مفاسد الاختلاط.. وبعض الحلول

منذ 2014-03-23

منهج ديننا الحنيف هو سد الذرائع وغلق الأبواب المؤدية إلى الفتن والشهوات كي لا يقع فيها المسلمون، ومن ذلك ما بينه من خطورة اختلاط النساء بالرجال حتى في أماكن العبادة كالمساجد، والأدلة على ذلك كثيرة في الكتاب والسنة.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل للناس ليرشدوهم إلى ما فيه صلاحهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة، وجاءت شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكمل الشرائع وأتمها فرسالته هي الخاتمة الباقية الغالبة على ما سواها من الشرائع. وقد اهتم الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بما يحفظ المجتمع من الشرور والآثام؛ وبين لهم ما يضرهم ليجتنبوه، وما ينفعهم ليأخذوا به. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما تَركتُ بَعدي فِتنَةً أضرَّ على الرجالِ منَ النساءِ» (أخرجه البخاري)؛ فالنساء فتنة وشهوة كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ...} [آل عمران: 14].

 

ومنهج ديننا الحنيف هو سد الذرائع وغلق الأبواب المؤدية إلى الفتن والشهوات كي لا يقع فيها المسلمون، ومن ذلك ما بينه من خطورة اختلاط النساء بالرجال حتى في أماكن العبادة كالمساجد، والأدلة على ذلك كثيرة في الكتاب والسنة. فقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم النساء ألا يختلطن بالرجال عند الخروج من المسجد فقال: «استأخرن؛ فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق. عليكن بحافات الطريق» (حسنه الألباني في (صحيح أبي داوود): [929])؛ فأمر النساء أن يمشين على حافة الطريق وليس في وسطه، وهذا طريق خروجهن من المسجد. فما بالنا اليوم بالنساء يمشين في الشوارع والأسواق يتمايلن ويتبخترن، ونجد هذه تمازح البائع، وتلك تضربه على سبيل المزاح، وأخرى لا تأنف الجلوس بجانب الرجال في وسائل المواصلات... وغير ذلك من المشاهد التي توجع القلب.

 

ومن أجل ذلك كله حُرّم الاختلاط وحُرّمت الخلوة بالنساء الأجنبيات سدًا لما ينتج عن هذا الاختلاط وتلك الخلوة المحرمة. وقد يسأل أحدهم (مستغربًا):

وما الذي سينتج عن هذا الاختلاط؟ إن هذا مألوفٌ في حياتنا وقد اعتدنا عليه.

ونحن نجيب وبكل وضوح أن هناك آثارٌ سلبية مترتبة على هذا الاختلاط من جميع النواحي الأسرية كانت أو المجتمعية أو الدينية؛ قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ولا ريب أنّ تمكين النساء من اختلاطهنَّ بالرجال أصل كل بليَّةٍ وشرٍ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامَّة؛ كما أنَّه من أسباب فساد أُمورِ العامة والخاصة".

 

وهذه بعض المفاسد التي تترتب على الاختلاط:

- المفسدة الأولى: اختلاط الرجال بالنساء على النحو المشاهد اليوم في الأسواق ووسائل المواصلات والأفراح والمناسبات والأعياد منافٍ تماما لطهارة القلب وسلامته؛ ألم تسمع لقول الله تعالى: {وإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]. وقد نزلت هذه الآية في رجالٍ ونساءٍ يمتلكون قلوبا أطهر منا وأزكي بملايين المرات.. فكان هذا الأمر أمرًا للمسلمين جميعًا وليس خاصًا بالصحابة وأمهات المؤمنين كما زعم بعض الجهلة؛ بل نحن الأولى أن نُخاطَب به وليس هم رضي الله عنهم جميعا.

- المفسدة الثانية: الاختلاط بين الرجال والنساء يُذهب الحياء ويميته في قلب المرأة، فتفقد المرأة بذلك أغلى ما تملك.

- المفسدة الثالثة: الاختلاط مدعاة لإطلاق البصر ونحن -رجالًا ونساءً- قد أُمرنا بغض البصر كما قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: من الآية 30]، {قُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: من الآية 31] فكيف يتأتى ذلك والاختلاط أصبح واقعًا مشاهدًا في كل مكان.

- المفسدة الرابعة: الاختلاط مقدمة للزنا والفواحش؛ كما قالوا: (نظرة ٌ فابتسامةٌ فسلامٌ فكلامٌ فموعدٌ فلقاءُ) وينتهي الأمر بكارثة. ولعل الأمر واقعٌ لا جدال عليه، وبلادنا ملأى بالمصائب.

- المفسدة الخامسة: الاختلاط سبب كل مشكلة وأساس كل بلية في الحياة الأسرية؛ فالمرأة تنزل إلى العمل أو إلى الأسواق وتختلط بالرجال وترى هذا وتتحدث مع ذاك وقد يعجبها طريقة حديثه أو مظهره وأناقته وتود لو أن زوجها الحالي أو المستقبلي إن لم تكن زوجة مثل هذا الذي رأته وعرفته، وكذا يحدث مع الرجل فيتمنى لو أن زوجته مثل فلانة (زميلته في العمل) وهكذا يبدأ خراب البيوت، وتدمير الأسرة التي هي خلية المجتمع.

- المفسدة السادسة: الاختلاط في الشوارع يعرض النساء خصوصا للإيذاء سواء بالأقوال أو الأفعال.. ثم يخرج علينا من ينادي بقوانين لمنع المعاكسات والتحرشات!! وبدلا من ذلك فلمَ لا نمنع الاختلاط من الأساس!! فأين العقول والألباب؟!!

 

ومما سبق يتضح لنا أهمية الابتعاد عن الاختلاط وأهمية توعية النشء من بنينٍ وبنات بمخاطر الاختلاط، بل وتربيتهم على بغض ذلك الأمر، فالأسرة يجب أن:

أولًا: تربي أطفالها على التمسك بالدين القيم، وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تربيهم على مبادئ الإسلام، وأن تغرس في نفوسهم حب هذا الدين والاعتزاز به، واليقين بأن ما أمرنا الله به فهو لمصلحتنا ولا شك، وأن ما نهانا الله عنه فهو من أجل الحفاظ علينا؛ فهو خالقنا وهو سبحانه الأعلم بما يضرنا وما ينفعنا.

 

ثانيًا: تبعد أطفالها منذ الصغر عن الاختلاط وأن تختار لهم المدارس التي تفصل الجنسين عن بعضهما البعض، فالطفل يترسخ في عقله كل صغيرة وكبيرة في هذه المراحل الأولى من حياته؛ فإذا تعود على الاختلاط منذ صغره ترسخ هذا المنطق في عقله وصعُب تغييره فيما بعد؛ وكما يقال: (من شبَّ على شيءٍ شاب عليه)، وكما قال الشاعر:

وينشأُ ناشئُ الفتيان فينا *** على ما كان عَوَّدهُ أبوه

 

ثالثًا: تراعي التطبيق العملي لمظاهر البعد عن الاختلاط، فالتنظير يختلف عن التطبيق، والقدوة هي الأثر الفاعل في نفس الطفل. فيجب أن تراعي الأسرة الضوابط الشرعية في التعامل مع هذا الموضوع، فلا يقوم المربي بتلقين الطفل مساوئ الاختلاط ثم بعد ذلك نجد الأسرة كلها رجالا ونساء؛ شبابا وشيبة مجتمعة في مكانٍ واحد، والطفل أو الطفلة يشاهدان بأعينهما عكس ما سمعاه بأذنيهما.

 

رابعًا: يكون التطبيق العملي شاملا لكل الأفراد فالاختلاط ليس معناه الاختلاط بالرجال في خارج البيت مثلا أو في الشوارع والأسواق وغير ذلك فقط؛ بل يبدأ من المنزل، فيجب على المربي أن لا يتساهل أو يتغافل عن هذا الأمر. فقد نجد أحيانا أن المرأة أو الرجل يسمح لأخيه أو أولاد إخوته أن يدخلوا بيته ويختلطوا ببناته مثلا، مع أن المرء لا يدري من أين يُؤتى، وقد تأتي البلية من حيث لا يحتسبُ المرء. وأعرفُ امرأةً تساهلت في هذا الأمر فكانت العواقب وخيمة، وكان ابن أختها الذي حسبته أنه سيصون ابنتها كأنها أخته هو الذي فرَّط في عرضها!!

 

أما إذا انتقلنا إلى دور الأمم كحكومات في هذا الأمر فإنه ولا بد أن يأخذَ صاحبُ الأمرِ هذا الموضوع الخطير على محمل الجد، فيجب عليه أن يأمر القائمين على الدولة بأن يوفروا مدارس منفصلة لكل جنس منذ الصغر، وأن يوفروا أماكن ترفيهية مخصصة للنساء وأخرى للرجال، وأن يمنعوا الاختلاط في المؤسسات الحكومية، وأن يخصصوا أسواقًا للنساء فقط على أن يكون البائعون فيها نسوةً أيضًا، وتوفير وسائل مواصلات منفصلة لكل جنس عن الآخر.

ويجب كذلك القيام بحملات توعية لإبراز مدى خطورة هذا الأمر، وكذلك استحداث نظام الحسبة في الدول التي لا يوجد بها هذا النظام، وتشجيعه في البلاد الموجود فيها. وكما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إن الله يزعُ بالسلطان ما لا يزعُ بالقرآن".

 

نسأل الله تعالى أن يقينا شر هذا الأمر وأن يردنا إلى دينه ردًا جميلًا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.