ما أحوجنا إلى الحلم

منذ 2014-03-25

وسط ضجيج الحياة، وزحام المسارعة، واللهاث خلف الدنيا قد تسقط من بعضنا بعض أخلاقه كما يسقط العرق الناتج عن الركض خلف الدنيا. ومن هذه الأخلاق التي كادت تندر في مجتمعاتنا خلق الحلم.. حتى بتنا نذكر من يتصف بالحلم ذكر النادر الشحيح المميز في مجتمعه المبتعد عن الحلم والأناة.

بسم الله الرحمن الرحيم

وسط ضجيج الحياة، وزحام المسارعة، واللهاث خلف الدنيا قد تسقط من بعضنا بعض أخلاقه كما يسقط العرق الناتج عن الركض خلف الدنيا. ومن هذه الأخلاق التي كادت تندر في مجتمعاتنا خلق الحلم.. حتى بتنا نذكر من يتصف بالحلم ذكر النادر الشحيح المميز في مجتمعه المبتعد عن الحلم والأناة.

والحلم: هو الأناة والطمأنينة وضبط النفس عند الغضب، وترك العجلة والطيش في مكافأة من ظلمك، والحلم إما أن يكون جبليًا مفطور عليه صاحبه كأَشَجِّ عبد القيس، الذي قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ فيك خَصْلَتْين يحبُّهما الله ورسوله، الحِلْم والأناة. فقال: أشيءٌ تخلَّقْتُ به أم جُبِلْتُ عليه يا رسول الله؟ فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: لا؛ بل جُبِلْتَ عليه. فقال: الحمد لله، جَبَلَنِي على خَصْلَتَيْن يحبُّهما الله ورسوله» (رواه مسلمٌ).

وإمَّا أن يكون الحلم مكتسبًا اجتهد صاحبه لتحصيله والتخلق به وإصلاح قلبه وتزيين خلقه وهذا ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة جاء في الحديث الذي أخرجه ابن أبي الدنيا في (كتاب الحلم: ص17)، والخطيب في تاريخه من طريق إسماعيل بن مجالد، عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه». وحسنه الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت رقم: [342]).

فقوة الإنسان في تحكمه في نفسه وعدم متابعته لهواه وعلاجه لأمراض قلبه، وليست القوة في الطيش والشدة في غير موضعها كما في قول الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: «ليس الشَّديد بالصُّرَعَة، ولكنَّ الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (رواه البخاريُّ ومسلمٌ).

أسمع رجلٌ عمر بن عبد العزيز بعضَ ما يَكْره، فقال: "لا عليك، إنَّما أردتَ أن يَسْتفزَّني الشَّيطان بعزَّة السُّلطان، فأنال منك اليوم ما تنالُه منِّي غدًا، انصرفْ إذا شئت" (العقد الفريد لابن عبد ربه).

وشَتم رجلٌ الشَعبَيَّ، فقال له: "إن كنتَ صادقًا فغَفر الله لي، وإن كنتَ كاذبًا فغفر الله لك" (المصدر السابق).

و شَتم رجلٌ أبا ذَرٍّ رضي الله عنه فقال: "يا هذا، لا تُغرق في شَتمنا ودَع للصُّلح مَوضعًا، فإنَّا لا نكافئ مَن عصى الله فينا بأكثر مِن أن نُطيع الله فيه" ذكره أبو نعيم في (حلية الأولياء).

وكان الرَّجل يقول لمعاوية رضي الله عنه: والله لتستقيمنَّ بنا يا معاوية، أو لنقوِّمنَّك، فيقول: بماذا؟ فيقولون: بالخشب، فيقول: "إذًا أستقيم" ذكره الذهبي في (سير أعلام النبلاء).

وسبَّ رجلٌ ابن عبَّاس رضي الله عنهما، فقال ابن عبَّاس: "يا عكرمة هل للرَّجل حاجة فنقضيها؟" فنكَّس الرَّجل رأسه، واستحى ممَّا رأى مِن حلمه عليه، ذكره الغزالي في (الإحياء).

وأختم بخير من اتصف بالحلم صلى الله عليه وسلم؛ روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه بردٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ، فجبذه بردائه جبْذَةً شديدةً، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثَّرت بها حاشية البُرْد مِن شدَّة جَبْذَته، ثمَّ قال: يا محمَّد! مُرْ لي مِن مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ ضحك، ثمَّ أمر له بعطاء".

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.