الخوض في الأعراض
هل أطماعنا وأهوائنا طغت على قلوبنا وأعيننا فأصبحنا لا نرى إلا ما نريده فقط، والوصول إليه بأي وسيلة وإن كانت بالتشهير والفضائح والقتل وارتكاب كل الموبقات؟ يا من تنتمون إلى الإسلام اتقوا الله في أنفسكم وفي إخوانكم المسلمين، ولا تكونوا يدًا تساعد من يحارب الإسلام ويريد تشويهه.
مما يؤسف له في الآونة الأخيرة ما نراه على صفحات بعض المجلات الخاصة، والمواقع الإلكترونية لبعض الجرائد والمجلات الإخبارية، هو الخوض في أعراض الناس سواء ذكور أو إناث، فلم يسلم من ذلك أحد، والأسوء من ذلك هو استغلال تلك الوسيلة الحديثة –الفوتوشوب- بتركيب صور لمن يريدون التشهير بهم كدليل على الكلام.. ومن لا يعرف تلك التقنية يصدق ما يراه ولا حول ولا قوة إلا بالله، فأي دين ينتمي إليه هؤلاء؟! وكيف سيقفون بين يدي الله وهم يرمون المحصنات الغافلات، أو المحصنين من الرجال؟!
لماذا وصلنا إلى هذا الحال؟ هل يوجد شيء في الدنيا يساوي أن نصل لتلك الأخلاق المشينة؟ هل أطماعنا وأهوائنا طغت على قلوبنا وأعيننا فأصبحنا لا نرى إلا ما نريده فقط، والوصول إليه بأي وسيلة وإن كانت بالتشهير والفضائح والقتل وارتكاب كل الموبقات؟
هل فضائح الناس والتشهير بأعراضهم أصبح شيء هين لهذه الدرجة؟ ألم يسمع هؤلاء بقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:23]، هل يقوى هؤلاء على الطرد من رحمة الله في الدنيا قبل الآخرة، هل يقوون على العذاب العظيم يوم القيامة؟
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربى الربا شتم الأعراض» (السلسلة الصحيحة:1433)، لقد جعل الحبيب المصطفى الخوض في العرض من الربا وهو أكل المال الحرام، وقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عند الحديث إما أن نقول خيرًا أو نصمت، بل جعل ذلك من الإيمان بالله واليوم الآخر ففي الحديث: «من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ» (صحيح البخاري:6475).
وللأسف إن من يقرأ تلك المجلات والجرائد يصدقون ما فيها، ويبدأون في نقل الحديث بينهم، فتتم فضيحة الناس والتشهير بهم دون بينة أو دليل، كل برهانهم هو ما تم نشره، فيا حسرة على ما آل إليه حال المسلمين.. والله إن القلب ليقطر دمًا مما يحدث في أمة خير البشر وخاتم الأنبياء والمرسلين..
وحتى إن افترضنا أن ما يتم نشره من خوض في الأعراض صحيح، فأين الستر أليس الله ستير يحب الستر، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن اللهَ عزَّ وجلَّ حليمٌ حييٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الحياءَ والسِتْرَ» (صحيح النسائي:404)، والأجمل! إن الله عز وجل يوم القيامة يستر على عباده، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن اللهَ يُدْنِي المؤمنَ، فيَضَعُ عليه كنفَه ويَسْتُرُه، فيقولُ: أتَعْرِفُ ذنبَ كذا: أَتَعْرِفُ ذنبَ كذا؟ فيقول: نعم. أَيْ ربِّ، حتى إذا قرَرَّه بذنوبِه، ورأى في نفسِه أنه هلَكَ، قال: ستَرْتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفِرُها لك اليوم» (صحيح البخاري:2441).
أيستر علينا العلي العظيم يوم القيامة، بل يعفو ويصفح ونحن نشهر ببعضنا البعض، ونكيل الاتهامات لبعضنا البعض، أين تزكية النفس عن تلك المشاين؟ أين تقوانا وخشيتنا من الله وتمني ستره وعفوه يوم القيامة؟ وفي الستر على المسلم أيضا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (صحيح البخاري:2442)، ألا تحب يا من تخوض في عرض أخيك المسلم أن يسترك الله يوم القيامة..
أنت يا من تخوض في أعراض الناس وتنشرها وتهتك سترهم.. هل أنت خالي من الذنوب والعيوب، ولا تخاف أن يفضحك الله كما تفضح غيرك لهوى في نفسك؟ ألا تعلم أن من يتتبع عورات الناس ويفضحهم فإن الله يفضحه ولو في عقر داره.. ألم تسمع بحديث الحبيب عليه الصلاة والسلام وهو يقول: «يا مَعشرَ مَن أسلمَ بلِسانِهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قَلبِهِ، لاَ تؤذوا المسلِمينَ ولاَ تعيِّروهم ولاَ تتَّبعوا عَوراتِهِم، فإنَّهُ مَن يتبِّعُ عورةَ أخيهِ المسلمِ تَتبَّعَ اللَّهُ عورتَهُ، ومَن يتبِّعِ اللَّهُ عورتَهُ يفضَحْهُ ولَو في جَوفِ رَحلِهِ» (صحيح الترمذي:2032).
يقول أحد الشعراء:
لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا *** فيكشف الله ستراَ من مساويكما
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا *** ولا تعب أحداَ منهم بما فيكا
واستغن بالله عن كل فإن به *** غنى لكل.. وثق بالله يكفيكا
فيا من تنتمون إلى الإسلام اتقوا الله في أنفسكم وفي إخوانكم المسلمين، اثبتوا أنكم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أظهروا جمال الإسلام وأخلاقه ورحمته بالناس، لا تكونوا يدًا تساعد من يحارب الإسلام ويريد تشويهه، فالإسلام أخلاق وصفات يتراحم بها الناس فيما بينهم، والأخلاق الإسلامية هي سبب انتشار الإسلام، فلا تهدموها بأفعالكم يرحمكم الله.
أسأل الله العلي العظيم أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، وأن يصلح حال المسلمين في كل مكان، وأن ينير قلوبنا بحبه وتقواه، وأن يرزقنا جميعًا حبه وحب رسوله وإتيان ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.
أم سارة
كاتبة إسلامية من فريق عمل موقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: