أحقًا نستحق أن نكون إخوانه؟!

منذ 2014-04-14

متى العودة لأخلاق الإسلام؟ متى الخروج من هذا النفق المظلم ونعود للعمل بما جاء به الحبيب؟ هل سيأتي اليوم الذي نستحق فيه أن نكون إخوان الحبيب؟ فالمتأمل في واقعنا الحاضر الآن ممن يخافون الله ويخشونه لا بد وأن تستوليَ عليهم الدهشة والحيرة ويتملَّكَهم الأسى والحزن لما نراه من شرور ومفاسد وصراعات ومظالم..

يقول تعالى في محكم آياته: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْـمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105]. 
ويقول تعالى: {قُلْ لا يَسْتَوِي الخَبِيثُ والطيِّبُ..} [المائدة:100]. 

لقد أصبحنا في بلاد مسلمة قولاً لا فعلاً، فالإسلام هو الأخلاق الحميدة، هو تطبيق أوامر الله ورسوله، هو الرحمة والتراحم، هو الود والمودة، هو الوقار والتوقير، هو التسامح والتراحم.. كل هذا أصبح مجرد شعارات، شعارات فقط، فقد اعترى أخلاقنا ما يدمي القلب ويجعله يبكي دمًا..

في الطريق العام تجد اثنين يتشاجران وينعت كل واحد منهما الآخر بأبشع الألفاظ مع التشابك بالأيدي..
أنت.... أنا اللي.... أهو أنت.... وأباك واللي... كل هذا والمارة يشاهدون ما يحدث وكأنه شيء عادي وطبيعي، ولا يطلب أحد من المتشاجرين أن يكف كل منهما الأذى عن الآخر.. بالعكس تجد هناك من يضحك ويقول شاطر يا ولد خد حقك منه...! أين هؤلاء من حديث الحبيب عليه الصلاة والسلام: «إن من أكبر الكبائرِ أن يلعنَ الرجل والديه قيل: يا رسول الله، وكيفَ يَلعنُ الرجل والديهِ؟ قالَ: يَسبُّ الرجلُ أبا الرجلِ، فيسب أباهُ، ويسب أمهُ فيَسبُّ أمهُ» (صحيح البخاري:5973).

وفي الطريق أيضًا تجد من لا يغض البصر، ويبدأ في التلفظ بأشياء يستحي منها البشر، ولا تسلم من ذلك حتى المنتقبة التي اضطرتها الظروف للخروج من بيتها، فما بالنا بالمتبرجة أو التي تسير بحجاب الموضة.. وإذا ذهبنا للتسوق تجد من يزاحم ويقطع عليك الطريق، وكأن الدنيا ستنتهي إذا تخطاه أحد في الشراء أو المحاسبة على المشتروات.. أين هؤلاء من وصايا الحبيب عليه الصلاة والسلام في حق الطريق ففي الحديث: «..أعطوا الطريقَ حقَّه، قالوا: وما حقُّه؟ قال:غض البصرِ، وكف الأذى، ورد السلام، والأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عن المنكرِ» (صحيح مسلم:2121).


وعلى صفحات التواصل الاجتماعي -الفيس بوك- أقرك ما يدمي القلب على حالنا، فأجد إذا اختلف أحدهم مع ألآخر في الرأي نعته بأمه وأبيه، والآخر يرد عليه بنفس الأسلوب وأحيانًا الأمر يتطور ويسوء بتدخل أنصار كل واحد..! فيكيل كل منهم قاموس من البذاءات لا حصر لها، لا تصدق أبدًا أن هؤلاء من أمة المصطفى عليه الصلاة والسلام.. وقد نسوا هؤلاء أوتناسوا أن أسوتنا وقدوتنا لم يكن أبدًا شتامًا ولا لعانًا حتى مع ألد خصومه واعدائه..

وفي الأسرة الواحدة رأيت أخ يقرض أخيه مبلغ من المال ثم حدث بينهما حوار عادي، فإذا بالأخ الدائن يعير أخيه المدين بأنه قام بعمل تاريخي بكونه أقرضه المال، فتعز نفس المدين عليه ويتصرف في المال لعيده إليه ويقطع صلته بأخيه.. ونسي هذا الأخ -مع أنه يمتهن مهنة سامية ويعتبر قدوة لتلاميذه- أن الأنصار كانوا يقتسموا ما عندهم مع إخوانهم من المهاجرين، بالرغم من أنهم إخوة في الدين فقط وليسوا من رحم واحدة مثله وأخيه..  

