دور التربية في علاج التداعيات السلبية للخلاف على الشباب
تهدف هذه الورقة إلى استجلاء دور التربية في التعامل مع الآثار السلبية للخلاف على الشباب. فهي لا تتناول ظاهرة الخلاف، ولا منهجية التعامل مع الخلاف، ولا تتناول استثمار الخلاف وتوظيفه الإيجابي، إنما تسعى للتركيز على قضية أكثر تحديداً؛ فهي تفترض أن للخلاف آثاراً سلبية على الشباب وعليه كيف يمكن للتربية علاجها.
1- مدخل:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
الحديث عن الخلاف حديث واسع، وأطراف الموضوع لا تقف عند حد، وحتى يحقق الحديث ثمرة عملية لا بدّ من تحديد نطاقه بما يتيح لنا الفرصة في قدر من التركيز على بعض جوانب الخلاف ومنهجية التعامل معه.
تهدف هذه الورقة إلى استجلاء دور التربية في التعامل مع الآثار السلبية للخلاف على الشباب.
فهي لا تتناول ظاهرة الخلاف، ولا منهجية التعامل مع الخلاف، ولا تتناول استثمار الخلاف وتوظيفه الإيجابي، إنما تسعى للتركيز على قضية أكثر تحديداً؛ فهي تفترض أن للخلاف آثاراً سلبية على الشباب وعليه كيف يمكن للتربية علاجها.
وبداية لا بدّ أن نفرق بين الخلاف والاختلاف، فالخلاف طبيعة بشرية، وسنة كونية، حصل بين الصحابة وسلف الأمة ولا زال يحصل ما شاء الله، أما الاختلاف والتفرق فهو مذموم كما قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:١٠٥]، وقوله: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس:٩٣]، وقوله: {وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الجاثية:١٧].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ليأتينَّ على أَمَّتي ما أتى على بني إسرائيل حَذْوَ النَّعْلِ بالنَّعْل، حتى إن كان منهم من أتى أُمَّهُ علانية، ليَكُوننَّ في أمتى مَنْ يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرَّقت على ثنتين وسبعين ملة، وستفترق أُمَّتي على ثلاث وسبعين ملة، كُلُّها في النار، إلا ملة واحدة، قالوا: مَنّ هي يا رسول الله؟ قال: مَنْ كان على ما أنا عليه وأصحابي» (حسنه الألباني بصحيح الترمذي:2641)، فحديثنا هنا ينصب على الاختلاف المحمود وذلك فيما يسع فيه الخلاف، وليس على الخلاف المذموم.
2- التداعيات السلبية للخلاف:
يترك الخلاف تداعيات سلبية على الشباب والناشئة بوجه أخص؛ إذ هم يتّسمون بحرارة الانفعال وغزارة العاطفة، وكثيرٌ منهم لمَّا يمتلك الخبرة الكافية في التعامل مع مواقف الحياة.
وتتمثل أبرز التداعيات السلبية للخلاف فيما يلي:
• الاختلاف والفرقة، والتحزب والعصبية، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلّم من أن يقود التعامل مع الخلاف المشروع إلى الفرقة والاختلاف؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "سمعت رجلاً قرأ آية، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: «كلاكما محسنٌ، ولا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا» (أخرجه البخاري).
• اختلال موازين التعامل مع الإخوة وأهل العلم والدعاة، ما بين غلو ومبالغة، وجفاء وإسقاط.
• الشعور بالحيرة والقلق لدى الشاب، وربما قاد ذلك بعضهم إلى التخلي عن طريق الاستقامة بالكلية.
• التطرف والغلو، فمن لا يحسنون التعامل مع الرأي المخالف فإنه يزيدهم تمسكاً بما هم عليه وتشبثاً به، وانشغالاً بحشد المؤيدات على صحته، وعلى بطلان الرأي الآخر.
• غياب الصفاء في القلوب، وتعكير النوايا.
