الصيام والحياة الربانية
الصيامُ عبادةٌ امتناعيةٌ تَركِيَّة، يمتنِع فيها المسلم عن مجموعة من المباحات، على خلاف باقي العبادات التي يأتي فيها المسلم بمجموعةٍ من الأفعال التعبُدية..
ما هو الصيام؟
إن صيام رمضان هو ركنٌ من أركانِ الإسلام الخمسة، ويتحقق بنيَّة الصيام وبالإمساك عن المفطرات المُحدَّدة شرعًا في نهارِ رمضان.
الفرق بين الصيام وغيره من العبادات:
إن غير الصيام من العبادات كالصلاة هي عبادات يأتي المسلم فيها بأعمالٍ وأقوالٍ مشروعة، ويُقيُّمُ هذه الأعمالِ والأقوالِ النيَّةُ والخشوع والتدبُّر.
المُتأمِّل في الصيام يجد أنه بدلًا من أن يأتي المسلم فيه بأعمالٍ وأقوالٍ كغيره من العبادات، يمتنِع فيها عن عمل شيءٍٍ من المفطرات، بينما ليس مطلوبًا من المسلم أن يأتي بأيِّ عملٍ جسدي أو قولي كجزءٍ من الصيام!
إذن.. فالصيامُ عبادةٌ امتناعيةٌ تَركِيَّة، يمتنِع فيها المسلم عن مجموعة من المباحات، على خلاف باقي العبادات التي يأتي فيها المسلم بمجموعةٍ من الأفعال التعبُدية.
هذا من ناحية الجسد الذي يمتنِع ويُمسِك، فما بالُ الروح والقلب؟
إن الصيام هو تدريب للمسلم أن ينشغل فقط بالخشوع وإحساس القرب من الله عز وجل دون أن يأتي بأي فعل تعبُدي مُتعلِّق بالصيام! ولكن هل يوجد خشوعٌ بدون أفعال تعبُدية تكون محلًا له؟! نعم، وهذه هي غاية الصيام العُظمى وهي القرب من الله والخشوع له خشوعًا يُزهرُ ويُثمر ويَحلو بمرور الزمن فقط على الصائم.
إنه ينغمس في عبادة روحية وقلبية تجعله يشعر كل لحظة بمراقبة الله له! وهذا القرب والخشوع لا يقطعه أي عمل عبادي كالصلوات المفروضة أوعمل عادي كعمل الموظف في وظيفته وعمل الزوجة على رعاية أبنائها، وعليه فإن الغاية الكبرى من هذا الخشوع المستمر هي اتقاء إغضاب الله في أي صغيرة أو كبيرة، أو بمعنى آخر هي التقوى.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] صدق الله العظيم
الحياة الربانية:
إن الاستفادة من شهر رمضان كل عام يكون بتجديد التدريب على عبادة الخشوع المطلق لله الذي لا يرتبط بعادةٍ أو بعبادةٍ أخرى، بل هو خشوع مرتبط بالحياة ذاتها، لا ينفك عنها وكأنه هو نفسه الحياة وكأن الحياة هي نفسها الخشوع.
وهنا يأتي مفهوم "الحياة الربانية"، يأتي هذا المفهوم ثمرةً لفهم الغاية من الصوم وممارسة هذا الفهم بالروح والقلب.
إن الحياة الربانية هي الحياة التي يكون مرور الزمن على المسلم في ذاته عبادة روحية وقلبية بالخشوغ والخضوع والذل للهِ ربِّ العالمين الكبير المُتعال، وعليه فهي تحقق وظيفة الإنسان في الأرض ألا وهو استمرارية العبادة لله وعدم انقطاعها.
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] صدق الله العظيم.
فالعبادة ينبغي ألا تكون متقطِّعةً فقط، مثلًا كالصلوات المفروضة، بينما يكون ما بينها خربٌ خاوٍ من أي عبادة! لا ليس هذه هي وظيفة الإنسان في الأرض. إن وظيفته أن يعبُد الله في كل وقتٍ وحين، في كل زمانٍ ومكان، أن تكون قدمه ملتصقة بالأرض بينما روحه وقلبه وفِكره مُحلِّقٌ في السماء. ويتخلَّل تلك الحياة الربانية الخاشعة لله بقية العبادات من صلاةٍ وزكاةٍ وحجٍ وجهادٍ في سبيل الله والتفكر والتدبُّر في خلق الله.
وهذا هو سِرُّ تسمية الحياة كلها بانتمائها لربِّ الكون أي كونها حياةً ربانيةً في قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] صدق الله العظيم.
الخلاصة:
يُروِّضُ المسلم نفسه على الحياة الربانية بصيام رمضان كل عام. الحياة الربانية التي ينبغي خلالها على المسلم أن يحيا خشوعًا للهِ ربِّ العالمين، يستشعر في كل لحظةٍ فيها جبروته وعظمته وعفوه ورحمته. وتُعَدُ الحياة الربانية بهذا الوصف في هذا المقال هي التقوى بعينها، فمن يجعل حياته كذاك، يسير على الطريق المستقيم الذي ارتضاه الله لعباده لا يضل ولا يغضب ربه.
اللهم اجعلنا من المتقين الذين يَحيون لك.
والله أعلم.
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: