صناعة العلماء - (6) أسرار أزمة الأمة الإسلامية 2
النظام السياسي المتميز يقوم على العلم واحترام العلماء أما الأنظمة السياسية الفاسدة فهي تلهي الناس بالباطل الذي لا يفيد، ولا تبذل وقتًا ولا جهدًا لتعلم العلم النافع، ونعيش في هذه الحلقة مع أصحاب الفضيلة الدكتور راغب السرجاني والدكتور صلاح سلطان وحديثهما الشيق حول أسرار أزمة الأمة الإسلامية وكيفية تلاعب الأنظمة السياسية الفاسدة بعقول البشر. وهنا تلخيص لما جاء في هذه الحلقة
بسم الله الرحمن الرحيم
د. راغب:
أتوقع أن أسرار الأزمة كثيرة ليست فقط قضية العلم وغيابه عن واقع المسلمين وقضية الاستعمار الخارجي، ما هي الأسباب الأخرى التي هي سبب في المشكلة حتى نقوم بتصليحها؟
د. صلاح:
قضية الاستبداد السياسي هي معضلة من معضلات العالم العربي والإسلامي، وغالبًا ما يكون عنصر القهر في جانب الإبداع، فالآن صارت لا توجد إلا الأقلام المأجورة التي (تُسَبِّح بحمد الطغاة وتُسَبِّح بحمد الشهوات)، وهذه كارثة كبرى أصابت في مقتل نوابغ الأمة الإسلامية، وأصبح لا يوجد اهتمام بهؤلاء النوابغ في علوم شتى كالشريعة والفلك وغيرها.
والمناخ التعليمي فَسَدَ كجزء من فساد النظام السياسي، لأن النظام السياسي المتميز أول ما يسعى إليه هو الثورة على التعليم والتربية، لكن سنجد أن الاستبداد السياسي في العالم العربي والإسلامي أصاب العلم والعلماء في مقتل، والاستبداد السياسي لم يكتفي بإنشاء فسادًا حديثًا وإنما أهال التراب على ما قدمه أسلافنا من دعم قوي للعلم وهو الوقف.
فكان لدينا أوقاف في كل المعارف الشرعية والكونية، لكن في مصر تمّ الاستيلاء على أوقاف المساجد ولم ترد إلى اليوم.
فأصبح أرباب العلم عالة على النظام في الدولة، وكل هذا ساهم في تراجع كبير جدًا للحركة العلمية.
د. راغب:
الاستبداد السياسي يحب الجهل ويكره العلم، لأن الجاهل من السهل أن تقوده و تحركه فكلما ازداد جهلًا كلما كان سلِسًا في قيادته، مثلما فعل فرعون، وفي التاريخ عندما ترى دكتاتورًا يحكم العالم أو دولة ما تجده حريصًا على قضية الجهل لدى الناس!
مثل الحرب الضروس التي كانت بين الكنيسة في القرون الوسطى في أوروبا وبين الشعوب، فكانت الكنيسة تسجن العلماء وتحرق كتبهم لأنهم اتجهوا إلى العلم ولأن الذي يُفكر يَصل، والذي يَعلم يُغير ويُصلح ويُطور والمستبدون لا يريدون هذا التطوير.
والأمة الإسلامية عانت ولا زالت تعاني من الاستبداد، لكن الأمة الضعيفة الفاسقة يختار لها ربنا عز وجل حاكماً مستبدًاـ لأن بالرغم من أن هناك شعوبًا في العالم انتفضت على حكامها مثل رومانيا وغيرها، فلماذا رضيت أمة الإسلام على مدار عدة عقود بهذا الوضع؟ وسكوتها من الأسباب الكبرى لهذه المشكلة التي نعيشها الآن.
بالتالي هناك مشكلة في الحكومات لكن المشكلة الأكثر خطورة هي التي في الشعوب، لأن الشعوب لو صَلُحت لأرسل الله لها عدلًا وصلاحًا،
وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنكم لا تُنصرون على عدوِّكم بقوة العدة والعتاد، إنما تنصرون عليه بطاعتكم لربكم ومعصيتهم له، فإن تساويتم في المعصية، كانت لهم الغلبة عليكم بقوة العدة والعتاد".
إذًا المشكلة بداخل المسلمين، لكن الأمل يجب أن لا يموت في قلوب المسلمين.
د. صلاح:
الأمل جزء من تكويننا ويجب أن يسبق العمل مهما كان الألم.
وفي قضية الاستبداد السياسي التي وصلت لقمتها في الحضارة الفرعونية، هناك خمس مظاهر للفرعنة كانت تدل على هذا الاستبداد، لكن هناك أيضا 5 جوانب من الإرادة الربانية التي تحققت، والبداية كانت من عند الشعب، كما جاء في القرآن!
د. راغب:
إذا الإنسان تتبع القرآن الكريم سيصله إلى الرسوخ في اليقين والاطمئنان بأن الله سينصر هذا الدين.
والمسلم يُخذل بخذلان الله له إذا ابتعدت عن شرعه، وكرامة المسلم لا تكون بعرقه ولا بكونه مسلم وفقط، بل كرامته تكون بتطبيقه لكتاب ربه واتباعه لشرع رسوله صلى الله عليه وسلم.
الارتباط بالله عز وجل هو الذي سيخرجنا من أزمتنا وإذا توكلنا عليه والتجأنا إليه، وإذا ترسخ في وجداننا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتسرب اليأس إلى قلوبنا.
وأننا مهما عددنا من جوانب الأزمة فهذا التعداد ليس للشماتة من حال المسلمين ولا للبكاء على لبن مسكوب ولا لليأس والاحباط، ولكن لتشخيص هذا المرض حتى نخرج بحل لأزمة، ونذكره ونعلم أننا سنخرج من هذه الأزمة إلى انتصار، وسنخرج من هذا الضعف إلى قوة، ومن هذا الذل إلى عزة وهذا وعد ربنا عز وجل.
لسماع هذه الحلقة: أسرار أزمة الأمة الإسلامية 2
راغب السرجاني
أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.
- التصنيف:
- المصدر: