مواقف المسلمين من الإسلام

منذ 2014-05-09

روح الإسلام هو علاقة الشعور بالعبودية الكاملة لله رب العالمين، وجسده هو مقتضيات هذه العلاقة من طاعة كاملة واستسلام كامل لله في اتباع أوامره واجتناب نواهيه، وحب ما يحب من قول وعمل وكراهية ما يكره منهم، تتغاير مواقف المسلمين من الإسلام في هذا الزمان تغايراً عظيماً..

الإسلام
من التعريفات التي جذبتني للإسلام هو أنه علاقة المخلوق بخالقه في صلة روحية عذبة تؤدي إلى الخشوع الكامل والاستسلام الكامل لله رب العالمين، فكما أن الإنسان روحُ وجسد فإن الإسلام نزل ليلائمه، فهو روح وجسد، والروح لا توجد في الكون بغير جسد سليم، والجسد لا يحيى بغير روح، وروح الإسلام هو علاقة الشعور بالعبودية الكاملة لله رب العالمين، وجسده هو مقتضيات هذه العلاقة من طاعة كاملة واستسلام كامل لله في اتباع أوامره واجتناب نواهيه، وحب ما يحب من قول وعمل وكراهية ما يكره منهم، تتغاير مواقف المسلمين من الإسلام في هذا الزمان تغايراً عظيماً وذلك استناداً على التعريف السابق كما يلي:

من يعيش الإسلام روحاً وجسداً، باطناً وظاهراً آخرةً ودنيا:
وهذا هو من يحيى في سبيل الله يتقرب إليه بسائر الوسائل من طاعته والخشوع والذل له، حتى يصبح موصولاً بالله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة من حياته، فإنه يحيى بالإسلام وللإسلام في علاقة منيرة مع ربه يعطي الآخرة وزنها في نفسه بما لها من نعيم أو جحيم مقيم، ويزن الدنيا إليها فيجدها تافهة لا تسوى عند الجبار جناح بعوضة فيجعلها كذلك في نفسه، فتراه يمتطي الدنيا لبلوغ جنةٍ عرضها السماوات والأرض أُعِدَت للمتقين.

فموقفه من الإسلام هو موقف الحي من الهواءِ والماءِ لا يستطيع الحياة بدونه، لأنه فَقِه أن معنى الحياة الحقيقي هو بالصلة بالله عز وجل وطاعته في كل مظهر من مظاهر الحياة، إنعكاساً لحقيقة حبه لله والخشية من غضبه.
قال الله تعالى في سورة [السجدة آية:16]: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}، وقال تعالى في سورة [الأنعام آية:162]: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، ومما يُدمي القلب ويزعج اللب أن هذه الفئة هي فئة قليلة العدد، ولكن في الآن ذاته نجد ما يواسي النفس أنها كبيرة القيمة حيث أنها الفئة الصالحة المصلحة.

ومنهم من يتخد هذا الدين ظاهراً فارغاً من روحه، جسداً بغير روح:
وهي فئة كثيرة العدد قليلة التأثير الإيجابي، كثيرة التأثير السلبي على المسلمين عامةً وعلى صورة الإسلام أمام غير المسلمين، وبالتالي على الدعوة للإسلام كدين عالمي المكان والزمان، هذه الفئة تقوم بظاهر العبادات على أكمل وجه ولكنها عبادة بلا خشوع وبلا تدبر وبلا إحساس، بالعلاقة المباشرة بين العبد وربه ويظن الإنسان القائم بهذا أنه قد أدى ما عليه تجاه دينه وربه، إلا أن ظاهرية تدينه تنعكس على فهمه للدين لأنه غافل عن مراد الله من عباده، فتجده يفهم دينه فهماً سطحياً خالياً من الروح كما أن تدينه خالياً منها، وتجد دينه أضحى عادات فارغة، فهو أشبه بالطقوس منه للدين الحقيقي.

وهذه السطحية تنعكس على أشياء خطيرة وهامة في الإسلام، ومنها معاملة الإنسان للعباد فتجده يهمش من قيمة إتقانها ومراعاة تقوى الله فيها فتجده لا يتورع عن الكذب أو الغيبة، وربما النميمة وغير ذلك من الموبقات التي قد يقوم بها ولا يشعر لأن علاقة المراقبة بينه وبين الله، غير موجودة أو وَهِنَةٍ جداً فهو لا يستحضر في ذهنه بالتبعية نصوص الدين العديدة، التي تحث أن حسن معاملة الناس من كمال الإيمان، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» (الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري، المصدر: الجامع الصحيح، الصفحة أو الرقم:6475، خلاصة الدرجة: صحيح).

ومن تبعات التدين السطحي الظاهري هو عدم توقير شعائر الله، فتجد من يقرأ القرآن قراءة طقوسية بغير فهم ولا تدبر وخشوع ورهبة، وحب نابع من إحساسه أنه كلام الله وليس كلاماً عادياً، فهذا الإنسان ديدنه أن يقرأ القرآن بأقصى سرعة ممكنة في أقل زمن ممكن ظناً منه أن هذا يوفر له أكبر عدد من الحسنات ذلك كفهم خاطئ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» (الراوي: عبد الله بن مسعود المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الترغيب، الصفحة أو الرقم: 1416، خلاصة الدرجة: صحيح)، ونسي أو تناسى كلام ربه في القرآن الكريم في سورة [محمد آية:24]: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.

