من مفاعل تموز إلى مفاعل بوشهر
منذ 2008-05-23
ســؤال: ألم يأن للعرب، سواء منهم من تحالف مع إيران أو مع الولايات المتحدة، أن يرفعوا أبصارهم إلى الأعلى قليلا كي يتجاوز حد رؤيتهم أرنبة أنوفهم، حتى يدركوا أن هاتين الدولتين لا تريدان بهم خير؟!
"إذا وقعتم في الأسر، فقولوا كل ما تعرفوه، لأنكم في الحقيقة لا تعرفون شيئا "... مقولة شهيرة للجنرال رافاييل إيتان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، قالها لمجموعة من الطيارين الإسرائيليين في السابع من يونيو حزيران 1981، قبيل انطلاقهم بلحظات لتنفيذ أحد أهم العمليات في تاريخ الجيش الإسرائيلي.
في ذلك اليوم، وبعد أخذ الأمر من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيجن، انطلقت من مطار إيلات على البحر الأحمر ثمان طائرات حربية من طراز إف-16 أمريكية الصنع، متجهة إلى العراق لتدمير مفاعل تموز الذي شغل بال المسؤولين الإسرائيليين طويلا قبل أن يسوى بالأرض ويصبح كأنه لم يكن.
عملية شبيهة حدثت في السابع من سبتمبر 2007، حين اخترقت ثمان طائرات حربية إسرائيلية من طراز إف-18 الأجواء السورية، لتدمر موقعا بالقرب من محافظة دير الزور، زعمت المصادر الغربية والإسرائيلية أنه مفاعل نووي سوري تحت الإنشاء بالتعاون مع كوريا الشمالية.
في كلتا العمليتين، عادت الطائرات الإسرائيلية إلى قواعدها سالمة مخلفة وراءها ألسنة من اللهب تحرق كل بارقة أمل عربي في الحصول على سلاح الردع النووي، لتبقى إسرائيل وحدها فقط هي المالكة لهذه التكنولوجيا المرعبة والمحرمة دوليا على الضعفاء، حتى يبقوا مدى الدهر تحت وصاية ورحمة الأقوياء.
لم يتوقف الأمر عند حد تدمير المواقع المشتبه في احتوائها على معامل نووية فقط، بل تجاوزه إلى حد اغتيال كل عالم عربي يبدع في مجال الذرة والإشعاعات النووية، فقد اغتيل أو توفي في ظروف غامضة علماء أفذاذ من أمثال مصطفى مشرفة وسميرة موسى وسعيد السيد بدير ويحيى المشد، ولا يزال اليهود هم المتهم الأول في اغتيالهم.
فقد عُثر على جثة العالم النووي المصري الدكتور يحيى المشد رحمه الله، مهشمة الرأس في الحجرة رقم 941 بفندق الميريديان في العاصمة الفرنسية باريس يوم الجمعة الموافق للثالث عشر من يونيو 1980م، وكعادة التحقيقات في مثل هذه الاغتيالات السياسية، فقد أغلق التحقيق وقيدت العملية ضد مجهول.
لا يمكن بالطبع النظر إلى كل هذه الأعمال على أنها فعل إسرائيلي محض، فلا يمكن النظر لأي عمل تقوم به إسرائيل دون النظر إلى البعد الأمريكي في ذلك العمل، كما لا يمكن النظر لأي عمل تقوم به الولايات المتحدة دون النظر إلى البعد الإسرائيلي في ذلك العمل. ومن هنا فإن إسرائيل لا يمكن أن تقوم بأي عمل كبير كتدمير مفاعل تموز دون تنسيق كامل مع الولايات المتحدة.
تقوم الإستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط على إبقاء كفة الميزان العسكري مائلة لصالح إسرائيل مهما كان الثمن. لذا كان محرم على كل دول المنطقة الحصول على أسلحة نووية قد تخل بهذا الميزان. ومن هنا كان سعي إسرائيل الحثيث ومن خلفها أمريكا على وأد أي حلم عربي نووي في مهده، حتى وإن كانت الأدلة لا تتجاوز مرحلة الشكوك كما في حالة مفاعل سوريا المزعوم.
ولكن... لماذا اختلف الوضع في الحالة الإيرانية؟
نشاهد يوميا عبر الفضائيات أخبارا تكاد تكون مباشرة لكل جديد تتوصل إليه إيران في مجال الطاقة النووية، حتى صار متابعو الأخبار مثقفون نوويا ويتحدثون عن أجهزة الطرد المركزي ودورها في تخصيب اليورانيوم، دون أن تتجاوز ردة الفعل الأمريكية والإسرائيلية حناجر المسئولين أو عقوبات اقتصادية منزوعة الدسم، لا تكاد تؤثر على الاقتصاد الإيراني.
أين ذلك التشدد الأمريكي الإسرائيلي؟... لماذا لا تُدمر مفاعلات الفرس كما دُمر مفاعل تموز العراقي؟.... لماذا لا تُضرب مفاعلات بوشهر أو نطنز التي يشاهدها الجميع عبر القنوات الفضائية كما ضُرب مفاعل سوريا المزعوم لمجرد شكوك لا تقوم على دليل؟...
