«فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه»

منذ 2014-06-20

روى البخاري: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه».

من أشد الأحاديث على الصائم هذا الحديث: وهو حديثٌ يُوضح الفرق بين من صام عن الطعام والشراب وأفطر على غيرها.. مثل: الوقوع في الأعراض، أو فعل المحرَّمات، أو قول الزور، أو فعل الزور.. وبين من صام صيامًا حقيقيًا مزودًا بالتقوى مرصعًا بالطاعة..

قال الإمام ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري):

"قوله: «فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه» قال ابن بطال: ليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه، وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه، وهو مثل قوله: «من باع الخمرَ فليشْقَصِ الخنازيرَ» أي: يذبحها، ولم يأمره بذبحها ولكنه على التحذير والتعظيم لإثم بائع الخمر. وأما قوله: «فليس لله حاجةً فلا مفهوم له»، فإن الله لا يحتاج إلى شيء، وإنما معناه فليس لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة، وقد سبق أبو عمر بن عبد البر إلى شيء من ذلك".

قال ابن المنير في (الحاشية): "بل هو كناية عن عدم القبول، كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئًا طلبه منه فلم يقم به: لا حاجة لي بكذا. فالمراد رد الصوم المتلبس بالزور وقبول السالم منه، وقريب من هذا قوله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ} [الحج من الآية:37]، فإن معناه: لن يُصيب رضاه الذي ينشأ عنه القبول. وقال ابن العربي: مقتضى هذا الحديث أن من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه، ومعناه: أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه. وقال البيضاوي: ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول، فقوله: «ليس لله حاجة» مجاز عن عدم القبول، فنفى السبب وأراد المسبب، والله أعلم".

واستدل به على أن هذه الأفعال تنقص الصوم، وتعقب بأنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر. وأجاب السبكي الكبير بأن في حديث الباب والذي مضى في أول الصوم دلالة قوية للأول؛ لأن الرفث والصخب وقول الزور والعمل به مما علم النهي عنه مطلقًا، والصوم مأمور به مطلقًا، فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتأثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة فيه معنى يفهمه، فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا على أمرين:

أحدهما: زيادة قبحها في الصوم على غيرها.

والثاني: البحث على سلامة الصوم عنها، وأن سلامته منها صفة كمال فيه، وقوة الكلام تقتضي أن يقبح ذلك لأجل الصوم، فمقتضى ذلك أن الصوم يكمل بالسلامة عنها.

قال: فإذا لم يسلم عنها نقص. ثم قال: ولا شك أن التكاليف قد ترد بأشياء وينبه بها على أخرى بطريق الإشارة، وليس المقصود من الصوم العدم المحض كما في المنهيات؛ لأنه يشترط له النية بالإجماع، ولعل القصد به في الأصل الإمساك عن جميع المخالفات، لكن لما كان ذلك يشق خفف الله وأمر بالإمساك عن المفطرات، ونبه الغافل بذلك على الإمساك عن المخالفات، وأرشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده، فيكون اجتناب المفطرات واجبًا، واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات، والله أعلم".

وقال شيخنا في شرح الترمذي: "لما أخرج الترمذي هذا الحديث ترجم ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم، وهو مشكل؛ لأن الغيبة ليست قول الزور، ولا العمل به؛ لأنها أن يذكر غيره بما يكره، وقول الزور هو الكذب، وقد وافق الترمذي بقية أصحاب السنن فترجموا بالغيبة، وذكروا هذا الحديث، وكأنهم فهموا من ذكر قول الزور والعمل به الأمر بحفظ النطق، ويمكن أن يكون فيه إشارة إلى الزيادة التي وردت في بعض طرقه وهي الجهل، فإنه يصح إطلاقه على جميع المعاصي. وأما قوله: «والعمل به» فيعود على الزور، ويحتمل أن يعود أيضًا على الجهل أي: والعمل بكل منهما.

(تنبيه): قوله: «فليس لله» وقع عند البيهقي في (الشعب) من طريق يزيد بن هارون، عن ابن أبي ذئب «فليس به» بموحدة وهاء ضمير، فإن لم يكن تحريفًا فالضمير للصائم.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.