الجمال الظاهر

منذ 2014-05-19

في حديث رائع يوجه النبي صلى الله عليه وسلم كل شاب قد بدأ المسيرة في طريق الله، فها هو يقول: «إن الله جميل يحب الجمال» (رواه مسلم). فلأنه جميل سبحانه؛ فكذاك يحب لعبده أن يكون جميلًا، جميلًا في باطنه بصفائه وطهره، تمامًا كما هو جميل في ظاهره وشكله، فهو كالأُتْرُجَّة التي وصف بها نبينا صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يقرأ القرآن، فقال: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأُتْرُجَّة؛ ريحها طيب وطعمها طيب» (متفق عليه).

في حديث رائع يوجه النبي صلى الله عليه وسلم كل شاب قد بدأ المسيرة في طريق الله، فها هو يقول: «إن الله جميل يحب الجمال» (رواه مسلم). فلأنه جميل سبحانه؛ فكذاك يحب لعبده أن يكون جميلًا، جميلًا في باطنه بصفائه وطهره، تمامًا كما هو جميل في ظاهره وشكله، فهو كالأُتْرُجَّة التي وصف بها نبينا صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يقرأ القرآن، فقال: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأُتْرُجَّة؛ ريحها طيب وطعمها طيب» (متفق عليه).

وهذا الجمال الذي لا بد أن يتزين به كل شاب يريد أن يكون من السائرين في طريق الله، لا كأي جمال؛ إنه جمال وفق موازين خاصة، وضعها أحكم الحاكمين ذو الجمال والكمال سبحانه وتعالى، وحدَّدته موازين الشريعة الغراء، التي يتذوق جمالها كل صاحب قلب حي وفطرة سليمة.

من أجل ذلك؛ كان لا بد لكل شاب أن يحوز الآن جمال الظاهر، فيُجَمِّل ظاهره باتباع هدي أجمل الْخَلْق صلى الله عليه وسلم في شكله وهديه ومظهره، وبذلك يحوز الجمال من أطرافه كما أراده له خالقه وباريه.

الهدي الظاهر، لماذا؟

لعلك الآن تتساءل أيها الشاب، لماذا الهدي الظاهر؟ إذا كنت سليمًا في باطني، فلماذا يجب عليَّ أن أتجمل بالهدي الظاهر؟ والإجابة على هذا السؤال تتلخص في عدة نقاط:

1- ادخلوا في السلم كافة:


فهذا أمر الله تعالى لعباده المؤمنين، أن يلتزموا بشريعة الإسلام بكل ما فيها، سواء ما يتعلق منها بصلاح الباطن، أو صلاح الظاهر على السواء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208].

وما أروع كلام الألوسي رحمه الله في تفسير تلك الآية، حين قال رحمه الله: "والمعنى: ادخلوا في الإسلام بِكُلِّيَتكم، ولا تَدَعوا شيئًا من ظاهركم وباطنكم إلا والإسلام يستوعبه؛ بحيث لا يبقى مكان لغيره" (تفسير الألوسي، [2/184]).

وإسلامنا شريعة جامعة؛ فما ترك نبينا صلى الله عليه وسلم من شيء يحتاجه المؤمن لصلاح دينه ودنياه إلا وأرشدنا إليه، وترك لنا قواعده التي تَضبِطه وتَحكُمه وفق شرع الله تبارك وتعالى، ومن ذلك شعائر الهدي الظاهر، الذي هو جزء لا يتجَزَّأ من تعاليم شريعة الإسلام.

2- عنوان صلاح الباطن:


قاعدة وضعها النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (متفق عليه)، فلا مجال للحديث عن صلاح الباطن مع فساد الظاهر، فإن هناك ارتباطًا شديدًا بينهما، وأنت إذا رأيت ثمرة قد أصابها العطب من خارجها؛ حكمت على الفور بسريانه إلى الداخل، والعكس بالعكس.

فالتأثير المتبادل بين الظاهر والباطن أمر مُستقِر محسوس، كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: "وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يُوجِب أمورًا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يُوجِب للقلب شعورًا وأحوالًا" (اقتضاء الصراط المستقيم، ابن تيمية، [1/92]).

وانظر تصديق تلك القاعدة في هذه القصة اللطيفة، التي جرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا ضافه ضيف كافر، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحُلِبَت فشرب، ثم أخرى فشربه، ثم أخرى فشربه، حتى شرب حِلاب سبع شياه، ثم أصبح من الغد فأسلم، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحُلِبَت فشرب حلابها، ثم أمر له بأخرى فلم يَستَتِمها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن يشرب في مَعِي واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء» (رواه مسلم).

فتأمل في ذلك الرجل، وكيف تَغيَّر سلوكه الظاهر وصلح، لَمَّا غدا وافدًا جديدًا إلى حياة النور، بعد أن أشرق باطنه بنور الإيمان؛ تستبين لك شدة العلاقة بين الظاهر والباطن.

3- صدق الانتساب:


فإن التزامك بشعائر الهدي الظاهر، وتَحلِيك بزينة اتّباع سيد الأنام في سمته ومظهره، واعتزازك بذلك؛ دليل على صدق انتسابك لحياة النور، وعلى قوة تَضلُّعك من منابعه الثلاثة، من سرعة الامتثال لأوامر الشرع، واستعلائك بإيمانك، وصونك لصفاء التزامك عن أن تُعَكِّره برواسب الغفلة.

فإن من أَحب شيئًا اعتزَّ به ولا شك، وحرص أن يُبَيِّن ذلك الاعتزاز في مظهره ومخبره، بل انظر إلى عُشَّاق الموضات، ومهووسي تقليد الغرب، كيف يتَّبعون مظهر الممثلين والممثلات، والْمُغَنِّيين والمغنيات، الأحياء منهم والأموات؛ فيقلدونهم في كل شيء حَذو القُذَّة بالقُذَّة، فنحن أجدر أن نقتفي مظهر الحبيب صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام من رواد حياة النور رضي الله عنهم أجمعين.

هذا علاوة على أن شعائر الهدي الظاهر منها ما هو واجب، مما لا يسوغ لطالب حياة النور أن يَتركه، ومنه ما هو مستحب، يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، وكل ذلك من مظاهر الجمال، التي يُندَب للوافد الجديد إلى حياة النور أن يُحافظ عليها.

4- هويتنا الإسلامية:


فإن لكل أمة وأصحاب عقيدة مظاهر وخصائص، تُعَبِّر عن هويتهم التي ينتمون إليها، وتأمَّل حرص أصحاب الباطل على مظاهر هويتهم المعبرة عن عقائدهم. وانظر تَمسُّك اليهود الصهاينة بطاقيَّتهم الصغيرة الشهيرة، ورسمهم لنجمتهم السداسية في كل محافلهم؛ تعرف من ذلك صدق انتمائهم إلى عقيدتهم الفاسدة. وترى ذلك أيضًا في المتدينين من النصارى الذين يُعَلِّقون الصلبان على صدورهم، ويَنقُشونه على أيديهم، بل وفي السيخ والبوذيين، وغيرهم.

أَفَيَليق أن يعتزَّ أمثال هؤلاء بمظاهر ضلالهم، ويستنكف عن ذلك المؤمن الوافد إلى حياة النور، وإذا كانت تلك المظاهر هي صبغة الشيطان التي كسا بها أهل الزيغ والضلال؛ فكيف لا يستمسك المؤمن بصبغة الرحمن التي حبانا بها ربنا جل وعلا!!

إن الحفاظ على هدينا الظاهر هو آية الانتساب إلى الهوية الإسلامية، ممثَّلة في عقيدة التوحيد، وبتمسكنا به نحفظ هذه الهوية من الذوبان، ومن أجل ذلك؛ كان حرص النبي صلى الله عليه وسلم على ترسيخ عقيدة الولاء والبراء في نفس كل وافد إلى حياة النور، فعلَّمنا أن نخالف المشركين في سَمتهم وهَديهم، وفي ملبسهم وعاداتهم.

وما ذاك إلا لأن المشابهة في الهدي الظاهر توجب بعد ذلك المشابهة في الأخلاق والعقائد، فإن الفساد والعطب إنما يتطرق إلى الثمرة بداية من خارجها، ثم يتسلل رويدًا رويدًا إلى داخلها، وتأمَّل حال المفتونين بالحضارة الغربية، ودعاة السير خلف الغرب، بكل ما عندهم من طيب وخبيث، تراهم مع ضياع هويتهم الإسلامية، يُقَلِّدون هؤلاء في ملبسهم وشكلهم، وعاداتهم وتقاليدهم، وما ذاك إلا للتلازم الشديد بين الظاهر والباطن، وتأثير صلاح أو فساد أحدهما على صلاح الآخر أو فساده. وتلك هي الحكمة التي شرع الله من أجلها مخالفة أهل الباطل في ظاهرهم، كما خالفناهم أيضًا في باطنهم.

من أنواع الجمال:

وهذه بعض أنواع الجمال التي تُصدِّق ما في باطن كل شاب سائر في طريق الله:

أ- زينة الرجال:


إنها زينة الرجال التي استشعرها الإمام ابن القيم رحمه الله حينما قال: "وأما شعر اللحية ففيه منافع؛ منها الزينة والوقار والهيبة، ولهذا؛ لا يُرى على الصبيان والنساء من الهيبة والوقار ما يُرى على ذوي اللحى" (التبيان في أقسام القرآن، ابن القيم، [131]).

وهو من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان ذا لحية كثيفة، وكان يُمَشِّطها ويَعتَني بمظهرها، وقد أمر بها حبيبك صلى الله عليه وسلم في أحاديث كُثُر وبألفاظ مختلفة، وها هو الإمام الشوكاني رحمه الله يحصيها لك في قوله: "قد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات: (أعفوا، وأرخوا، وأوفوا، وأرجوا، ووفروا)، ومعناها كلها: تركها على حالها" (نيل الأوطار، الشوكاني، [1/300]).

وانظر إلى نفور رسول الله صلى الله عليه وسلم من حالق لحيته، لَمَّا دخل عليه رسولا كسرى، وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما، فَكرِه النَّظر إليهما، ثم أقبل عليهما فقال: «ويحكما!! من أمركما بهذا؟»، قالا: أمرنا ربنا -يعنيان كسرى- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولكن أمرني ربي أن أُعفي لحيتي وأُحفي شاربي» (الطبقات الكبرى، ابن سعد، [1/149]).

ب- الطيب هدي الحبيب:


ومن هَديه صلى الله عليه وسلم كثرة الطِّيب، والحرص على الرائحة العطرة، بل كان ريح عَرَقه صلى الله عليه وسلم أطيب من المسك، حتى لقد كان الصحابة يَسلُتونه ليجعلوه في طيبهم، وهو أحد أمرين حُبِّبَا إليه صلى الله عليه وسلم من زينة الدنيا؛ إذ يخبرك هو بذلك فيقول: «حُبِّبَ إليَّ من الدنيا النساء والطيب» (صححه الألباني في صحيح الجامع، [3124]).

ويشرح ابن القيم رحمه الله سِرَّ هذا الحرص من نبينا الحبيب على مس الطِّيب؛ فيقول: "وفي الطِّيب من الخاصية أن الملائكة تحبه، والشياطين تَنفر عنه، وأحب شيء إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة؛ فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة، والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة، وكل روح تميل إلى ما يناسبها" (الطب النبوي، ابن القيم، ص336) (حياة النور، فريد مناع).

ج- حسن الهندام عادة خير الأنام:


وهي عادة جميلة من هَدي خير من حاز جمال الظاهر والباطن صلى الله عليه وسلم، تَنتَظم من حسن المظهر، والحرص على أن يُعَبِّر ظاهر المؤمن عن جمال الإيمان، في ملبسه ومظهره، وشعره وشكله، في غير سرف ولا خُيَلاء ولا مبالغة.

وكان صلى الله عليه وسلم يُمَشِّط شعره ولحيته ويدهنهما، ويقول: «من كان له شعر فليُكرِمه» (صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، [4162]).

ماذا بعد الكلام؟

ـ حاول أن تحافظ على الثلاثة أشياء قدر استطاعتك، واحرص على الاعتناء بمظهرك جيدًا، فلا تنسى أن تهذب شعرك، وتضع أجمل العطور، كذلك أن تُزَين وجهك باللحية، فبهذا يكون فعلك مُصدق لباطنك.

المصادر:


حياة النور، فريد مناع.
اقتضاء الصراط المستقيم، ابن تيمية
الطبقات الكبرى، ابن سعد.
نيل الأوطار، الشوكاني.
التبيان في أقسام القرآن، ابن القيم.
الطب النبوي، ابن القيم.
تفسير الألوسي.
 

المصدر: مفكرة الإسلام