة وهي الارتكاس في وحل الوثنية، وعبادة الأشخاص، والولع بالقبور العظيمة، والطواف حول المقبورين بها.



الصوفية هي نوع من الممارسات الأقرب إلى الأساطير والخرافة وكذلك التشيع، وبالطبع مدخل حب آل البيت هو المدخل الذي يدخل به الشيعة على المتصوفة، ومن ثَمَّ يصبح المتصوف على شفا جُرُف هارٍ من بوابة التشيع.



بيدَ أن التوحيد والإسلام الإحيائي المقاوم ينتشر ويتجذر في نفوس عامة المسلمين في مصر والعالم العربي والإسلامي كله؛ لأنه دين الفطرة والعقل ودين التوحيد والفقه والشريعة والإنسان.



طرائق وأساليب المواجهة: يتعجب بعضهم من استمرار الإقبال على الموالد على الرغم من انتشار العلم الشرعي؛ خاصة بعد ظهور العديد من الفضائيات الإسلامية وما لاقته من ترحيب واسع بين شرائح المجتمع المصري.



وحول تأثير الفضائيات الإسلامية يقول الشيخ أبو إسلام أحمد عبد الله: على الرغم من انتشار القنوات الفضائية الإسلامية إلا أن تأثيرها ما يزال محدوداً؛ لأنها تخاطب المتدينين؛ فلم تصل الفضائيات الإسلامية إلى الشريحة الأوسع من المجتمع وهي الأكثر تأثُّراً بالممارسات الصوفية وعلى رأسها الموالد.



ولا ننسى أن الفضائيات الإسلامية ما زالت في بداية الطريق ولم تكمل أعواماً قليلة جداً وإمكانيتها ضعيفة.



والممارسات الصوفية مثل الموالد أصبحت عادات راسخة في المجتمع منذ قرون عديدة لا يمكن هدمها في لحظة واحدة؛ خاصة مع ضعف القدرات والإمكانيات.



ولمواجهة هذه الممارسات وغيرها خاصة الاستغلال الشيعي؛ يرى الشيخ أبو إسلام أنه لا بد من الانتباه إلى افتراءات الشيعة على أهل السنة والجماعة؛ حيث يثيرون نحو ألف فِرْية على أهل السنة، فلو تخصصت فئات من العلماء والدعاة لكل فرية ودحضها، لكن دون الإشارة إلى الشيعة وإلى أنها شبهة؛ لأن كلمة (شبهة) تترك أثراً سيئاً في القلب.



ولا بد أن يجتمع العلماء والدعاة لترشيد الدعوة وتحديد أولوياتها في الوقت الراهن، ووضع أجندة يمكن الاتفاق عليها والعمل من خلالها، ومن أهم نقاط هذه الأجندة: الاهتمام بالقضايا الحياتية للمسلمين مثل: الغلاء والاحتكار والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والتعريف بالتاريخ الإسلامي الصحيح واستخلاص العِبَر والدروس وربطها بالواقع المعاصر، والتعرف على الثغرات التي يدخل منها أعداء الإسلام، وتخصيص شرائح من العلماء والدعاة للوقوف على كل ثغر، ويُعَدُّ الإعلام من أهمِّ هذه الثغرات؛ فأرى أن نخصِّص له نحو 10% من العلماء والدعاة.



ويرى فضيلة الشيخ علي حشيش أنه لمواجهة انتشار هذه المظاهر والانحرافات لا بد من تعريف الناس بتوحيد الإلهية وتوحيد الأسماء والصفات، وبيان كذب أصحاب الموالد في الحلولية والاتحادية، وأن من ذبح لغير الله فهو ملعون، وأن الذين يُذبح لهم سواء كانوا أحياء أو أمواتاً فهم عباد مثلنا، وتربية النشء على التوحيد، وأنه لا يُسأل إلا الله، قال صلى الله عليه وسلم: «

يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله

...».



كما يطالب فضيلة الشيخ بإقامة قوافل وأسابيع علمية وثقافية في مدن مصر وقراها لنشر منهج أهل السنة خاصة في توقيت هذه الموالد، وهو ما يكون له الأثر في إيقاف العديد منها وابتعاد كثير من الناس عنها.



ويطالب المهندس محمود المراكبي بعدم إرسال مندوب من الأزهر لحضور الموالد، وعلى الأزهر أن يقوم بتوعية الجماهير ببدعية هذه الاحتفالات، وأنها ليست من مظاهر الإسلام، وأن هذه الممارسات تسيء إلى صورة المسلمين، وتشوِّه نقاء العقيدة الإسلامية؛ خاصة أن علماء الأزهر الكبار أفتوا بحرمة إقامة القبور والأضرحة في المساجد وإقامة الموالد حولها.



ولمواجهة هذا الخطر؛ يقول فضيلة الشيخ محمد عبد المنعم البري رئيس جبهة علماء الأزهر: "لا بد من مواجهة هذا الخطر بهمَّة عالية ونشاط كبير، والقيام بقوافل دعوية، والسماح لهذه القوافل بأن تطوف أرجاء البلاد".



ولقد كنا نقوم بذلك انطلاقاً من كلية الدعوة الإسلامية في الأزهر، لكن الباب أُغلق، فنحن بحاجة إلى دعم وتقوية وثقة ويقين واسترداد الثقة بالعلماء والدعاة؛ خاصة أن الشيعة يستغلون الجهل والفقر في نشر مذهبهم المنحرف الذي يؤدي إلى ترسيخ المظاهر الشركية؛ من التمسح بالعتبات والاستغاثة بالأموات؛ خاصة مع انتشار الجهل بين عامة الناس بسبب التضييق على العلماء والدعاة.



لذلك يرى رئيس جبهة علماء الأزهر أن: "المسؤولية تقع بالأساس على المسؤولين؛ لأننا بدون فتح الأبواب والنوافذ لن نستطيع التحرُّك، ثم يأتي دور العلماء والدعاة بعد ذلك في نشر العقيدة الصحيحة والنزول إلى واقع الجماهير وتصحيح المفاهيم".



ويبقى الأمل:



في إطار الإعداد لهذا المقال قمنا بزيارة مسجد الحسين لمشاهدة ما يحدث في المولد النبوي المزعوم، حيث تقام هناك ما تُسمَّى زفة المولد التي تبدأ منذ الصباح بتجمُّع كل الطرق الصوفية عند مسجد صالح الجعفري بالقرب من الحسين، ثم تبدأ المسيرة بعد العصر باتجاه مسجد الحسين؛ حيث تغلق الشوارع ويتقدم مشايخ كل طريقة ومن ورائهم الأتباع حاملين الرايات والشعارات، مردِّدين الأناشيد والأوراد الخاصة بهم، وتنتهي المسيرة أمام المسجد قرب صلاة المغرب حيث يدخل الجميع إلى باحة المسجد، بينما يغلق ضريح الحسين بسبب الزحام الشديد، ثم تبدأ الاحتفالات الرسمية بعد صلاة المغرب والتي تنقلها الإذاعة والتلفاز ويتحدث فيها شيخ مشايخ الطرق الصوفية ومندوب عن الأزهر، ويحضرها مندوب عن الحكومة.



وبعد صلاة العشاء تبدأ الاحتفالات الصوفية بجوار المسجد؛ حيث تقيم كل طريقة خيمة، تمارس داخلها طقوسها الخاصة.



ولعلنا نكتفي بما ذكره العلماء من بدع ومنكرات الموالد حتى لا نطيل أكثر من ذلك.



لكن من المهم الإشارة إلى أهم ما لاحظناه وهو أن الغالبية الساحقة من أتباع الطرق الصوفية هم من كبار السن ومن جهلاء العامة؛ حيث لاحظنا ندرة الشباب خلال مسيرة زفة المولد أو داخل المسجد أو الاحتفالات خارجه.



إن ذلك يشي بأن الصحوة المباركة بجهود العلماء والدعاة قد آتت أُكلها بفضل ربها تبارك وتعالى؛ فالجيل الجديد لم يعد يلتفت إلى هذه الخزعبلات، وانتشرت -بفضل الله- حقيقة الموالد بين كثير من شرائح المجتمع المصري.



لكن ما زالت هناك كثير من الجهود المطلوبة والحركة المستمرة الدؤوبة؛ لإزالة بقايا ركام الجاهلية، وسد الثغرة أمام أطماع الاحتلال وأحقاد الشيعة، وما يزال أمام العلماء والدعاة عمل شاق لتنقية المجتمع من العقائد والأفكار المشوهة؛ لتعود شريعة المسلمين كما بدأت: سمحة بيضاء نقية.

عمرو توفيق

 

 

المصدر: مجلة البيان ـ العدد: [257] ص: [44]، المحرَّم 1430 - يناير 2009م