ردا على هذه التساؤلات، يقول البعض أن إيران تختلف كثيرا عن العراق وسوريا. فإيران دولة قوية وردة فعلها قد تكون موجعة فيما لو قصفت مواقعها النووية. ولكي نرد على هذه المقولة دعونا نفترض أن هناك عداء حقيقي بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى وأن إيران تشكل خطرا عليهم، فإن حصولها على السلاح النووي يعني هيمنتها ومن خلفها روسيا والصين على نفط المنطقة برمته، مما يعني تهديد خطير لأمن أمريكا الاقتصادي.
كما أن لدى إيران صواريخ تستطيع الوصول إلى أي مدينة في فلسطين المحتلة، مما يعني تهديد خطير لأمن إسرائيل القومي. ومهما كان رد إيران على ضرب مفاعلاتها مؤلما فلن يكون أشد إيلاما من حصولها على السلاح النووي.
ولكي نحصل على الصورة كاملة، يجب أن ننظر إلى المسألة من جانبين:-
الأول: جانب عقدي بحت، فأمريكا وإسرائيل تعلمان جيدا أكثر من غيرهما من العرب المنساقين خلف الدعاية الإيرانية أن إزالة اليهود وتحرير الأقصى لا أثر له في الأجندة الفارسية، إلا من خلال حناجر بعض مسؤولي إيران في تصريحات حماسية موجهة لسذج العرب من عشاق الانتصارات الشفهية.
الثاني: جانب سياسي، يقوم على الجانب العقدي، فبما أن احتلال الأقصى لا يمثل مشكلة حقيقية لدى الفرس، فإنه لا يوجد فرق عملي بين إيران الشاه التي كانت تلعب دور الشرطي الأمريكي في المنطقة، وبين إيران الخميني إلا في مستوى الطموحات التي يمكن الوصول إلى أرضية مشتركة تجمعها بالمصالح الأمريكية ومتطلبات الأمن الإسرائيلية.
ومن هذا المنطلق، فإن إيران الخميني لا تمثل خطرا حقيقيا على إسرائيل. لذا يمكن أن يُعقد معها اتفاقيات وتحالفات سياسية تكون موجهة بالدرجة الأولى ضد العرب. ولتبسيط هذه الفكرة، دعونا نتجاوز (مؤقتا) التهديدات شبه اليومية المتبادلة بين المسئولين الإيرانيين من جهة والمسئولين الإسرائيليين والأمريكيين من جهة أخرى، ولننظر إلى بعض الأحداث المفصلية على أرض الواقع بشكل مقتضب:
بعيدا عن سحر الإعلام، فما حدث على أرض الواقع يمكن تلخيصه على النحو التالي، أتت الولايات المتحدة فقضت على عدوي إيران اللدودين ـ نظام طالبان ونظام صدام ـ بدعم كامل من إيران. وبعد أن أحكمت قبضتها على مفاصل العراق الاقتصادية وهو ما يهمها بالدرجة الأولى، سلمت عملاء إيران والخارجين من تحت عباءتها الحكم هناك. ثم سمحت لإيران بإقامة سفارة لها في العراق لترعى مصالحها وتشرف على عملائها.
أبجديات السياسة تقول بأن هذا كله لا يمكن أن يتم لولا وجود تحالف متين بين الولايات المتحدة وإيران، فأمريكا ليست بهذه الدرجة من السذاجة حتى تأتي بخيلها ورجلها من أقصى بقاع الأرض، حتى تريح بال الخمينيين من أعدائهم وتسلمهم مفاتيح العراق هكذا بدون اتفاق مسبق بينهما تكون هي المهيمن عليه.
إذا فالواقع يقول أننا عمليا أمام اتفاق أو تحالف أمريكي إسرائيلي إيراني، هذا الاتفاق ثلاثي الأبعاد:-
يعطي للولايات المتحدة الهيمنة على نفط المنطقة برمته.
ويعطي لإسرائيل مطلبها الأساسي وهو الأمن.
ويعطي لإيران نفوذا كاملا على العراق باستثناء مواقع النفط.
أما ما نسمعه من تصريحات عدائية وتهديدات متبادلة وتحركات عسكرية ومناورات تدريبية فما هي إلا جزء لا يتجزأ من هذا الاتفاق الثلاثي، لتشعر دول الخليج بأنها دائما بحاجة إلى حماية الفتوة الأمريكي من تهديد البعبع الإيراني الذي سيلتهمها حالما تخرج أمريكا من المنطقة، وهكذا يظل نفط المنطقة برمته تحت هيمنة ووصاية الولايات المتحدة وبطلب من أهل المنطقة.
ســؤال:
ألم يأن للعرب، سواء منهم من تحالف مع إيران أو مع الولايات المتحدة، أن يرفعوا أبصارهم إلى الأعلى قليلا كي يتجاوز حد رؤيتهم أرنبة أنوفهم، حتى يدركوا أن هاتين الدولتين لا تريدان بهم خير؟!
بقلم/ سعود بن عبدالله المعيقلي
مـجـلـة الـعـصـر
المصدر: مجلة العصر
- التصنيف: