الإسلام والعلم
نحمد الله أنه بالرغم من التخلُّف الذي يريده لنا أعداؤنا - تمكّن قليل من الأساتذة النابهين الذين تعلَّموا خارج بلادهم ثم عادوا أن يُفجِّروا ثروة عقلية كانت كامنة في عقول شباب المسلمين فنجحوا إلى حدٍ كبير إلى إنشاء دور تصميم الدوائر المتكاملة في العالم الإسلامي. وما ينبغي بذل جهد كبير فيه حاليًا في العالم الإسلامي هو تشجيع الدول والمؤسسات على القيام بنهضة صناعة الدوائر المتكاملة كما بدأت نهضة تصميمها.
أهداف العلم في الإسلام
1- معرفة الخالق وقدره بالتأمُّل في إتقانه لخلقه.
قال تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [لقمان:11].
قال تعالى أيضًا: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ . ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:3].
فالله تعالى يعرض قضية واضحة جلية ألا وهي: من أراد أن يعرف أنه يوجد خالقٌ عظيم لهذا الكون فيه كل صفات الكمال ومتنزَّه عن كل صفات النقص - فليتأمَّل في خلقه وإتقانه والإبداع اللا محدود المكنوز في تصميم خلق الله والذي يدل على مبدعٍ لا حدودَ لإبداعه. والكنز يحتاج إلى جهدٍ لاستخراجه والانتفاع به.. ولذلك فاستغلال الكثير من النعم يحتاج إلى علم نحصل عليه بالسعي في كون الله والتعلُّم من صنعته وإبداعه.
قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت:20].
وقال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة:164].
2- الدفاع عن الإسلام بقوة العلم.
إن الله تعالى أنزل لنا الخيرات وأسبغ علينا نعمة الوحي. وحي هادٍ إلى سعادة الدنيا والآخرة، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].
وأنزل علينا أيضًا نِعمًا مادية أمرنا باستغلالها في الخير ونهانا عما دون ذلك. ومن أمثلة هذه النعم والتي تدل على تقصير المسلمين في استغلالها هي نعمة الحديد. فهذه النعمة لم ينزلها وحسب علينا بل ونبَّهنا في كتابه الكريم على ضرورة استخدام هذه النعمة في تقوية بأس المسلمين.
قال تعالى في نفس الآية: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِوَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
وأيضًا من هذه النعم التى توجد في كل مكان في عالمنا الإسلامي، وبالرغم من ذلك فقد ضيعناها للأسف الشديد هي نعمة الرمال... فرمال الصحراء هي نعمة رائعة ولكنها رائعة فقط لمن سبر غورها ووثق في أن نعمة الله لا نهاية لها فبحث فيها ليجد منها ما لا يُعد ولا يُحصى.
قال تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34].
ففي غفلة المسلمين - استطاع غيرهم أن يستغلوا الرمال كمصدر أساسي لعنصر السليكون في تصنيع الدوائر المتكاملة والتي أصبحت هي العمود الفقري لكل من مجالي رفاهية السلم وبأس الحرب.
والطبيعي والذي كان ينبغي على المسلمين أن يفعلوه هو استغلال كلًا من نعمتي الحديد والرمال في حماية المسلمين من بطش غيرهم من غير ذوي القِسْطِ من أصحاب المِلل الأخرى. ولكن ما حدث هو العكس تمامًا! فقد استغل غيرهم من كارهي الإسلام النعم التي سخرها الله للمسلمين ليسحقوهم بها، وهذا ليس عيبًا في كارهي الإسلام ولكن عيبًا خطيرًا في المسلمين أن ينعم الله عليهم بنعمه فيتركوها لأعدائهم! يا له من غباءٍ واضح إن لم تكن خيانةٍ جليَّةٍ لدين الإسلام!
3- استخدام العلم في الدعوة إلى الله.
إن الدعوة إلى الله قديمًا كانت تسلتزم سفرًا مرهقًا لتبليغ رسالة الله الأخيرة إلى أطراف الأرض. وكان المسلمون الأوائل يخوضون الحروب عندما يُمنعوا من قبل الطغاة من الحكام أن يُبلِّغوا رسالة الله إلى محكوميهم. أما الآن فقد منَّ الله علينا بنعمة الاتصالات بتفاصيلها المعقدة، فينبغي علينا الآن أن نُبلِّغ الإسلام لشعوب الأرض عن طريق استخدام ما منَّ الله به علينا من هذه النعمة الجليلة. وعلى المسلمين تطوير الاتصالات واستخدامات الإنترنت بحيث ننتفع بهذه التقنيات الحديثة ونتقي شرورها المحتملة حيث لا يخفى على عاقل أنها سلاح ذو حدين.
ولا يفوتني هنا أن أُنبِّه على أمرٍ خطير.. وهو إتقان تصميم وتصنيع أنظمة الاتصالات وعدم الاعتماد على استيرادها من غير المسلمين. فكما أن الدعوة هي فرضٌ على المسلمين فإن إتقان تصميم وتصنيع واستخدام أنظمة الاتصالات هي فرضٌ على المسلمين بالتبعية.
قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].
4- استخدام العلم في تهيئة الحياة الكريمة للمسلم.
إن الله تعالى قد خلق لنا كل ما في الأرض ليكفل لنا أمنًا على ديننا وأنفسنا ولكن شرط انتفاع الإنسان المسلم بكل ما في الأرض هو العلم.
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:29].
ومن أهم ما خلقه الله لنا في هذه الأرض هما نعمتا الرمال والحديد، فنفس نعمتي الحديد والرمال كان ينبغي على المسلم استخدامها في تهيئة الحياة الكريمة للعالم الإسلامي كما كان ينبغي عليه استخدامهما في تأمين العالم الإسلامي بالقوة اللازمة لذب الأذى عنه.
وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم استخدام الحديد استخدامًا آخر.
ففي نفس الآية.. آية الحديد قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِوَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
فنبه أنه كما أنه يوجد استخدام حربي رادع للحديد فهو ينبغي أن يستخدم في تجهيز الحياة الرغدة التي تليق بالمسلمين.
كلمة أخيرة بخصوص الدوائر المتكاملة
والدوائر المتكاملة التي تُصنع من الرمال ينبغي أن يتم تصميمها وتصنيعها في دور تصميم ومصانع المسلمين..
ونحمد الله أنه بالرغم من التخلُّف الذي يريده لنا أعداؤنا - تمكّن قليل من الأساتذة النابهين الذين تعلَّموا خارج بلادهم ثم عادوا أن يُفجِّروا ثروة عقلية كانت كامنة في عقول شباب المسلمين فنجحوا إلى حدٍ كبير إلى إنشاء دور تصميم الدوائر المتكاملة في العالم الإسلامي. وما ينبغي بذل جهد كبير فيه حاليًا في العالم الإسلامي هو تشجيع الدول والمؤسسات على القيام بنهضة صناعة الدوائر المتكاملة كما بدأت نهضة تصميمها.
والله أعلم.
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي