مواقف في البكاء من خشية الله
أحببت أن أكتب لكم بعض المواقف التي يبكي البعض فيها ليعلم كل مِنَّا حاله، وبعد أن أسرد تلك المواقف سأسرد لكم بعض المواقف التي كان يبكي فيها السلف لتروا الفارق بين بكائنا وبكائهم... لعل الله يُرقِق قلوبنا ويُصلِح أحوالنا، وأسأل الله أن يهدي بتلك الكلمات قلوبًا ويجعلها في ميزان حسناتي، فما أفقرني لأي حسنة تُثقِل ميزاني وتُزيح عنَّي ولو ذنبًا أو إثمًا...
دائمًا ما يكون عندنا أشياء إذا أُثيرت فإنها تثير الشجون والحزن في قلوبنا، مع أن هذا البكاء ليس من معصية وقعنا فيها، ونخشى ألا يغفر الله لنا، أو بكاء على عمرٍ ضاع في غير طاعة؛ بل بكاء على أشياء لاهية تُحمِّلنا الذنوب المعاصي، وتثقِل كاهلنا بآثام تهوي بنا في جنهم -أعاذنا الله وإياكم منها- وجعلني أقارن بين بكائنا هذا وبكاء الصحابة ومن بعدهم السلف الصالح...
فتتملكني الحسرة على ما نحن فيه من ضياعٍ وقساوة قلب.. فالعين التي تدمع في معصية وينفطِر القلب فيها؛ ليست كالتي تدمع خشية ورهبة من الواحد القهار.
والعين التي تدمع على فراق حبيب مات وقُبِر وعَلِم حاله؛ ليست كالتي تدمع خشية من اليوم التي ستأول فيه إلى قبرها لترى عملها.
والعين التي تدمع من موقف محزن في دنيا فانية أو مشهد مؤثر؛ ليست التي تدمع خشية من يوم الموقف العظيم أمام الخالق وهي خجلة منكسرة.
ولذلك؛ أحببت أن أكتب لكم بعض المواقف التي يبكي البعض فيها ليعلم كل مِنَّا حاله، وبعد أن أسرد تلك المواقف سأسرد لكم بعض المواقف التي كان يبكي فيها السلف لتروا الفارق بين بكائنا وبكائهم... لعل الله يُرقِق قلوبنا ويُصلِح أحوالنا، وأسأل الله أن يهدي بتلك الكلمات قلوبًا ويجعلها في ميزان حسناتي، فما أفقرني لأي حسنة تُثقِل ميزاني وتُزيح عنَّي ولو ذنبًا أو إثمًا.
الموقف الأول
كنت في زيارة مع بعض أقاربي وفي أثناء الحديث فإذا بواحدة منهن تقول: افتكروا نجيب على المسلسل الفلاني الحلقة الماضية خلتني أبكي لما عميت!
فترد الأخرى: هو أنتم لسَّه بتتأثروا بالمسلسلات المصري دي؟!
فقالت: دي كانت حلقة فظيعة! متهيألي ما فيش حد شافها إلا وبكى!
سبحان الله! بكت من المسلسل لدرجة تشبه العمى! ولم تبكي يومًا على فرضٍ ضاع، وصلَّته قضاءً أو من آية مرَّت بها وهزَّت قلبها؟!
الموقف الثاني
الطرف الأول: ألو كيفك يا حبيبة وكيفها بنتك؟
الطرف الثاني: الحمد لله؛ عامله إيه في حفظ القرآن؟ وصلتي لأي جزء؟
الطرف الأول: اسكتي، والله مقصّرة أوي! المهم عايزه ميعاد علشان أزور فلانة.
الطرف الثاني: ماشي هكلمها وأرد عليكِ.. بعد تحديد الميعاد.
ألو هي منتظراكِ الساعة 8 بإذن الله.
الطرف الأول: 8! بس ده ميعاد المسلسل التركي الفلاني!
الطرف الثاني: إيه يا بنتي؟! هو اَنتي بتسمعي المسلسلات دي؟! ابقي ياختي اسمعيه هناك!
الطرف الأول: غصب عني والله! العيال علّقوني بيه! والبطلة مش بتخليني أبطَّل بُكى!
لا حول ولا قوة إلا بالله! لم يكن البكاء بسبب التقصير في القرآن؛ ولكن البكاء بسبب بطلة المسلسل! نبكي ممن يشهد علينا يوم القيامة...! ولا نبكي من تقصيرنا في حق من يشهد لنا يوم الحساب وقد يكون شفيعًا لنا...!
الموقف الثالث
قضى حياته في السفر هنا وهناك من أجل تجارته؛ وفي كل مرة يسافر فيها يجمع الصلوات ليصليها جملة بعد منتصف الليل بعد أن يعود لمنزله!
وبعد مرور سنوات على هذا الحال؛ لا يجد شيء جمعه يُقابل تلك المشقة والتعب، لا مال، ولا زوجة، ولا شيء! يبكي حاله أنه كان يدور في ساقية وفي النهاية لم يجد أي شيء!
بكى العمر الذي ضاع هدرًا؛ ولم يبكي على الصلوات التي ضيَّعها بضياع وقتها، وهي أول ما يُسأل عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح العمل وإن فسدت... رحماك ربي! والله أعلم ببقية عمله وهو على حاله تلك من ضياع الصلاة!
هناك الكثير والكثير من المواقف التي رأتيها ويبكي فيها الإنسان على شيء زائل؛ والأولى أن يبكي على العمر الذي مضى في غير طاعة تُقرِّبه من المولى.
لن أُطيل عليكم بكثرة المواقف حتى لا تملُّوا؛ وسأسرِد لكم الآن بعض المواقف التي بكى فيها السلف...
- ابن المبارك كان جالسًا مع أصحابه يومًا من الأيام فانطفأ السراج؛ فقام رجل يُصلِح السراج، فلما أشعل السراج نظروا إلى ابن المبارك فإذا لحيته قد ابتلَّت بالدموع!
قالوا: لم تبكِ يرحمك الله؟! قال: "تذكرتُ القبر وظُلمتَه".
سبحان الله! يبكي ظلمة القبر عندما أنطفأ السراج؛ ونحن لو انقطع لبكينا انقطاع المسلسل الفلاني، أو البرنامج العلَّاني هذا هو الفارق بين بكائنا وبكائهم إلا من رحم ربي...
- ابن سيرين كان يضحك في النهار ويسامر أصحابه ويتحدَّث... الذي يراه لا يقول: إن هذا الرجل تدمع عينه يومًا من الأيام! فإذا أرخى الليل ستوره، وهدأت الأصوات، وحلَّ الظلام؛ جلس في مُصلَّاه طوال الليل وهو يبكي، كأنه قتلَ أهل القرية جميعًا.
كان حين يأتي الليل يختلي بربه، ويبكي بين يده... ونحن نجلس الليل أمام التلفزيون؛ نبكي المواقف الحزينة التي تمرُّ بها الشخصيات أو تلك المسكينة التي انهارت لفراق حبيبها! وبعضنا يقضي الليل بين الصحبة والأهل والوناسة في اللهو والحكايا والتسالي إلا من رحم ربي.
أرأيتم الفرق بين البكائين؟!
- حذيفة رضي الله عنه يبكي بكاءً شديدًا فقيل له: ما بكاؤك؟! فقال: "لا أدري على ما أُقدِم، أعلى رضا؟ أم على سخط؟".
في ليلة؛ انتبه الحسن فبكى فضج أهل الدار بالبكاء! فسألوه عن حاله فقال: "ذكرتُ ذنبًا لي فبكيت".
وكان الحسن يقول: "يحق لمن يعلم أن الموتَ مورِدُه، وأن الساعةَ موعِدُه، والقيام بين يدي الله تعالى مشهدُه: يحق له أن يطول حزنُه".
هل بكينا يومًا ونحن نُفكِّر: أنحن على رضا أم سخط من الله مثل حذيفة رضي الله عنه؟!
هل بكينا يومًا على ذنبٍ أذنبناه -وما أكثر الذنوب في حياتنا- مثل بكاء الحسن رضي الله عنه؟!
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية من الآية:21].
والكثير الكثير.. من المواقف التي بكى فيها السلف؛ ولكن تلك نبذة بسيطة للمقارنة...
اللهم ارحمنا برحمتك، واعفو عنَّا بعفوك...
سامحوني أخواتي إن كنتُ أسأتُ في كلامي؛ ولكن أحببتُ أن نرى الفرق بين بكائنا وبكائهم، لعلنا نستفيق، ونذرِف دموع الندم على أعمارٍ قضيناها في غير رضا الله، نبكي على أعمارٍ قضيناها لأجل أشياء فانية إن لم تزيدنا ذنوبًا فلن تمحو عنَّا آثامًا...
جميل أن نسعد بحياتنا مع أولادنا، وأزواجنا؛ والأجمل أن نطير فرحًا عندما نذرِف دمعة من خشية الله.
في أمان الله وحفظه.
أم سارة
كاتبة إسلامية من فريق عمل موقع طريق الإسلام