احذروا المهلكات فقد فسد الحال!

منذ 2014-03-21

نرى بأعيننا انتشار الفساد في مجتمعاتنا وانقسام الناس وتفرق الأمة الذي تسبب في هوانها وضعف حالها بين الأمم!

بسم الله الرحمن الرحيم

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، وثلاث كفارات، وثلاث درجات، فأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله تعالى في السر والعلانية، وأما الكفارات: فانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء في السَبَرات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وأما الدرجات: فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام» (رواه الطبراني في معجمه الأوسط، وقال الألباني: "حسن لغيره"؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم: [453]).

نرى بأعيننا انتشار الفساد في مجتمعاتنا وانقسام الناس وتفرق الأمة الذي تسبب في هوانها وضعف حالها بين الأمم!

لو تأمَّلنا الحديث السابق لوجدنا أسباب الهلاك متوفرة تطل إلينا برأسها دون حياء بل وتتحدانا أن نتغير بعد أن أيقنت أننا نكاد نكون قد أدمناها وشربناها حتى الثمالة.

فأما الشح المطاع فحدث ولا حرج فالكل حريص على عدم انتقال النفع إلى غيره والأثرة تكاد تقتلنا، والشح: "هو شدة الحرص على الشيء والإحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله وجشع النفس عليه، والبخل من إنفاقه بعد حصوله وحبّه وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشح قال الله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9].

وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والشح؛ فإنه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا» (رواه أبو داود وصححه الألباني).

في وقتٍ أمتنا أحوج ما تكون فيه إلى التكافل الاجتماعي والنفقة على الفقير لإزالة الشعور بالنقص والحاجة في وقت تنتفخ خزانات دول بأكملها ويشكوا أهلها من التخمة بينما تجوع دول بأكملها ويموت بعض أهلها جوعًا وحاجة وفي الوقت نفسه نجد الشح داخل المجتمع الواحد فالتكافل بين أبناء المجتمع شبه مفقود فلا إحساس من الغني بالفقير بل وللأسف في كثير من الأحيان يبرز استغلال الغني لحاجة الفقراء ليزداد ثراء على حساب حاجتهم.

أي شح هذا وقد شهدنا بأم أعيننا موت الهاربين من جحيم سوريا من شدة البرد وشدة الجوع؟ كما تشهد العديد من المجتمعات العربية ظاهرة أبناء الشوارع وتئن من المتسولين! فضلًا عن أصحاب الحاجة المتعففين أو من باعوا أعراضهم من أجل لقمة عيش ملوث أو باعوا أوطانهم من أجل حفنة من مال مخضوب بالدماء (راجع ظاهرة البلطجية بمصر والشبيحة بسوريا).

إلى الله المشتكى...

وأما الهوى المتبع:

فحدِّث ولا حرج! فبسبب الهوى نالنا الانقسام وبسبب تغليب الشهوات ورغبات الأنفس وعدم تقديم مراد الله على مراد النفس؛ انتشر بيننا كره أهل الديانة وبغض مظاهر التدين والتنقص من الشباب الملتزم بظاهر السنة والشابات المتسترات، حتى وصل الحال للإغراء باستئصالهم من المجتمعات بغضًا في الشرع واتباعًا للهوى، {فَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آل لُوط مِنْ قَرْيَتكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56].

وما ضل من ضل عن سبيل الرشاد والهداية وأوغل في سبيل الضلال والغواية إلا وكان الهوى العامل الأساس في ذلك، وقد حذَّرنا الله من اتباع الهوى في آيات كثيرة من كتابه؛ قال ابن عباس رضي الله عنه: "ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمه، قال الله تعالى: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف من الآية:176]، وقال تعالى: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف من الآية:28]، وقال تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الروم من الآية:29]، وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} [القصص من الآية:50]، وقال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [ص من الآية:26]، فالهوى قد يؤدي بصاحبه إلى النار، كما قال الشعبي رحمه الله: "إنما سمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار".

أما أعجاب المرء بنفسه:

فنتج عن هذا الداء العضال انقسام المجتمع لجماعات وأحزاب لا صلة بينها ولا حوار إلا حوار الطرشان لا فائدة منه ولا طائل؛ فالكل معجب برأيه يريد من الباقي مجرد الاستماع أما هو فيتكلم فقط... لذا تجد اللسان أكبر عضو عامل في أجسادنا وتكاد الأذان أن تقف عن وظيفتها لقلة الاستماع للآخرين... الكل يتكلم والكل لا يستمع حتى يعذر ويفهم ويتقارب -إلا من رحم الله-.

قال أبو الدرداء: "أنصف أذنيك من فيك..إنما جعل لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تتكلم".

وإعجاب المرء بنفسه أورثنا المراء الذي أصبح نتيجتة الطبيعية انتشار البغضاء والقطيعة والكره بين أبناء المجتمع الواحد، وكأننا لم نستمع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المِراء وإن كان محقًا»...

ففي سنن أبي داود: عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازِحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه»" (وحسَّنه الألباني رحمه الله تعالى).

لو تأمَّلنا لوجدنا وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الحق أن لا يماروا وهم على الحق حفاظًا على المجتمع من الشقاق والبغضاء.

"معنى إعجاب المرء بنفسه":

قال المناوي رحمه الله: "أي تحسين كل أحد نفسه على غيره وإن كان قبيحًا، قال القرطبي: وإعجاب المرء بنفسه هو ملاحظة لها بعين الكمال مع النسيان لنعمة الله، والإعجاب وجدان شيء حسنًا، قال تعالى في قصة قارون: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص من الآية:78]، قال الله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص من الآية:81]، فثمرة العجب الهلاك، قال الغزالي رحمه الله: "ومن آفات العجب أنه يحجب عن التوفيق والتأييد من الله تعالى، فإن المعجب مخذول، فإذا انقطع عن العبد التأييد والتوفيق فما أسرع ما يهلك، قال عيسى عليه الصلاة والسلام: «يا معشر الحواريين كم سراج قد أطفأته الريح؟ وكم عابد أفسده العجب؟» (فيض القدير).

فاللهم نسألك أن تصلح أنفسنا وتصلح ذات بيننا وتصلح حال أمتنا...


 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.