مقابلة مع الرئيس السابق لرابطة علماء فلسطين

منذ 2008-06-06

السجن لأصحاب الدعوات منحة في محنة، فكيف تحقق ذلك بالنسبة لكم؟

الرئيس السابق لرابطة علماء فلسطين: النواب الأسرى يلاقون معاملة أشد.. السلطة تفضل "إسرائيل" علينا.. لا حسم عسكريًا في الضفة.

له في نفوس المسلمين في فلسطين مكانة بارزة؛ فهو رئيس رابطة علماء فلسطين السابق، والخطيب السابق للمسجد الأقصى المبارك، وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي اعتقل في 24/5/2007 مع عدد من الوزراء وأعضاء في المجلس التشريعي ورؤساء بلديات وقادة حماس، وذلك على إثر اختطاف الجندي "الإسرائيلي" جلعاد شاليط، وأفرج عنه في 15/4/2008 بعد معاناة مرضية (كان قد دخل السجن على إثر إجراء عدة عمليات جراحية في القلب وزرع له صمامان لتنظيم الدورة الدموية في القلب وكان من المفروض أن تجري له عمليه جراحية في عمان قبل اعتقاله بيومين إلاّ أنّ اعتقاله حال دون ذلك).

والشيخ البيتاوي الذي تتعدى شهرته بيتا القرية الصغيرة التي ولد بها قبل 64 عامًا، صديق حميم لسجون الكيان الصهيوني التي عرفته قبل وبعد إبعاده لمرج الزهور في العام 92، لما يتسم به من قوة الحجة ووضوح الكلمة إلى الحد الذي جعله يصدع في وجه الحاكم العسكري الصهيوني لما استدعاه على إثر إحدى خطبه القوية، قائلًا: "تأدب وأنت تتحدث معي، كما أنك مسؤول أمام شعبك فأنا مسؤول أمام الله عن شعبي، وأنا لا أحاربكم بالسلاح أو الحجارة"، فقال له الضابط: "ليتك تفعل، فمهما تفعل سيأتي اليوم الذي نقتلك، لكنك تحاربنا بسلاح أقوى من الرصاص وهو الكلمة، فأنت تحرِّض آلاف المصلين علينا، وهم يحاربوننا بسبب كلامك، أنتم معشر الإسلاميين قنبلة موقوتة تنفجر في أي لحظة لتدمر إسرائيل، لكننا لن نسمح لكم بذلك".

وقد كان لموقع "المسلم" هذا الحوار الخاص مع الشيخ حامد البيتاوي عقب خروجه من السجن بعدة أيام..

بداية كيف تم الاعتقال وما هي ملابسات التحقيق؟

تم اعتقالي في الساعة الثانية فجرا، وأنتم تعلمون ما في هذا من إيذاء، لكن هذا لا يمثل شيئا مقارنة بما نلاقيه في سجون الاحتلال، فقد اعتقلت من قبل في عام 1990 وقضيت عاما في سجن النقب، ومن قبل كانت السجون قاسية جدا، إلاّ أنّها تعتبر نزهه مقارنة بما يحدث في السجون اليوم، فاليوم أصبحت أكثر قسوة وأشد ظلما.
فأسوأ ما في السجون الآن ما يسمى البوسطة وهو نقل السجين من سجن إلى سجن أو من السجن إلى المحكمة، يستخدمونها كوسيلة لتعجيز السجناء فهم يمرون على 15 سجن تقريبا حتى وإن لم تستوجب الحاجة لهذا حتى يقضي السجين أطول مدة وهو في السيارة مقيد، فالمسافة التي من المفترض أن تستغرق ساعة تستغرق الآن 18 ساعة نقضيها في ظل معاملة فظة وغليظة من قبل الجنود.
فهم يقتادوننا مقيدي اليدين والقدمين، معصوبي العينين لنجلس على كراس من حديد وظهورنا محنية وبدون طعام ولا شراب ولا حتى إمكانية قضاء الحاجة، عندما كنا نذهب من فلسطين إلى مكة لقضاء الحج أو العمرة مسافة تزيد عن 1500 كيلو متر لم نكن نلاقي هذه المعاناة التي نلاقيها في مسافة قد لا تستغرق ساعة، كما أنّ هذا التعذيب ينال أسرة السجين أيضا فهم يضطرون إلى البحث عنه وتتبع أثره من سجن لآخر.
أضف إلى ذلك الوجبات قليلة وغير صحية، فعلى سبيل المثال الفاكهة إن وجدت تقسم حبة الموز أو البرتقال على اثنين من السجناء، فكل من يتعرض للاعتقال ينقص وزنه عشرة كيلو جرامات على الأقل.

وماذا عن معاناة الأسرى من النواب؟ وما هي التهم الموجهة إليكم؟

التهمة هي أنّنا في قائمة الإصلاح والتغيير التابعة للحركة الإسلامية، كما أنّنا أعضاء في جمعية التضامن الإسلامية وهذه الجمعية مرخصة منذ 55 عاما، مرخصة من قبل الأردن ثم من قبل الاحتلال الصهيوني، وبالطبع النواب يلاقون معاملة أكثر قسوة، هناك من يحكم عليه بالمؤبد وخمس مؤبدات وعشر مؤبدات وعشرين مؤبد.
والزنازين والتحقيق تستمر لشهر وشهرين وثلاثة ويظل لا يرى الشمس ولذلك عندما ينتهي التحقيق كأنّه خرج من القبر، على الرغم من أنّ النواب والوزراء اعتقالهم سياسي، وهم يتشدقون بالديمقراطية لكن عندما أدت الديمقراطية في البرلمان الفلسطيني والبلديات إلى فوز الحركة الإسلامية بدأ الاحتلال في الحصار.
متواصلين في ذلك مع السلطة الفلسطينية وللأسف مع بعض الأنظمة العربية أيضا، فقاموا باعتقال خمسين وزير ونائب ورئيس بلدية، حيث يتم اعتقالنا إداريا ـ أي بدون توجيه تهم أو محاكمة ـ وذلك إمعانا في إيذائنا فمن حق الضابط أن يأمر بالتجديد كلما انتهت المدة، ويستمر ذلك لمدة أعوام.

وماذا عن الدكتور عزيز دويك والنائبة مريم صالح؟

الواقع أكثر من عانى في الأسر من النواب والوزراء ورؤساء البلديات هو رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز الدويك، فهم يتعمدون أن يكون في كل اليوم في بوسطة حيث يتم نقله من سجن مجدو إلى سجن عوفر وهذه الرحلة تستغرق سبع أو ثمان أيام!!، أما عن الأسيرة مريم صالح فهي تلاقي نفس ما نلاقيه من بوسطات ومن جميع أشكال المعاناة فلا فرق لديهم بين امرأة ورجل.

ومن الناحية القانونية هل يسمح قانون الاحتلال باعتقال النواب؟

الكيان الصهيوني هو الكيان الوحيد في العالم الذي ليس له قانون مكتوب، وهذا اعتراف منهم أنّ هذا الكيان ليس دولة بل هو كيان مغتصب، الكيان الصهيوني يحكمه المخابرات، فالمحاكم صورية والقاضي قد يكون مقتنعا بشيء لكنه لا يملك تنفيذه، وليس لديه أية صلاحية لاتخاذ أي قرار، وبالتأكيد اعتقال النواب مخالف للقانون بحسب القوانين الدولية فنحن لدينا حصانة دبلوماسية.
وعندما كنت في المحكمة طلب مني المحامي أن أدافع عن نفسي فأنا رئيس محكمة!! لكن الكيان الصهيوني الذي يتشدق بالديمقراطية لا يسمع سوى نفسه، فهم عندما سمحوا بالانتخابات التي لم يكن أبو مازن ليجريها لولا موافقتهم عليها، لم يتوقعوا هذه النتيجة، وعندما جاءت النتيجة مخالفة لتوقعاتهم بدأوا باعتقال أعضاء المجلس التشريعي والوزراء حتى لا يكتمل النصاب ولا نتمكن من اتخاذ أي قرارات، ظنا منهم أنّ هذا سيؤدي إلى شلل المجلس.

وكيف تغلبتم على هذه العقبات؟

بفضل الله تغلبنا عليها بعمل توكيلات لإخواننا خارج المعتقلات كما أنّنا نتواصل مع إخواننا في غزة أثناء الجلسات عبر الهاتف، وقبل يومين كان اعتصام في غزة نظمه المجلس التشريعي ضد الحصار فاتصل بي رئيس المجلس وطلب مني أن أشارك بكلمة عبر الهاتف فنحن دائما على تواصل ولسنا بعيدين عن الأحداث.

وماذا عن الأسرى داخل السجون هل يشاركون في صنع القرار؟

هم ليسوا بعيدين عن الأحداث، فهم يمثلون جزء من المجمتع لا يمكن تجاهله، ولا يخفى على أحد أنّ مبادرة الوفاق الوطني التي كانت قبل عام خرجت من رحم السجون، ويجري الآن داخل السجون لقاءات بين عناصر من الحركة الإسلامية وفتح للتشاور حول كيفية الخروج من هذا المأزق الذي يعيشه شعبنا ويناشدون السلطة في الضفة وفي القطاع التوحد ولكن حتى خروجي لم نكن نتوصلنا إلى مبادرة بعد.

ذكرت أنّك تحمل رسالتين من الأسرى، فما هما؟

الرسالة الأولى هي من جميع أسرى شعبنا في سجون الاحتلال الصهيوني إلى الأمة الإسلامية شعوبا وحكاما وإلى السلطة الفلسطينية وإلى المؤسسات الدولية، يطالبونهم بالاهتمام والتفاعل مع قضية الأسرى، فهذا الكم الكبير الذي وصل إلى 12 ألف أسير منهم مئات من الأطفال ومئات من المرضى ومئات من النساء، يطالبون العالم بالدفاع عنهم ودعمهم ماديا ومعنويا والعمل على إزالة القيود عن أيديهم ورقابهم خاصة الوزراء والنواب ورؤساء البلديات.
أما الرسالة الثانية فهي رسالة مناشد للسلطة الفلسطينية في الضفة تطالب بضرورة التوحد لأنّ هذا الانقسام ليس من صالح شعبنا فقوتنا في وحدتنا وضعفنا في فرقتنا.

السجن لأصحاب الدعوات منحة في محنة، فكيف تحقق ذلك بالنسبة لكم؟

الواقع رغم أنّ الاحتلال أراد أن تكون هذه السجون قبور للأسرى إلاّ أنّ آلاف الأسرى استطاعوا أن يحولوا هذه السجون إلى مدارس وجامعات، فهناك المئات أتموا حفظ كتاب الله كاملا في السجن، منهم الدكتور عزيز دويك.
فهناك تقام صلاة الجماعة وهناك نأخذ حظنا من قيام الليل، فقد قدر الله لي أن أتنقل بين أربعة، في جميع هذه السجون كنا نستيقظ قبل الفجر بساعتين أو أكثر أو أقل ونأخذ حظنا من قيام الليل ثم نقرأ الأذكار صباحا ومساءً ثم صلاة الضحى، ثم الدروس والمحاضرات التي تقام في الصباح والمساء، دروس في القرآن والتفسير والتجويد في الفقه والأحاديث وهناك محاضرات سياسية.

كل في تخصصه ولأنني عملت كقاضي ورئيس محكمة شرعية فكنت ألقي محاضرات ودروس عن الزواج والطلاق وعن الإرث في الإسلام، كما ألقيت محاضرات في الفقه والأحاديث ودروس في السيرة المطهرة وفي قواعد اللغة العربية، هناك متخصصين في الكيمياء والفيزياء أيضًا ألقوا محاضرات، وهناك من يتعلم الإنجليزية أو العبرية وهناك من يتعلم قواعد اللغة العربية.

من الحصار خلف القضبان إلى الحصار داخل الوطن، كيف ترون الوضع في الضفة من الناحية الاقتصادية والأمنية؟

من الناحية الاقتصادية حصار خانق وقطع رواتب فالعالم كله يعاقب شعبنا بسبب خياره الديمقراطي، فبعد حصار دام قرابة عامين بدأ صرف الرواتب في الضفة فقط، أمّا في غزة فهناك 20 ألف موظف لا تصرف لهم السلطة الفلسطينية رواتب، وحتى في الضفة يتم معاقبة المحسوبون على الحركة الإسلامية بوقف وراتبهم.
أمّا عن الوضع الأمني فلا يزال الاحتلال جاثم على قلوبنا، العدو الصهيوني مستمر في كل يوم في كل ليلة في اجتياح المدن والقرى والمخيمات ويعتقل ويقتل ويهدم البيوت وإذا كان يفعل ذلك في غزة بحجة الصواريخ التي تطلق عليه.
فما هي حجته في الضفة وما يؤسفنا أنّ هذه الاعتقالات تتم بالتنسيق مع أجهزة السلطة الفلسطينية وهذا يرفضه شعبنا، فعندما تتحرك قيادة السلطة مع قيادة المخابرات الصهيونية لاعتقال مواطن فكيف يكون شعور النّاس؟!

في ظل هذا الوضع، هل تتوقعون أن تسير الأمور في نفس الاتجاه الذي سارت به في غزة وأن نصل لمرحلة الحسم العسكري؟

الحسم العسكري ليس من سياسة الحركة الإسلامية، وهذا لا يمكن أن يحدث في الضفة أبدا، ولكن ما حدث في غزة كان بخطة دبرتها الأيدي الأمريكية والصهيونية بالاتفاق مع دحلان، وتهدف الخطة إلى تصفية الحركة الإسلامية والقضاء عليها وبالتالي اضطرت الحركة أن تخوض معهم هذا الحسم العسكري.

إذن هل تتوقعون أن يستمر الفصل بين غزة والضفة؟

هناك متغيرات والأمور بيد الله وليست بيد اليهود ولا الأمريكان ولا أنظمة الطواغيت في العالم العربي والله عز وجل سيجعل لنا فرجًا، كما أنّ الحركة الإسلامية ترغب في التوحد لكن للأسف السلطة الفلسطينية في الضفة يرضخون لمطالب اليهود والأمريكان.
الآن أولمرت صرح علنا وهو يقول لعباس وفتح إذا ما تصالحتم مع حماس سأوقف المفاوضات معكم، والسلطة الفلسطينية في الضفة تفضل أن تستجيب للصهاينة والأمريكان على أن تتصالح مع الحركة الإسلامية.

وحتى تحدث المصالحة هل تشاركون أنتم في الضفة في صنع القرار في غزة؟

نعم يتم التشاور عبر الهاتف، فنحن نؤيد التهدئة لأنّها تصب في مصلحة شعبنا، كما أنّ الاتفاق ينص على أن تشمل التهدئة غزة والضفة معا ممّا يؤكد أنّنا شعب واحد ولن ننفصل.




http://www.almoslim.net/node/93448





المصدر: من موقع المسلم