صناعة العلماء - (22) عودة العقول

منذ 2014-05-24

بعد أن استعرضنا في الحلقات الماضية خطورة استنزاف العقول على الأمة الإسلامية، نعيش في هذه الحلقة مع مجموعة من الحلول العملية لتلك المشكلة... وهنا ملخص ما جاء في هذه الحلقة

بسم الله الرحمن الرحيم

د. صلاح:

لا بد أن نضع حلًا لهذه العقول التي تضطر إلى الهجرة أو السفر بسبب إغراءات ضخمة وكبيرة.

بعض الناس في الخارج يجدوا النظام وفي بلادنا يوجد اللانظام، هناك يتم تكريم العلماء وهنا يتم تجريم للعلماء، وبين التكريم والتجريم لا يعودون.

 

د. راغب:

الذي يجعله يعود هو أن يفهم لماذا سافر، ولن يفهم هذا إلا أن يُربىَ بشكل صحيح، وما هي المهمة التي يجب على المسلم أن يقوم بها في حياته؟

نحن خُلِقنا لنعبد الله عزَّ وجلَّ، ونعبده بالقرآن والسنة والمنهج الذي ارتضاه ربنا عزَّ وجلَّ، والله سبحانه وتعالى أمرنا نُعزَّ شأن هذه الأمة.

وإذا وُجِدَ الإنسان في زمن الضعف، فسيكون له أدوار، وإن وُجِدَ في زمن القوة فسيكون له أدوار، فإما للحفاظ على التمكين إن كانت الأمة مُمَكَّنَة، أو تمكينها إن كانت غير مُمَكَّنَة، وهذه المعاني لا تزرع في يوم وليلة.

فهل العلماء يزرعون هذه المعاني في المسلم؟ بأن لديه قضية في حياته وهي عبادة الله عزَّ وجلَّ، وأن الله أمره أن يعبده ويُعز شأن هذه الأمة وأن يصل بهذا الدين إلى العالم أجمع.

هذه مهمة المسلم، ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وهذا هو دورنا الذي فهمه ربعي بن عامر رضي الله عنه وأقره الصحابة وهو ظاهر من واقع امر الدين.

وهذه الحقيقة تحتاج إلى زرع تربويات بجهد جهيد وعمر طويل وبذل طاقات متجمعة من المؤسسات المختلفة من العلماء والحكام والمربين والآباء والأمهات.

ومن يقول أنه يريد أن يعود إلى بلاده لكن بلاده غير مستقرة، فأقول له أن لو كانت بلاده مستقرة فهي لن تحتاج إليه.

وهل هذا كالذي عاد إلى بلاده وهي في ظروف علمية صعبة للغاية ثم اجتهد وناضل من أجل إقامة مؤسسة علمية صغيرة تسمح بشيء من التطوير؟

وعندما يعود إلى بلاده عليه أن يكون مؤهل نفسيًا أنه لا يعود إلى جنة أو إلى نفس الظروف التي عاش بها في بلاد الخارج، وإنما هو عائد إلى البيئة التي عاش فيها وتربى فيها ويعرف كامل ظروفها وأنه لديه مهمة شريفة ونبيلة وهي إصلاح هذا البلد.

إذا ترك كل إنسان صالح بلده فمن ذا الذي سيصلحها؟

 

د. صلاح:

الإنسان يجب أن يفهم دوره في الحياة، ولا يُحَوِّل هذا العلم إلى وسيلة للاسترخاء برغد العيش.

نحن نحتاج أن نغرس قليلًا في هذه الأرض وإن كانت تميد أو غير ثابتة، لكن هذا جهاد ولا بد أن نخوضه لأن هذه بلادنا والمواطنة والولاء للوطن جزء أساسي من الدين، والإسلاميين لا بد أن يتعلموا الولاء ويُعَلِّموا الناس الولاء لبلادهم، فالعالِم الذي يسافر للخارج ليتعلم علمًا ما فهو بهذا يصنع الحياة مما يعني أن يعود فيُعمِّر بلده أولًا وبعد أن تستقر بلده وتتقدّم فلا مانع أن يذهب ويُعمَّر بلاد أخرى.

 

د. راغب:

هذا المعنى يُزرع بجهد جهيد، لأني أرى الكثير من الشباب لديهم إحباط وكراهية حقيقية لبلدهم نتيجة المعاناة التي يمرون بها في البلد، لكن هذه المعاناة لا تسوغ أبدًا لمسلم أن يقصّر في مهمته التي من أجلها خلقه ربنا عزَّ وجلَّ.

وأرى أن أحد الحلول العملية أن يكون هناك عمل مؤسسي لإعادة هؤلاء المهاجرين والعلماء الذين هاجروا في بلاد العالم المختلفة، فالأمر إن ظل فرديًا والقضية موكلة إلى راحته النفسية أو فكرته أو وجود عالِم يفهمه فالقضية لن تُحل.

فنريد تكوين هذه المؤسسة وتكون قاعدتها في أي بلد إسلامي ويكون دورها هو التواصل مع هذه العقول المهاجرة بشكل موثق، فما يصلوا إليه يرسل إلى هذه المؤسسة، وما يقعوا فيه من مشاكل يرسل إليها وتساعدهم في حل هذه المشاكل سواء كانت مشاكل مادية أو علمية واجتماعية أو أي نوع من المشاكل، وتكون مؤسسة كاملة بمقام إحدى الوزارات وتراعي هذه العقول المهاجرة.

وأهيب بالاقتصاديين والعلماء أن يسعوا في تأسيس هذه المؤسسة، لتسير على مستوى علمي ويكون لها أسس وآليات وميزانية كبيرة.

 

د. صلاح:

وأقول لكل أب وأم، قبل أن يذهب ولدك ليدرس في الخارج، أن يُزَوِجُه لأنه يفيد في عدد أمور:

أولًا: سيضمن أن ابنه سيعود إلى بلاده، لأنه يَندُر أن تجد أحدًا تزوج بالخارج ثم يعود لبلده.

ثانيًا: سيضمن أنه لن يُفتَن هو أو أولاده، لأن هناك في هؤلاء الذين سافروا وذابوا في المجتمع بسبب هذه الزوجة التي تزوجها من الغرب وشدَّته إلى عادات وتقاليد الغرب ومنعته وأولاده من العودة إلى بلادهم.

 

 

 

لسماع هذه الحلقة: عودة العقول

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.

المقال السابق
(21) هجرة العقول
المقال التالي
(23) زواج العلماء من الخارج