3- موجهات رئيسة:
الحديث عن دور التربية في علاج التداعيات السلبية للخلاف حديث واسع لا يستوعبه الحيز المخصص لهذه الورقة، لذا سننحو منحى الإيجاز والتأكيد على القضايا الكلية.. وقبل الولوج في التطبيقات العملية لا بد من التأكيد على موجهات عامة في ذلك، من أبرزها ما يلي:
أولاً: البناء التربوي للشخصية يمثل كلاً متكاملاً، والتعامل مع الإنسان لا بد أن ينطلق من النظر إلى كيانه كله، وعليه فإن تجزئة الشخصية الإنسانية، والسعي لبناء جانب على حساب آخر، أو البحث عن حل مشكلة تربوية حلاً منفصلا عن الشخصية لن يكون مجدياً، إن الإنسان ليس آلة مادية نستطيع أن نفككها إلى أجزاء ونتعامل مع كل جزء تعاملاً منفصلاً عن نظام الآلة.
وعليه فتعامل الإنسان مع قضايا الخلاف هو إفراز لشخصيته وطريقة تفكيره ورؤيته للحياة، وليس كياناً منفصلاً يمكن فهمه أو التعامل معه بصورة مستقلة.
وحين نريد الارتقاء بالشباب في التعامل مع الخلاف فلن يتم ذلك من خلال الاكتفاء بتناول المفاهيم ذات الصلة بالتعامل مع الخلاف؛ بل لا بد أن يكون الحل جزءاً من منظومة تربوية تتناول الموضوع بأبعاده.
ثانياً: حين نسعى للتقليل من الآثار والتداعيات السلبية للخلاف فأفضل وسيلة للعلاج هي الوقاية، وذلك بتنمية القدرة على التعامل الإيجابي مع مسائل الخلاف، بدلا من أن ننشغل بترميم الآثار السلبية.
ثالثاً: التربية تتم من خلال منهج تربوي، والشاب ليس بالضرورة نتاج المنهج المعلن أو المخطط له، بل هو نتاج الموقف التربوي بكل عناصره، ومن أبرز ما يؤثر في ذلك المنهج الخفي؛ فهو كثيراً ما يسير في اتجاه مناقض للمنهج المخطط له أو المنهج المعلن، ومن أبسط تعريفاته: كل ما يمكن تعلمه من تعلم غير مقصود وغير موجود في المنهج الرسمي (1) وعليه فالشاب يتلقى في الموقف التربوي كثيراً من القيم والثقافة بصورة غير مقصودة من المربين والدعاة.
وبناءاً عليه فالسعي في بناء منهجية التعامل مع قضايا الخلاف لدى الشباب يجب ألا يقف عند حدود المنهج المعلن، أو عند حدود المحتوى المعرفي للمنهج بل ينبغي أن يمتد ليشمل كافة عناصر الموقف التربوي.
4- معالم في البناء التربوي:
تتمثل أبرز متطلبات البناء التربوي للتعامل الإيجابي مع الخلاف فيما يلي:
أ- الجانب الوجداني:
الخلاف ليس كله نتاج موقف فكري واقتناع علمي، والناس لا يتسمون بموضوعية عالية يتعاملون فيها مع الأفكار دون مؤثر ذاتي؛ فالجانب الوجداني والقلبي له أثره في تشكيل مواقف الناس وتعاملهم، ومن هنا فالتربية لا بد أن تعنى بالبناء القلبي والوجداني الذي يترك أثره في التعامل مع مواقف الخلاف.
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أثر الجانب القلبي الوجداني على إثارة الاختلاف فقال: "وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة؛ علمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها، وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل، أو بغير تأويل، كما بغت الجهمية على المستنّة في محنة الصفات والقرآن؛ محنة أحمد وغيره، وكما بغت الرافضة على المستنّة مرات متعددة، وكما بغت الناصبة عَلَى عِليّ وأهل بيته، وكما قد تبغي المشبهة على المنزهة، وكما قد يبغى بعض المستنة إما على بعضهم وإما على نوع من المبتدعة، بزيادة على ما أمر اللّه به، وهو الإسراف المذكور في قولهم: {ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} [آل عمران:١٤٧]" (مجموع الفتاوى:14/482- 483).
ومما ينبغي أن تعنى به التربية في ذلك ما يلي:
• الصدق وإرادة الحق والسعي له.
• حسن الظن بالمسلمين.
• صفاء القلب للمسلمين، ومحبة الخير لهم، والبعد عن الحقد والحسد.
• التواضع ولين الجانب.
وليس هذا المقام مقام تعداد جوانب البناء الوجداني والقلبي؛ فما ذكر إنما هو على سبيل المثال لا الحصر.
إن أجواء النقاشات العلمية والحوارات الفكرية كثيراً ما تشتط فتبعد بالإنسان وينسى معها الجوانب القلبية والإيمانية، ومن ثم فالحاجة ماسة إلى تذكير النفوس يوماً بعد يوم، ووقتاً بعد آخر، وإلى إحياء الجوانب القلبية والإيمانية التي تضمر في زخم الحياة المادية وأجواء الخلاف والجدل.
ومن أهم ما يحقق هذه المعاني لدى الشباب أن يروا القدوات العملية، فيلمسوا من القدوات والشيوخ تمثل هذه المعاني في سلوكهم وتعاملهم قبل أن يسمعوها في مقالهم.
ومن المهم أن تأخذ المعاني الوجدانية والقلبية حيزها في بناء المناهج التربوية، والنشاطات الموجهة للشاب داخل المدرسة أو خارجها، عبر منبر المسجد أو كرسي الحلقة والدرس، أو التواصل الفضائي.
ب- الجانب السلوكي والأخلاقي:
الجانب السلوكي والأخلاقي ذو أثر بارز في التعامل مع الخلاف والتواصل مع الآخرين، بل نكاد نصف موقف الخلاف بأنه موقف أخلاقي، ورغم أن الحديث عن الأخلاق والسلوك ومفردات حسن الخلق لا يكاد يُفقد في أدبيات خطابنا الدعوي، إلا أن ثمة ما يدعو إلى القلق في واقع ممارستنا الأخلاقية والسلوكية، ومما ينتظر من التربية أن تعزز الجانب الخلقي والسلوكي، ومن مفردات ذلك ما يلي:
• إعادة النظر في منزلة الأخلاق والسلوك من الدين في فهم الناشئة، وتصحيح المفاهيم الملتبسة التي توحي بأن الأهم هو مسائل الاعتقاد الخبرية ثم لا يضر الإنسان بعد ذلك أن يصبح طعاناً لعاناً لا يسلم المسلمون من لسانه ويده، ولا يأمن إخوانه بوائقه!
• تمثل الأخلاق الحسنة العالية من قبل القدوات وممارستها عملياً.
• علاج المشكلات المرتبطة ببعض البيئات والمجتمعات من الجفاء والقسوة والغلظة، والأخطر من بقائها تسويغها وربطها بالدين، خلافاً لمنهج محمد صلى الله عليه وسلّم الذي وصف نفسه بقوله: «إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً» (أخرجه مسلم).
• الفصل بين الغيرة على الدين، والحب في الله والبغض فيه، وبين الممارسات الجافية البعيدة عن هدي من قال عن نفسه صلى الله عليه وسلّم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» (السلسلة الصحيحة:45)، وقال عنها: «متى عهدتني فاحشاً؟» (صحيح البخاري:6032).
جـ- السمات الشخصية:
تترك السمات والخصائص الشخصية أثرها على الإنسان وتعامله، وتبدو نتائجها على كافة مواقفه وتعاطيه مع مشكلات الحياة: الشخصية والأسرية والفكرية والدعوية.
والشاب وهو يتعامل مع المواقف الفكرية لا ينفصل عن طبيعته وذاته، ولا يرتدي قميصاً يخلعه ويلبسه في كل موقف، ورغم بداهة هذه القضية، ورغم سعة تأثير السمات الشخصية على حياة الشاب إلا أنها لا تلق الاهتمام التربوي الكافي.
وقلما نجد العناية ببناء السمات والخصائص، واستهدافها بالتقويم والتهذيب التربوي لذاتها؛ إذ يسود في ثقافتنا أن التوجيه الشرعي المجرد وحده كاف لتحقيق هذه الأهداف.
ومما ينبغي أن تعنى به التربية في ذلك ما يلي:
• تنمية الاعتدال، وليس المقصود بذلك ما يقابل الغلو في الدين، بل الاعتدال باعتباره سمة للشخصية يترك أثره على نظرة الإنسان وتعامله، وتبدو تطبيقاته في كافة تصرفاته، ومن ثم فهو ما لم يكن هدفاً للتربية تسعى لتحقيقه في شخصية الناشئة فلن يكفي في ذلك التحذير من الغلو في الدين والتطرف، ولا الحديث النظري عن ضرورة الاعتدال والوسطية.
• تنمية الهدوء والاتزان؛ إذ يسود لدى الشباب الانفعال في الكثير من المواقف، وحين يكون الانفعال مجرد أثر لطبيعة المرحلة والنمو لدى الشاب فالأمر قد لا يثير قلقاً كبيراً، لكن المثير للقلق حين نرى نماذج بارزة من الانفعال لدى دعاة ومتحدثين جاوزوا مرحلة المراهقة وأصبحوا في منابر التوجيه والقيادة الفكرية؛ مما يسهم في مزيد من التعزيز لهذه السمة وانتشارها لدى الشباب بدلاً من ترشيدها.
• الانفتاح الفكري والذهني في مقابل الانغلاق أو ما يسمى (الدوجماتية)، وهو الآخر سمة عامة للشخصية تتأثر بشكل كبير بالتربية والتنشئة (2).
د- المهارات:
التعامل مع مواقف الخلاف ليس مجرد اقتناع فكري بل هو اندماج مع الواقع وتعايش معه، ويتطلب قدرة الفرد على الموائمة بين الحفاظ على اقتناعاته، والمرونة في التعامل مع المخالف، وقدرته على الفصل بين الرأي والتعامل مع أصحابه،وهنا يبدو جانب المهارة ذو أثر بالغ لا يقل أهمية عن الجانب الوجداني والسلوكي.
والمهارة تشمل ثلاث مكونات: المكون المعرفي، والمكون النفسي، والمكون المهاري؛ فالأول يتصل بالمعرفة بمنهجية الخلاف والتعامل معه وآدابه..إلخ، وهو متاح ومتداول كثيراً ويأخذه حظه في الأدبيات الموجهة للشباب، والمكون النفسي سبق تناول جزء منه في الجانب الوجداني والسمات الشخصية.
ويبقى التأكيد هنا على المكون الثالث وهو المهارة والأداء (3) وهذا لا يتحقق من خلال الجانب المعرفي وحده، بل يفتقر إلى جهد تربوي يتناسب مع طبيعة المهارة وإكسابها.
ومن أبرز ذلك ما يلي:
• التدريب العملي على المهارات ذات الصلة بالتعامل مع الخلاف، وهو تدريب يجب أن يركز على المنحى العملي والتطبيقي، وأن يبنى وفق رؤية علمية منهجية، خلافاً للأنماط السائدة في التدريب اليوم والتي يقوم بكثير منها أفراد غير مؤهلين، ولا يملكون القدرة الكافية على ذلك.
• الممارسة العملية؛ فما لم تتم الممارسة العملية للحوار والخلاف في الأوساط التربوية، وما لم يتحول ذلك إلى بيئة الأوساط التربوية فلن يتحقق النمو الطبيعي لمنهجية التعامل مع الخلاف؛ بل السائد اليوم في الأوساط التربوية التي ترعى الشباب ثقافة الرأي الواحد، والمصادرة للتفكير والحوار مما يكرس المخرجات غير المؤهلة على التعامل الإيجابي مع الخلاف.
والمهارات ذات الصلة بالتعامل الإيجابي في التعامل مع مواقف الخلاف عديدة، ومن أبرزها: مهارات إدارة الخلاف، ومهارات الحوار، ومهارات التفكير الناقد، والتقويم والحكم على الأفكار.
هـ- بناء الثقافة الملائمة للتعامل مع الخلاف:
تشكل الثقافة السائدة موجهاً مهماً للشخصية، وتؤثر على تبني الفرد لمواقف سلبية أو إيجابية تجاه ظواهر معينة.
وداخل الإطار العام للثقافة يتشكل ما يسمى بخصوصيات الثقافة، وهي تلك التي تميز فئة من الفئات داخل المجتمع، ولئن كنا لا نملك الأدوات الكافية للتغيير المطلوب في ثقافة المجتمع، فثقافة الأوساط الدعوية، ومجتمعات طلاب العلم تتشكل وفق تعاملنا ورؤانا نحن، وهذا يتطلب المراجعة بين وقت وآخر لمفردات الثقافة السائدة في بيئتنا الدعوية، والتي تمثل أحد أدوات تشكيل شخصية الشباب وتربيتهم.
وفي هذا الإطار نحتاج لإشاعة الثقافة الملائمة للتعامل مع الخلاف كإشاعة ثقافة تقبل الخلاف، والتنوع والتعددية، واختلاف المدارس الفكرية والدعوية داخل الإطار الواسع الذي يقبل الخلاف والتنوع، ولا يتناقض مع محكمات الدين وثوابته.
و- ترسيخ الثوابت ومحكمات الدين:
بيئة الخلاف ليست بالضرورة بيئة نقية، وكثيراً ما تتسع دوائر الخلاف لتطال محكمات الدين وثوابته، وخطورة اهتزاز الثوابت والمحكمات اليوم لا يقل عن خطورة الصراع الناشئ عن سوء التعامل مع الخلاف.. ومن هنا فإن ترسيخ الثوابت والمحكمات لدى الشباب مما يتأكد على التربية العناية به، ومن مفردات ذلك ما يلي:
• تأصيل مبادئ الثبات على الحق، والاعتزاز والتمسك به.
• تجلية الثوابت ومحكمات الدين، والعناية بتعليمها وفقهها بالأدلة الشرعية.
• العناية بحِكَم التشريع ومقاصد الشريعة فيما يتصل بالمحكمات والثوابت؛ فذلك مما يزيدها رسوخاً لدى الشاب ويقوي قدرته على مقاومة الاختراق الفكري والثقافي.
• التفريق بين الخلاف في أصل الثوابت والمحكمات، وبين الخلاف الناشئ عن تحقيق المناط؛ إذ كثيراً ما يقع الخلط في ذلك، وربما قاد البعض إلى التكلف في ربط كل موقف خلاف عملي بأصل من الأصول أو من محكمات الدين (4).
هذه بعض الرؤى حول التعامل مع الآثار السلبية للخلاف صيغت بقدر ما يسمح به الوقت المخصص لهذه الورقة.
أسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقاً، ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ويهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه؛ إنه سميع مجيب، والله أعلم وأحكم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه..
===============
الحواشي:
(1) انظر: المنهج الخفي. المجلة التربوية. جامعة الكويت. عدد 39 ص (82-83).
(2) انظر: الشهري، حاسن بن رافع (1427هـ). مستوى الانغلاق الفكري (الدوجماتية) لمعلمي ومعلمات مراحل التعليم العام الرسمي في المدينة المنورة. مجلة رسالة التربية وعلم النفس. جستن. العدد 27. ص 279-334، وانظر أيضاً: الحكمي، علي بن صديق. الثقة المفرطة في الأحكام الاحتمالية. مجلة رسالة الخليج العربي.
(3) انظر: محمود، صلاح الدين عرفة (1425هـ). تعليم وتعلم مهارات التدريس في عصر المعلومات. القاهرة: عالم الكتب. و: زيتون، حسن حسين (2004م). مهارات التدريس رؤية في تنفيذ التدريس. ط2. القاهرة: عالم الكتب.
(4) من أمثلة ذلك الخلاف حول المشاركة البرلمانية في الأنظمة السياسية المعاصرة؛ فالمشاركة -عند من يرى جوازها- هي موقف واجتهاد عملي، وتعامل مع واقع يفرض نفسه، فليس من العدل أن يحكم من لا يرى جوازها على المخالف في ذلك بأنه يسوغ التشريع البشري والحكم بغير ما أنزل الله.
محمد بن عبد الله الدويش
بكالريوس في الاقتصاد الإسلامي وماجستير في التربية وطرق التدريس
- التصنيف:
- المصدر: