صناعة العلماء - (21) هجرة العقول

بسم الله الرحمن الرحيم

د. راغب:

كلمة (هجرة العقول) هي أصلها كلمة تعبر عن أزمة كارثية وهي باللفظ الإنكليزي يسمونها Brain Drain أي (استنزاف العقول)، العقل يُستَنزَف إلى بلدٍ آخر وكأنني أحرم بلدًا معينًا من أغلى ما يمتلك.

فمن يستنزف ثروات بلد معين من بترول ومعادن وغيرها، فكل هذا أقل قيمة من استنزاف العقل.

وهناك دراسة بأن 50% من الذين ينتقلون للدراسة من العرب والمسلمين إلى أوروبا وأمريكا فهم لا يعودون إلى بلادهم.

ومن يعودون إلى بلادهم يعود مُحبَط نتيجة ما يسمى بـ Civilization Shock أو الصدمة الحضارية.

نحن ﻻ نمنع أحدًا من الذهاب إلى هناك وأخذ العلم، لكن نقصد الهجرة والبقاء هناك في هذه الدول.

في بريطانيا وجدوا أن 34% من أطباء بريطانيا بشكل عام هم من أصول عربية وإسلامية! أي ثلث الطاقة الطبية الإنجليزية مرجعها للمسلمين والعرب. 

د. صلاح:

دولة مثل لبنان أكثر من 85% من المهاجرين لبلاد الغرب لا يعودون إليها، والمصريين 75% لا يعودون إلى بلادهم، والسوريون أكثر من 85% لا يعودون، والإيرانيين أكثر من 80% لا يعودون إلى بلادهم وكذلك الباكستانيين.

د. راغب:

وهذا في كافة المجالات، فتجد الهجرة في مجالات طبية وزراعية وصناعية وفي مجالات نووية، فيجد المسلم لديه القبول لفكرة أن يذهب إلى هذا المكان ليخترع ويطور فيه الأسلحة حتى تأتي بعد ذلك إلى بلاد المسلمين عن طريق الاحتلال.

نحن نفتقد هذه العقول في حين أن البلاد اﻷخرى تزداد قوتها بهذه العقول.

ولكن هذا يعطينا إضاءة أمل أن العقول الإسلامية ليس فيها نقص، فإن وضعناها في بيئة صالحة فإننا سنبدع وسنصبح علماء في مجال الكمبيوتر والطب وغيرها، لكننا حرمنا العالم الإسمي من هذه العقول.

د. صلاح:

أقول لمن يريد السفر، لا حرج أن تسافر بل نحن لا نريد أن نغلق هذا الباب بل نريده أن يذهب ويتعلم آخر مستوى علمي ويبدأ من حيث انتهى الآخرون بنية أن يُزيد ويَبتكر ويَخترع لكن يحاول أن يُوجِد المناخ، وهذا يلقي العبء على عموم الأمة الإسلامية أن يكون هناك حركة إصلاحية داخلية لأن علماء الأمة هؤلاء هم رصيد ضخم وكبير بالنسبة لها.

لا يمكن أن نظل مصدر طرد لعلمائنا ويكون الغرب مصدر جَذب لعلمائنا، ونظل نخسر حجر الزاوية في عملية التطوير والتعمير الحضاري، وحجر الزاوية هو العقل والمفكر المبدع المبتكر.

د. راغب:

أرى أن المشكلة الأساسية هي مشكلة انتماء، فهو قد سافر إلى الخارج من غير أن يكون لديه انتماء وحب للبلد الذي ينتمي إليه وحب للدين الذي يعتقده فمستحيل أن يعود.

وهنا يأتي دور التربية من بداية نشأة الطلاب، ﻻ بد للمربي والداعية والمعلم أن يُعَلِّم طالبه أنه لا مانع أن يبحث عن العلم في كل مكان لكن يعلمه أن يجب أن يعود إلى أمته وينفع هذه الأمة.

وتركته اﻷمة وهي في هذه الظروف، فيكون قد ترك ثغرة، فالأمة إن لم تكفي حاجتها من العلماء في كل التخصصات فتأثم اﻷمة.

هذا المعنى الشرعي إن زرع في قلوب المسلمين والحميّة لهذه الأمة والانتماء لهذا الدين والبلد الذي تربينا وعشنا فيه، فهنا يسافر ويأخذ العلم ويعود ليثري به الحياة العلمية في بلادنا.

د. صلاح:

وفي المجال النووي نحن نريد أيضًا علماء في هذا المجال، وحماية هؤلاء العلماء وكفالتهم هي مسؤولية الأنظمة والأغنياء والأثرياء، فعندما يعود العالِم من الخارج لا أتركه يجلس بلا عمل أو بلا معمل يحتاج للعمل به أو لا يجد مواد ليبدأ منها براءات الاختراع أو العمل العلمي.

لكننا لا نلقي العبء على العلماء والنبغاء فقط، بل هذه تحتاج إلى حركة شعبية.

د. راغب:

الإمبراطور ميجي عندما فكَّر في نهضة اليابان، وكان قد وجد الوضع مزريًا في اليابان وفي حالة التخلف العلمي الشديد، قام بتصدير الكثير من العقول إلى أوربا ليعودوا إلى اليابان بعلم أوروبا ثم يبدأوا نهضتها من جديد، لكن هذه المجموعة قبل أن تهاجر إلى أوروبا أخذت دورات تربوية عالية المستوى في اليابان لتزرع الولاء والانتماء لليابان وكأنهم في مهمة لمصلحة البلاد ليتعلموا علمًا معينًا في مدة معينة ثم يعودون إلى بلادهم لينهضوا بها.
 

د. صلاح:

ونتمنى أن يكون لدى المسلم هذا الانتماء والولاء، وكذلك المجتمع بسلطته يعمل على استعادة هذه العقول المتميزة حتى يشارك في نهضة علمية وحضارية متميزة.

لسماع هذه الحلقة: هجرة العقول