نأتي للأبناء ومؤثرات الإعلام فيه وما به من فساد.. تجد الأبناء الآن وقد تغيرت مفاهيمهم عن الحياة، فلم يعد هناك وقار لا للكبير ولا رحمة بالصغير، فعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا ما أقدم أحد الأبناء على فعل شيء معين فينصحه جده، فإذا به يقول له: "ده كان أيام الفراعنة شوف قبر يأويك أحسن، أنت لسة عايش ليه"، وإذا نهره الأب، أو نهرته الأم على فعلته، يرد عليهم ويقول: "أنتم أصلاً ناس متخلفة، عيشوا بقى سنكم واتركونا لحياتنا".

وإذا ركبت إحدى وسائل المواصلات تجد السائق يقوم بتشغيل أغاني عجيبة وغريبة، وإذا طلب منه أحد الركاب غلق المسجل، أو استبدال ذلك بآيات من الذكر الحكيم، أو أن يجعل الغناء على قدر سمعه فقط ولا يؤذي به غيره، تجد السائق يستشيط غضبًا ويقول: "اللي مش عاجبه ينزل، مش عايزين قلة مزاج، حاجة..." ويسب المتحدث وقد يكون هذا المتحدث شيخ له قيمته ووقاره..!

وهناك العديد والعديد من تلك الأمثلة وغيرها مما هو أسوء من ذلك، غير ما يُنشر في القنوات الفضائية من بذاءات ومفاسد لا يمكن أن تقام معها أي أخلاق، فالمتأمل في واقعنا الحاضر الآن ممن يخافون الله ويخشونه لا بد وأن تستوليَ عليهم الدهشة والحيرة ويتملَّكَهم الأسى والحزن لما نراه من شرور ومفاسد وصراعات ومظالم، وقلوب ملأتها الضغائن والأحقاد والمطامع والأهواء، غير ما نراه من رغبة البعض في التسلُّط والاستعلاء على خلق الله، وغير ذلك الكثير من الأخلاق الدخيلة على الأمة الإسلامية، والتي لا تعبر عن ديننا السمح..

فالأخلاق هي دليل الدين في الأمة، يقول ابن القيم رحمه الله: "الدين الخلُق، فمن زاد عنك في الخلق زاد عنك في الدين، ومن نقص عنك في الخلق نقص عنك في الدين"، ويقول الشاعر:
 

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا


إخواني وأخواتي: إن الأمم التي تحتفظ بأخلاقها وقيمها الصحيحة تبقى وتعلو، أما الأمة التي تنحدر وتقع في الهاوية فإنها تذهب وتتخلف، وتداس بالأقدام، فالله سبحانه وتعالى عندما بعث الرسول عليه الصلاة والسلام إنما بعثه ليتمم مكارم الأخلاق، فعن الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق أو قال: صالح الاخلاق» (السلسلة الصحيحة:45).

وقال تعالى واصفًا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، فكيف بأمة رسولها على أعلى خلق وبُعث ليتمم مكارم الأخلاق، أن تكون هذه أخلاقها؟! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليتَ أنَّا نرى إخوانَنا قالوا: يا رسولَ اللهِ ألسنا إخوانَك؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني قومٌ آمنوا بي ولم يرَوني» (بلوغ المرام لابن عثيمين:379/6، صحيح). نعم نحن نؤمن به وبما جاء ولكن! وقد انحدرنا إلى هذا المستوى، هل سيفتخر بأننا إخوانه، ويتمنى لو يرانا؟ لا والله..

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أحَبَّكم إليَّ وأقرَبَكم منِّي في الآخرةِ أحاسِنُكم أخلاقًا وإنَّ أبغَضَكم إليَّ وأبعَدَكم منِّي في الآخرةِ أسوَؤُكم أخلاقًا» (صحيح ابن حبان:1164)، فهل بأخلاقنا تلك سنكون ممن يقربهم الحبيب منه يوم القيامة؟ لا بل العكس أعاذنا الله وإياكم من البعد عن الحبيب المصطفى..

يوم القيامة سيقف الحبيب ويناشد الله في أمته، ففي الحديث: «..أناشدُ فيكم ربَّ العالمين فأقول: أي ربِّ أُمَّتي! فيقول: يا محمدُ! إنك لا تدري ما أحدثوا بعدَك، إنهم كانوا يمشون بعدَك القَهْقَرى على أعقابهم» (صحيح الترغيب:784)، الحبيب يُدمىَ قلبه من أجلنا ويناشد ربه، ونحن نخذله بتلك الأخلاق المشينة.. 

متى العودة لأخلاق الإسلام؟ متى الخروج من هذا النفق المظلم ونعود للعمل بما جاء به الحبيب؟ هل سيأتي اليوم الذي نستحق فيه أن نكون إخوان الحبيب؟

فليسأل كل إنسان نفسه: بأي وجه سيقف أمام الله بعد أن أرسل إليه رسول الهدى، وبأي وجه سيقابل الحبيب وقد خذله؟! والله المستعان. 

أم سارة

كاتبة إسلامية من فريق عمل موقع طريق الإسلام