منح الجليل للمتقين

منذ 2014-06-02

القرآن الكريم عجائبه لا تنقضي و لا يخلق على كثرة الرد، فقد يكون المسلم قد تلى الآية مئات المرات من قبل، إلا أنه في كل مرة جديدة يتلوها قد يخرج منها بأسرار ومعان لم تظهر له من قبل..

القرآن الكريم عجائبه لا تنقضي ولا يخلق على كثرة الرد، فقد يكون المسلم قد تلى الآية مئات المرات من قبل، إلا أنه في كل مرة جديدة يتلوها قد يخرج منها بأسرار ومعان لم تظهر له من قبل.

 

وهذا أمر ليس بجديد، فقد كان الصحابة الكرام يتلون آلاف المرات قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]، إلا أن معنى الآية والتحقق بها قد غاب عنهم في فاجعة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأن الصحابة لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنه يومئذ؛ ثم أخذها الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم، حتى قال عمر رضي الله عنه حينها: "والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات".

 

لقد أذهلني حقا ما أعده الله تعالى لعباده المتقين من منح وعطايا وأنا أتلو بعض كلام الله في القرآن الكريم، حيث الآيات الكثيرة التي تتحدث عن ثواب المتقين وجزاؤهم عند الله في الدنيا والآخرة، الأمر الذي دفعني لجمع تلك الآيات وتصنيفها وترتيبها وتقديمها لنفسي وللقارئ الكريم، علها تكون حافزًا ودافعًا لتحصيل التقوى والتخلق بها لنيل تلك المنح والعطايا الربانية.

 

وقبل البدء بمنح وعطايا الله التي أعدها للمتقين لا بد من تعريف التقوى، حيث ﻳﻐﻠﺐ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﺍﺟﺘﻨﺎﺏ ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺎﺕ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، فقد ﺳﺌﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻓﻘﺎﻝ للسائل: "ﻫﻞ ﺃﺧﺬﺕ ﻃﺮﻳﻘﺎً ﺫﺍ ﺷﻮﻙ؟ ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻜﻴﻒ ﺻﻨﻌﺖ؟ ﻗﺎﻝ: ﺇﺫﺍ ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﺸﻮﻙ ﻋﺰﻟﺖ ﻋﻨﻪ ﺃﻭ ﺟﺎﻭﺯﺗﻪ ﺃﻭ ﻗﺼﺮﺕ ﻋﻨﻪ، ﻗﺎﻝ: ﺫﺍﻙ ﺍﻟتقوى".

 

كما أن العالم ﺑﻦ ﺭﺟﺐ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ بين ﺃﺻﻞ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ فقال: "ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﺨﺎﻓﻪ ﻭﻳﺤﺬﺭﻩ ﻭﻗﺎﻳﺔ ﺗﻘﻴﻪ ﻣﻨﻪ، ﻓﺘﻘﻮﻯ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻟﺮﺑﻪ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﺨﺸﺎﻩ ﻣﻦ ﺭﺑﻪ ﻣﻦ ﻏﻀﺒﻪ ﻭﺳﺨﻄﻪ ﻭﻋﻘﺎﺑﻪ ﻭﻗﺎﻳﺔ ﺗﻘﻴﻪ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ، ﻭﻫﻮ ﻓﻌﻞ ﻃﺎﻋﺘﻪ ﻭﺍﺟﺘﻨﺎﺏ ﻣﻌﺎﺻﻴﻪ".

 

كما أن ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ أوضح معنى التقوى الحقيقية بقوله: "ﻟﻴﺲ ﺗﻘﻮﻯ ﺍلله ﺑﺼﻴﺎﻡ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﻻ‌ ﺑﻘﻴﺎﻡ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﻴﻂ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﺫﻟﻚ ﻭﻟﻜﻦ ﺗﻘﻮﻯ ﺍلله ﺗﺮﻙ ﻣﺎ ﺣﺮﻡ ﺍلله ﻭﺃﺩﺍﺀ ﻣﺎ ﺍﻓﺘﺮﺽ ﺍلله ﻓﻤﻦ ﺭﺯﻕ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺧﻴﺮﺍ ﻓﻬﻮ ﺧﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺮ".

 

يمكن تقسيم منح الله تعالى وما أعده للمتقين بعطايا دنيوية وأخرى أخروية، أما المنح الدنيوية فأهمها:

1- معية الله تعالى، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]، ومن كان الله معه فمن عليه، ومن كان الله عليه فمن معه، ولعل هذه المنحة من أعظم وأجل المنح الإلهية للمتقين.

 

2- سعة الرزق والمخرج من كل مصيبة وأزمة، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق من الأيتين:2-3]، وهي منحة يغفل عنها كثير من المسلمين اليوم، حين يشتكون من ضيق الرزق وانسداد أفق المخرج من الأزمات والمحن التي يمرون بها، بينما علاج ذلك ودواؤه جلي في القرآن الكريم، متمثل بتقوى الله تعالى الذي يفرج الكروب وينهي الأزمات ويفتح أبواب الرزق من حيث لا يحتسب الإنسان.

 

3- تيسير الأمر، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق من الأية:4]، وهي منحة عظيمة لكل من يشتكي من عسر في أموره وحياته، فتقوى الله تعالى خير دواء لذلك بنص بيان الله في القرآن الكريم.

 

4- فتح بركات السماء والأرض، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96]، إنه قانون إلهي لعباده على مر العصور وكر الدهور، بأن عاقبة التقوى والإيمان بالله فتح خيرات السماء بالماء المنهمر، وإنبات خيرات الأرض مما لذ وطاب، فهل يعي المسلمون هذه الحقيقة في أيام القحط والجفاف التي تمر بها الأمة كل فترة.

 

5- التوفيق للأعمال الصالحة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71]، قال الطبري: "يوفقكم لصالح الأعمال فيصلح أعمالكم"، ومن يصلح عمله يسعد في الدنيا والآخرة.

 

6- التمييز بين الحق والباطل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم} [الأنفال:29]، قال محمد بن إسحاق: {فُرْقَانًا} أي: فصلا بين الحق والباطل، فإن من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره، وفق لمعرفة الحق من الباطل، فكان ذلك سبب نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا وسعادته يوم القيامة.

وهناك آية أخرى تشير إلى معنى قريب من هذا هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد:28]، وقد فسر ابن كثير وغيره النور بالهدى الذي يُتَبَصَّر به من العمى والجهالة، ولا شك أن من كان له نور من الله وهدى يستطيع أن يميز به بين الحق والباطل، خاصة في أوقات الفتن التي تزل فيها الأقدام.

 

7- المسارعة للتوبة والإنابة إلى الله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201]، فالأتقياء من عباد الله تعالى لا يصرون على الذنوب والأخطاء إن وقعوا فيها، بل يسارعون إلى التوبة والإنابة والرجوع إلى الله إن قارفوا ذنبا أو وقعوا لحظة في حبائل الشيطان.

وقد ذكر ابن كثير عدة أقوال للمفسرين لكلمة {طائف} فمنهم من فسر ذلك بالغضب، ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه، ومنهم من فسره بالهم بالذنب، ومنهم من فسره بإصابة الذنب.

 

أما ما أعده الله تعالى للمتقين في الآخرة فكثير أيضا أذكر منه ما يلي:

1- الجنة مستقر المتقين، قال تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} [آل عمران:198]. ولم يقتصر الأمر على دخول الجنة فحسب، بل هناك وصف دقيق لما أعده الله للمتقين من نعيم هناك، بدءا من لحظة استقبالهم على أبواب الجنة، قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73].

وصولا إلى الأزواج المطهرة والرضوان الإلهي الذي منحهم الله إياه بعد دخولهم الجنة: { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:15].

 

وليس انتهاء بالنعيم المتنوع الذي ينتظرهم فيها، قال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد من الأية:15]، وقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} [الرعد:35]، وقال تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ } [الزمر:20].

 

2- النجاة من الصراط الممدود على نار جهنم، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا . ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم:71-72]، وقد فسر الورود بالدخول، قال القرطبي: "الْوُرُودُ الدُّخُولُ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْوُرُودُ الدُّخُولُ لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا}» (رواته الثقات؛ الترغيب والترهيب: [4/317])، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِمْ.

 

3- تكفير الذنوب وعظيم الأجر والثواب، قال تعالى: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق من الأية:4]، وقد وردت كثير من الآيات تشير إلى مغفرة الله تعالى لذنوب المتقين يوم القيامة وتكفير السيئات وإجزاء المثوبة والعطاء، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال:29]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد:28].

 

4- النجاة من خوف وفزع أهوال يوم القيامة، قال تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ . وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر:60-61]. قال ابن كثير: أي: ولا يحزنهم الفزع الأكبر، بل هم آمنون من كل فَزَع، مزحزحون عن كل شر، مُؤمَلون كل خير، وأورد القرطبي رحمه الله في تفسيره حديثا عَنِ أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في تفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ: «يَحْشُرُ اللَّهُ مَعَ كُلِّ امْرِئٍ عَمَلَهُ فَيَكُونُ عَمَلُ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَأَطْيَبِ رِيحٍ فَكُلَّمَا كَانَ رُعْبٌ أَوْ خَوْفٌ قَالَ لَهُ لَا تُرَعْ فَمَا أَنْتَ بِالْمُرَادِ بِهِ وَلَا أَنْتَ بِالْمَعْنِيِّ بِهِ فَإِذَا كَثُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَالَ فَمَا أَحْسَنَكَ فَمَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ أَمَا تَعْرِفُنِي أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ حَمَلْتَنِي عَلَى ثِقَلِي فَوَاللَّهِ لَأَحْمِلَنَّكَ وَلَأَدْفَعَنَّ عَنْكَ فَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ» {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (الجامع لأحكام القرآن: [15/274]). هذا غيض من فيض ما وعد الله تعالى به عباده المتقين من منح وعطايا في الدنيا والآخرة، استعرضتها لأستنهض بها همتي وهمم وعزائم من يقرأ هذه الكلمات لتحصيل التقوى التي أمرنا الله بها، ولتفتح لنا آفاق تدبر كلام الله في كل مرة نتلو بها كتاب الله.

عامر الهوشان