التمييز الديني واضطهاد الأغلبية

منذ 2008-05-23

فلماذا يطالب المجتمع المسلم وحده أن يكون بلا سيادة على أرضه وأبنائه دون سائر المجتمعات؟!


أي مجتمع أو مجموعة من البشر لا بد لهم من قواعد تنظم العلاقات فيما بينهم؛ وبينهم وبين غيرهم من المجتمعات. والأول: هو ما أطلق عليه بالقانون الداخلي، والثاني: ما يعرف بالقانون الدولي. وعلى أي حال فتلك القواعد إما أن تكون ناتجة عن اجتهاد بشري محض، وهي ما يعرف بالقوانين الوضعية وقد وصفها الإسلام بحكم الجاهلية. وإما اجتهاد مستضيء بنور الوحي مستمد من الحق وهي الأحكام الشرعية.

وحين يعلن المسلمون عن رغبتهم في إقامة أحكام شريعتهم تعلو صيحات غلاة العلمانية واللادينيين وغيرهم من الأقليات، بدعوة أنهم لا يؤمنون بتلك الأحكام، فمن الظلم أن تطبق عليهم؛ وأنه على تلك الصورة يقع عليهم التمييز الديني والطائفي، وتلك الدعوى ظاهرة الفساد، وتحمل علة فسادها في نفسها؛ فإن إقامة أية أحكام على المسلم خلاف ما جاءت به شرعة الإسلام إنما هو نوع من الظلم يقع عليه وجور على حقه أيضًا، فالمسلم لا يرضى بخلاف ما يعتقد أنه حكم الله ففي منعه اضطهاد وتمييز ديني وطائفي ضده.

خاصة وإن في ذلك المنع حرمان من ممارسة شعيرة من شعائر دينه، إذ إن المسلم يعتقد أن فكره القانون في الشريعة تقوم على أساس أن اللّه تعالى قد اختص بالحكم كما اختص بالخلق {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]. في حين أن المشروع القانوني لدى الآخرين لا يحمل نفس الاعتقاد، وإنما يرى أن القوانين تستمد من الحصيلة الاجتماعية لتطور الإنسان.وعليه فإهدار تلك التشريعات الوضعية لا يحمل أي اعتداء على معتقد أو دين، والعكس بالعكس.

والمفترض أن هؤلاء يحترمون الدستور الذي تقره الأغلبية ويطلبون المسلمين وغيرهم باحترامه، على الرغم من أنه لا يوجد دستور يحظى بالإجماع في أي مكان بالعالم. فشريعة المسلمين هي دستورهم قبلها من قبلها ورفضها من رفضها، ولكن على الجميع احترام ذلك الدستور وفقًا لما تمليه قواعدهم من الانصياع لرأي المجموع. لا أن تصبح غالبية المسلمين مضطهدة في ديارها تعاني من التمييز العرقي والطائفي.

وطالما كان الغرض من تشريع القانون هو إقامة العدل بين أفراد المجتمع، وبما يضمن جلب المصلحة ودرء المفسدة للمجموع من حيث هو مجموع، وهو أمر لا يختلف فيه أحد؛ فما الذي يضر غير المسلمين في أن تطبق قوانين مستمدة من الإسلام تحقق تلك الغاية، إن كانت تلك غايتهم.

فقواعد الأخلاق وما تقضيه المصالح من حرمة النفس والمال والعرض وغيرها لا يختلف فيها العقلاء، ولم تختلف عليها الشرائع، والمفترض أن القانون المطلوب منه حفظ هذه الأمور وقمع المعتدي عليها بغض النظر عن انتمائه، فهل في شريعة الإسلام تفريط في تلك القواعد، وهل يوجد لديهم ما هو أفضل من حكم الإسلام، إن كان عندكم من علم أخرجوه إن كنتم صادقين.

فقانون تصيغه مجموعة من البشر لا يخلو من الهوى مطلقًا، ففي وسع تلك الفئة أن تصوغ الظلم قواعد، وتنسج الباطل قوانين، حين ترى القانون يقف عائقًا أمام أغراضها، فتراها تتحرك لتعيد صياغته وإعادة إنتاجه ليحقق أهواءها، فالقانون في نظر صانعيه كآلهة العجوة التي كان يصنعها مشركو العرب قبل الإسلام يعبدونها ويعظمونها، فإذا ما جاعوا أكلوها.

كما يقول دوجي: إن قيدًا لا يمكن وضعه أو رفعه أو تعديله إلا وفق مشيئة الشخص الذي يضع ذلك القيد عليه، ليس قيدًا. كما لا يصح القول بأن الدولة مقيدة بالقانون في تلك الصورة. في حين أن الإسلام يجعل من الدولة الإسلامية منفذه للقانون لا شارعه، ومن هذا المنطلق تكون السلطة والعامة خاضعة للقانون.

وثم أمر أخير فكما أن الهدف من القانون تحقيق المصلحة، فهو صورة من صور السيادة للمجتمع وممارسة الدولة لسيادتها على أراضيها، ولذا ترى الدول ترفض أي تدخل خارجي في أحكام القضاء، وكذا ترفض أن يحاكم رعاياها خارج وطنهم أي بخلاف أحكامها؛ بل حين يرتكب من ليس من رعاياها ما يستوجب العقاب على أرضها تصر على عقابه وفق أحكامها.

فلماذا يطالب المجتمع المسلم وحده أن يكون بلا سيادة على أرضه وأبنائه دون سائر المجتمعات؟!
حاتم محمد

لواء الشريعة








المصدر: لواء الشريعة