همسات لطالب العلم
لا يكن همُّك الإعجاب والتعليق، فكم تغيَّرت نيَّةُ مصلحٍ من تعليق! وكم حبِط عمل داعية من ترقُّب إعجاب، بدل الأجر والثواب!
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، أما بعد:
فبادئ ذي بَدْءٍ أقول: اللهم ألِّف على الخير قلوبنا، وأصلِح ذات بينِنا، واهدِنا سُبُل السلام، وأخرِجنا من الظلمات إلى النور.
إليك أنت يا مَن وضَعَتِ الملائكةُ أجنحتها لك رضًا بما تصنع، يا مَن سلكت طريق العلم، فسهَّل الله لك طريقًا إلى الجنة، يا مَن شعَّ وجهُك الوضَّاء بنور العلم وجلال اللين والحلم، نضَّر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها، فأدَّاها كما سمعها.
أحببتُ أن أهمس إليك ببعض الأمور المهمة، التي لا تخفى عليك يا عالي الهمة، وإنما هي من باب {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55].
1- الإخلاصَ الإخلاصَ أيها الحبيب!
هو الأصل الذي يبني عليه طالبُ العلم صرحه؛ {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110]، وليست تخفى عليك أيها اللبيب الأريب، فجدِّد نيّتك، وأخلص عملك، واسألِ الله التوفيق، والزَم طريق العلم؛ فهو خير طريق.
ولا يكن همُّك الإعجاب والتعليق، فكم تغيَّرت نيَّةُ مصلحٍ من تعليق! وكم حبِط عمل داعية من ترقُّب إعجاب، بدل الأجر والثواب! فالنية النية، وليكن همُّك الدعوة إلى الله وبذل النصح وكفى.
يقول الشيخ الحكمي رحمه الله:
والنية اجعَلْ لوجهِ الله خالصة
إن البناءَ بدون الأصل لم يَقُمِ
ومَن يكن ليقول الناس يطلبه
أخسر بصفقتِه في موقفِ الندمِ
ومَن به يبتغي الدنيا فليس له
يوم القيامة من حظٍّ ولا قسمِ
2- الحلم واللين والصبر والأناة والتخلق بأخلاق النبي الأكرم أهم ما يُميِّزُك، كن مهذبًا في حديثك، لبقًا في أسلوبك، راقيًا في اختيار مواضيعك؛ فهي عُنوان شخصيتك، ومرآة تعكس طبعك.
3- الحكمة الحكمةَ؛ {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269]، الشدة والحزم في موضعهما حكمة، واللين والرفق في موضعهما حكمة.
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا *** مضرٌّ كوضعِ السيف في موضع الندى
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]، ولم يقل: بالتي هي أخشن!
4- يقول الشيخ علي القرني حفظه الله ومتّعنا بعلمه:
"ربِّ نفسك ومدعويك على صغار العلم قبل كباره؛ فإن غذاء الكبار -كما قيل- سمُّ الصغار، فلو قدَّمت قطعة لحم لرضيع لربما تقتله، فلينتبه لذلك! التدرُّج في طلب العلم، فالقفزات محطمة مهشمة"؛ اهـ.
قلت: غذاء الكبار سم الصغار، ولربما تقتل الرضيع، ماذا لو كانت هذه المسائل مما شرَّق فيها الكبار، فأخذ كل عالِمٍ برأيه واجتهاده، أظنُّ حينها سيكون موتُ الرضيع أمرًا محققًا لا ريب فيه!
فليس ذو العلم بالفتوى كجاهلِها *** ولا البصيرُ كأعمى ما له بصرُ
5- إياك أن تأخذَك الحمية، ويحملك التعصب لرأيك أو منهجك، على استنقاص وازدراء من خالفك في أمر اجتهادي!
6- الحذر كل الحذر من أن تَهوِي في المنزلق الخطير، ألا وهو الوقيعةُ في أهل العلم والفضل والجهاد، وتقييمهم، والتكلم فيهم، فلا أراك بلغت ما بلغوا، ولا صنعت ما صنعوا، فأمسِك عليك لسانك وبنانَك، وتذكَّر أن لحومهم مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصِهم معلومة، ومن وقع فيهم بالثلب، بلاه الله قبل موته بموت القلب! نسأل الله السلامة والعافية.
كذاك العلمُ هذَّبَهم ونقّى *** خصالَهم فأثمرتِ الخصالُ
فكونوا يا شبابَ الحقِّ درعًا *** فأمَّتُنا يبعثِرُها الجدالُ
ردوا حوضَ العلومِ فكلُّ حوضٍ *** سواه يُصِيبُ وارده الخبالُ
هو الماءُ النَّميرُ فليت شعري *** أنظمَأُ وهَوْ سَلْسالٌ زُلالُ
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
يوسف بن عبد الله الفاخري
- التصنيف:
- المصدر: