صناعة العلماء - (28) صفات العالِم الرباني 4: الصبر

منذ 2014-05-24

تتناول هذه الحلقة خلق جليل من أخلاق العلماء، وهو الصبر على طلب العلم، إذ لا علم بلا جهد ولا تعب ولا معاناة، وقد عرفت الحضارة الإسلامية قديما ما يعرف بالرحلة في طلب العلم، مع عرض نماذج رائعة من صبر الصحابة والتابعين والسلف الصالح على طلب العلم... وهنا ملخص لما جاء في هذه الحلقة.

بسم الله الرحمن الرحيم

د. راغب:

الصبر والمصابرة على طلب العلم هي من أهم الصفات بعد الإخلاص، وهذا اﻹخلاص لا بد وأن يصحبه العمل، وهذا العمل لا بد أن يكون عملًا صالحًا به الجهد والصبر والتعب والبذل ليصدق الاختبار والنتيجة.
قال يحيى بن أبي كثير: "لا يستطاع العلم براحة الجسم".

لا يمكن أن نجد قصة عالِم حقيقي بدون هذه المعاناة، سواء من العلماء القدامى أو المعاصرين من المسلمين أو غير المسلمين، فإن كان عالمًا بحق فلا بد من المعاناة في حياته وكل حياته موكلة إلى هذه القضية الضخمة التي حملها وهي قضية العلم.

مثلما كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وجابر بن عبدالله رضي الله عنهما وكذلك أبو أيوب اﻷنصاري.

 

د. صلاح:

وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه صبر صبرًا جميلًا حتى تعلم، وكذلك أبو هريرة رضي الله عنه وسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه صبروا من أجل العلم وبحِرصهم على طلب العلم أصبحوا  أفذاذ العلماء وخيارهم.

وأحد العلماء عندما أخذ جائزة نوبل قال: "لن تتعلم حتى تتألم".

ويقول الشاعر:

لَأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ المُنَى *** فَمَا انْقَادَتِ الآمَالُ إِلاَّ لِصَابِرِ

ويقول آخر: 

لا تحسِب المجدَ تَمرًا أَنت آكِلُه *** لن تِبْلُغَ المجْدَ حتى تلعَقَ الصّبرا

 

د. راغب:

والإمام النووي رحمه الله كان يقول عن نفسه أنه لم يمس كتفه اﻷرض أو الحصير عامين كاملين أثناء طلبه للعلم، والشافعي كان يظل طوال الليل يبحث في المسائل العلمية.

والإمام البخاري كان غلامه يبيت معه فيقول كان ينام ويستيقظ في الليلة الواحدة 30 مرة، يستيقظ عندما تأتيه فكرة يشعل شمعته فيكتبها ثم ينام.

والنووي رحمه الله كان يُدرِّس 11 درس يوميًّا، ثم يعود إلى بيته ويبدأ بالتأليف ويكتب في البحوث.

 

د. صلاح:

والشيخ محمد نجيب المطيعي قال لأحد الطلاب: يا بني أنا الآن عندي 65 سنة وأصبت بالسكر والضغط والقلب وبالكاد أُحَصِّل 12 ساعة قراء فقط! وعندما كُنتَ في سنك كنت أقرأ ا 18 ساعة فقط.

وهذه صور من صبر العلماء، وبغير صبرٍ يضيع كل شيء، والآمال العِراض تضيع مع النفوس الهزيلة.

وكما قال الشاعر: 

عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ *** وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ

فإذا نوى الإنسان أن يكون عالِمًا فليصبر في الليل والنهار.

 


لسماع هذه الحلقة: صبر العلماء (1)

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.

المقال السابق
(27) صفات العالِم الرباني 3: الأمانة العلمية
المقال التالي
(29) صفات العالِم الرباني 5: الصبر