فالقراءة الطقوسية هي محل ذم في القرآن فلا يستقيم أن تكون هي المقصودة في الحديث الشريف، فالجمع بين النصين يفيد أن نوعية القراءة المقصودة في الحديث هي ذاتها المذكورة في الآية، وقد يعترض معترض ويقول لقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم مثالاً بالحروف المقطعة حتى نفهم قصده من نوعية القراءة، وحيث أن هذه الحروف غير مفهومة المعنى فإن المقصود من الحديث التلاوة بتدبر أو بدونه، وهنا أذكره أنه هناك اختلاف كبير بين الفهم والتدبر فنحن مأمورون بتدبر الحروف المقطعة واحتمالات ما قد يكون مقصوداً بها، مع أننا لن نصل إلى فهم يقيني لها وهكذا، فإن هذا الاعتراض ليس في محله.

ونجد من مظاهر التدين الظاهري في هذه الأيام التي نعيشها ألا يتحرى الإنسان صحة الأخبار، والإخبار عن الدين بدون سندٍ ولا حجة، وكأنه يتعامل مع شيء فرعي ليس له أهمية في الحياة وليس مع أسمى ما في الوجود وهو دين رب العالمين.

ومما يؤسف له أنك تجد أناساً نالوا نصيباً من التعليم الذي تعامل مع الإسناد كتحضير رسائل الماجستير والدكتواراه، تجد نفس هؤلاء الناس الذين لا يستطيعون أن يكتبوا خبراً عِلمياً في بحوثهم دون مرجع يتعاملون مع كثير من نصوص الدين دون مرجع، فتجدهم يتساهلون في التصديق والإخبار، وربما يرسلون بريداً إلكترونياً دون حتى قرائته لمجرد أنه ورد في آخره عبارة مُغَيبَة مثل "انشرها: ولك أجرها، لن تخسر شيئاً فقط ستخسر لو لم تنشرها أجراً كان من الممكن أن تكسبه"، فنجده لمجرد أن قرأ هذا التلاعب العاطفي "انشرها ولك أجرها"، ولا يعلم أنه قد يأخذ وزرها و"لن تخسر شيئاً" ولا يعلم أنه قد يخسر الكثير يرسلها من غير تحرٍ أو حتى قراءة ممعنة، قال الله تعالى في سورة [النور آية:15]: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ }.

ومنهم من يتخد هذا الدين باطناً وهمياً ليس له ظاهر يصدقه، روحاً ميتة بغير جسد:
وهؤلاء نجدهم في فئة من الصوفية الذين ظنوا أن للدين باطن إن فهموه فهم ليسوا بحاجةً إلى الظاهر، لأن الظاهر إنما جُعل ليوصل إلى الباطن، فإن هم وصلوا لباطنه من غير ظاهر فقد حققوا المطلوب منهم، فتجد هؤلاء القوم يتهاونون في العبادت أيما تهاون بل ويرتكبون المنكرات بلا إنكار، لا منهم على أنفسهم ولا من أمثالهم عليهم، فيصير عندهم المنكر معروفاً والمعروف منكراً، ويدعون ما يسمونه كذباً بالعلم اللدني الذي يأتي لهم أو لشيخهم فيفعلون ما فيه وإن كان ليس مستنداً لشيء من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة المطهرة، أو حتى أفعال الصحابة.

ومن هذه الفئة أيضاً أناسٌ توهموا بأن صلتهم جيدة بالله عز وجل وأنهم يحبونه ولكنهم يعصونه مثل فئات من المشتغلين في المهن المحرمة، فهؤلاء وهؤلاء يصدق فيهم قول الله تعالى في سورة [الكهف آية:104]:
{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.

ومنهم من يتخد هذا الدين هزواً ولعباً بغير روح ولا جسد لا ظاهر ولا باطن:
وهؤلاء القوم لا يستقيم أن ندرجهم ضمن قائمة المسلمين، ولكننا لا نستطيع أن ندرجهم أيضاً ضمن المارقين من الإسلام إلا بإقامة الحجة عليهم، ومن صفات هؤلاء أنه ليس لديهم لا صلة شعورية روحية بالعبودية لله، ولا عبادات ولو حتى صماء يقومون بها فهم مسلمون فقط بالاسم، أو لفظ في ورقة حكومية.

ومنهم أيضاً العلمانيون الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، وادعوا بلسان الحال وليس المقال أن الله لا يعلم ماذا سيلم بحال العالم بعد نزول القرآن بأكثر من 1400 عاماً، وبالتالي فهم يقصرون الدين على العبادات دون المعاملات ويؤثرون فصله تماماً عن الدنيا ادعاءً أن هذا هو سبيل التقدم لأنهم يتبعون المنهج الأوربي للتقدم عندما نبذوا الكنيسة وتعاليمها، جاهلين أو متجاهلين أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي لم ينال التحريفُ نصوصَه، وأن كتبَ النحلِ الأخرى قد نالها التحريف والتلاعب.
والله أعلم

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي