صناعة العلماء - (5) أسرار أزمة الأمة الإسلامية 1

منذ 2014-05-24

العلم سر بناء الأمم وحضارتها، والجهل سبب انهيار الأمم وزوالها، ولذا فلا عذر لمسلم من أمة اقرأ لا يقرأ. (وهنا تلخيص لما جاء في هذه الحلقة)

بسم الله الرحمن الرحيم

د. راغب: 

ما سر الأزمة وما هو السبب في هذا البَون الشاسع بين ما ينبغي أن نكون عليه وبين واقعنا الآن؟

 

د. صلاح:

إن أول سبب لوصولنا لهذه الأزمة هو تركنا الكلمة الأولى التي نزل بها القرآن {إقرأ} [العلق:1]، فإذا كان العلم هو سر بناء الأمم، فإن الجهل هو سر انهيار الأمم وضياع هيبة الأمة، ولا أجد عُذرًا لمسلم في أمة إقرأ أنه لا يقرأ، لا كبير ولا صغير، والقراءة ليست هواية!

 

د. راغب:

القراءة مثل الأكل والشرب هي أمر لازم ليس فيها خيار، وبداية لا يعقل أن لا يُقرأ القرآن الدستور الأسمى الذي نزل فيه أول ما نزل بكلمة {إقرأ} [العلق:1]، وهذا اختيار رباني وليس شيء عشوائي، بل هو بحساب وبقدر.

 

د. صلاح:

يجب أن يستقر في حس المسلم، إنه كما يأكل وبعد الأكل يحتاج للشرب ومع الأكل والشرب يحتاج إلى التنفس، فيجب أن يكون هذا التنفس  بالنسبة له هو علاقته بالله.

والمياه يجب أن تكون لغذاء العقل العلم والفكر والتدبر، ومنهج المؤمن هو أن يحافظ في دخله ووقته وجهده على هذه المنظومة الثلاثية كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «فثلُث لطعامِه، وثُلُثٌ لشرابِه وثُلُثٌ لنفَسِه» (الترمذي)، وبالتالي لا يستطيع أن يستغنى عن العلم إلا إذا استغنى عن الماء،  فالقراءة ليست هواية بل هي واجب شرعي.

في الأمة العربية هناك 100 مليون عربي لا يقرأون ولا يكتبون، وهذه كارثة توجِب أننا لا بد وأن نبدأ مشوار العلم والتعلم.

 

د. راغب:

إن الأمة مهملة في قضية العلم إهمال أودى بها إلى هذه المهالك، لماذا أهملنا هذا الأمر، ما سر هذه الأزمة؟

 

د. صلاح:

الآن الإنسان أصبح مُستغرق في الجانب المادي، فهو لا يفكر إلا فيما يعود عليه بالدخل المادي، وهناك كثيرًا من الشباب تركوا الدراسة والتعليم في سبيل العمل وكسب المال، فربط العلم بالعائد المادي أصبح عائق كبير جدًا.

وأتمنى أن كلٌ منا يتوسد العلم لا أن يتوسد الجهل، فنحن نحتاج إلى ربانية الجانب التعليمي والعلمي، فهذا الجانب يجعل الفرد منا ينتفض على الجهل ويكون لديه أملٌ ليقرأ في كل المجالات ويتعلم ويكون مثقف الفكر، وتكون الأسرة كلها تقرأ ويتبادلون العلم فيما بينهم، وبتكرار هذا النموذج نصنع مجتمع راقي، ومن ثم المجتمع يصنع حكومة صحيحة متميزة.

قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "طلب العلم عبادة ومذاكرته تسبيح والسعي إليه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة"، فيجب علينا إحياء العلم.

 

د. راغب:

وأيضًا قضية الإيمان وأن (لا إله إلا الله) لا بد لها من علم، فلا يستطيع المرء أن يعبد ربنا عز وجل إلا بعد علم.

 

د. صلاح:

فالعلم يبدأ من هنا... من القرآن الكريم.

 

د. راغب:

إذًا لماذا حدثت هذه الفرقة بين المسلمين وبين هذا القرآن الكريم العظيم؟ وهل يمكن أن أقول أن أصل المشكلة هو أننا استُعمِرنا سنواتٍ طويلة؟


د. صلاح:

نحن في مصر عشنا مناخًا من أردأ ما يمكن أن يكون، فكان هناك قهر سياسي شديد جدًا، لأنه كان هناك رغبة في تنشئة أجيال ليست فقط معزولة عن القرآن، لكن أجيالًا لا تؤمن بوجود الله.

إن ما حدث في بلادنا مدّ شيوعي، ومدّ علماني، ومدّ لا ديني ضخم جد، ودعمته أنظمة، ويؤسفني أن أقول أنه إلى اليوم تدعمه أنظمة بشكل أو بآخر.

اليوم يتحرك الدعاة إلى الله بحرج شديد، ويتحرك المفسدون  في الأرض، ولهم مناصب وميزانيات، بسعة رهيبة جدًا.

 

د. راغب:

عندما دخل الصليبيون المدن الإسلامية في الأندلس، إلى قرطبة وإلى غرناطة وطليطلة وأشبيلية، كان من أول أعمالهم أن أخذوا الكتب من بطون المكتبات وحرقوها في الشوارع، كتب علمية وليست كتب عقيدة إسلامية فقط، وكأنهم يريدون أن ينزعوا عن هذه الأمة أسباب قوتها.

فهم يروا أن هذه الأمة قوية أمامهم وانتصرت عليهم سابقًا، وعندما بحثوا وحللوا واستعانوا بالمفكرين ليخبروهم لما انتصرت عليهم، فردوا ذلك إلى قضية العلم، وجاء المستعمرون الجدد وكانوا أذكى ممن سبقهم، فمن سبقوهم أحرقوا الكتب وأغرقوها، لكن هؤلاء سرقوا الكتب.

وما يحدث الآن أنهم يُحرِّفون المناهج التربوية ويأتون إلينا حتى يضعوا هذه المناهج في مناهج التعليم الخاصة  بمصر والخليج وأفغانستان وشمال أفريقيا، وهذا كله يحدث لأنهم يعلمون أن أصل نجاح هذه الأمة هو قضية العلم.

 

 

لسماع هذه الحلقة: أسرار أزمة الأمة الإسلامية 1

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.

  • 2
  • 6
  • 4,917
المقال السابق
(4) أسس الحضارة الإسلامية
المقال التالي
(6) أسرار أزمة الأمة الإسلامية 2

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً