عكس اتجاه عقارب الساعة!

منذ 2014-07-03

لا أشك في أنه مقصود مراد؛ فهم يريدون مخالفة المسلمين وفرض اتجاههم المعاكس عليهم، وجعله هو الاتجاه الأصل الواجب الاتِّباع؛ كما أنهم يهدفون، بل يمكرون الليل والنهار ليطمسوا كل آثار المسلمين التي كانت أيام دولتهم القوية وعزتهم الإسلامية، أما مسلمو اليوم فهم يخلدون أبراجهم وشاراتهم، وحتى صور ملوكهم ورؤسائهم على الأعلام والأوراق النقدية، وما يسمونه بمقامات الشهداء، لا تقديرا لهؤلاء، ولكن ليطمسوا بها الآثار الإسلامية الجميلة، والتي تُذكِّر المسلمين بأمجاد أجدادهم، خوفًا من أن يحنوا إليها، أو تحيا يومًا في نفوسهم!

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.

فقد كنت أدرس تلامذتي يومًا؛ وتناولنا الحديث عن الظواهر الفلكية، وبالذّات حول المجموعة الشمسية.

والمجموعة الشمسية هي مجموعة الكواكب التسع (أو الأحد عشر كوكبًا!) التي تدور حول هذا النجم الملتهب الكبير الذي يُدعى الشمس، وحول بعض هذه الكواكب تدور توابعها الطبيعية التي تُدعى الأقمار.

فقلنا: تدور الأرض حول نفسها في اليوم مرة في مدة قدرها ثلاث وعشرين ساعة وستة وخمسين دقيقة  بالضبط (23سا و 56 د)، ويقال تقريبًا: أربع وعشرون ساعة.

وكيف تدور؟ فقالوا: تدور عكس اتجاه عقارب الساعة!

فقلنا: وكيف تدور الأرض حول الشمس؟ قالوا: تدور حول الشمس في مدة سنة، وعكس اتجاه عقارب الساعة!

فقلنا: وكيف يدور القمر حول الأرض؟ قالوا: يدور حولها في مدة شهرٍ قمريٍّ، وعكس اتجاه عقارب الساعة!

فقلنا: وبقية الكواكب؛ كيف تدور حول نفسها، وحول الشمس؟ فقالوا: كالأرض أيضًا؛ عكس اتجاه عقارب الساعة!

فقلنا: لماذا تدور كلها في اتجاه واحد؟ فقالوا: هكذا خلقها الله! فقلت: إذن فهذا خَلقُ مَن له الخلق؛ فأروني ماذا خلق الذين من دونه؟!

وكلها تدور عكس عقارب الساعة! فكيف اتفقت على مُضادَّة اتجاه عقارب الساعة؟! أَوَحَّدَها مقتدِرٌ موحِّدٌ، أم أنها وحَّدَت واحدًا؟

فقلت: ويقول الكيميائيون أن الإلكترونات تدور حول النواة كذلك، عكس اتجاه عقارب الساعة!

إذن فهذا قانون كوني مطرد منسجم، بل هو خَلْقٌ ربانيٌّ مُحكَم.

فقلت: ولو نزلنا إلى الأرض؛ فالطائفون بالكعبة المشرفة، كيف يطوفون؟ قالوا: يدورون حول الكعبة عكس اتجاه عقارب الساعة!

لماذا؟ قالوا: لأن هذا شرع الله.

فقلت: فوافق الطائفون في دورانهم اتجاه دوران الكواكب وأقمارها في أفلاكها! وكلهم أيضًا عكس اتجاه عقارب الساعة!

إذن هذا أمر مَن له الأمر.

آه! دارَ الخَلْقُ وِفْق إرادة من له الخلق، وطاف العباد وفق أمرِ مَن له الأمر، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]. بلى؛ له الخلق والأمر، فطاف الطائف الجامد والحي العابد على مقتضى خلقه وأمره، فتبارك الله رب العالمين، ربهم خَلْقًا وأَمْرًا.

له الخلق، أي الربوبية، ولا أحد يستطيع أن يخالف ربوبيته، وله الأمر؛ أي الألوهية، وينبغي ألَّا يخالف أحدٌ ألوهيته، أو يعصي أمره، ولكن أكثر الإنس والجن فعلوها!

واتفقوا على اتِّجاه واحد، هو عكس عقارب الساعة.

وَالْبَيْت الْمَعْمُور ، وهو بيت في السماء السابعة، حذاء العرش، حيال الكعبة، يقال له: الضراح، حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألف من الملائكة، يطوفون به ويصلون فيه، ثم لا يعودون إليه أبدًا، كما جاء في حديث المعراج.

فقلت: يزعمون أن أول من اخترع الساعة ذات العقارب، هو الألماني بيتر هنلاين، كان في الأساس صانع أقفال، وكانت ذات عقرب واحد يحدد الساعات فقط، وكان ذلك في حدود، وبعد العشرات من السنين زيد فيها عقرب الدقائق، وبعد قرابة القرن زيد فيها عقرب الثواني...

فأيهما يصح أن يقال عكس الآخر؟ فأيهما أول بدأ دورانَه في اتجاهه الطبيعي، فلا بد عقلا أن الثاني المعاكس هو المخالف. فعقارب الساعة هي التي تدور عكس الكون، بل عكس فطرة الله التي فطر الخلق عليها. هذا إذا اتفقنا أن الكون أسبق وجودًا وحركة قبل ساعة الغرب!

ولكن الغزو الفكري والاستعباد الغربي للشرق جعل من نفسه أصلا، ومن المسلمين فروعا يجب أن تدور وفق اتجاهه، وإلا كانت مخالفة!

فصمموا بَدَهياتنا على أن نقيس على عقارب الساعة؛ ساعتهم  المعكوسة أعني!

وليس ذلك مقتصرا على ساعة يد في مواجهة الكون، وإنما أيضًا صار هذا في مجال خصوصيات المسلمين...

أعني اتجاه الساعة الفكرية العقدية والأخلاقية والتنظيمية وما إلى ذلك...

إذا طاف المسلمون حول كعبتهم المشرَّفة وفق حركة الفطرة؛ قالوا لنا: خالفتم الاتجاه الصحيح، أنتم عكس عقارب الساعة!

إذا تخلق المسلمون بأخلاقهم الفطرية المنبثقة من شريعتهم الربانية؛ قالوا لنا: عكس اتجاه عقارب الساعة...

إذا أراد المسلمون: تحكيم شريعتهم في رقابهم؛ قالوا لنا: عكس اتجاه عقارب بالديمقراطية أو العلمانية!

إذا قال المسلمون: ليست المساواة هي المفروضة، وإنما العدالة؛ قالوا لنا: عكس اتجاه العدالة الغربية!

إذا قال المسلمون: لا يتولى على المسلمين إلا رجل ذكر مسلم منهم؛ قالوا لنا: عكس اتجاه المواطنة الغربية!

أترون هذا العكس لاتجاه عقارب الساعة الغربية غير مقصود؟!

لا أشك في أنه مقصود مراد؛ فهم يريدون مخالفة المسلمين وفرض اتجاههم المعاكس عليهم، وجعله هو الاتجاه الأصل الواجب الاتِّباع؛ كما أنهم يهدفون، بل يمكرون الليل والنهار ليطمسوا كل آثار المسلمين التي كانت أيام دولتهم القوية وعزتهم الإسلامية، أما مسلمو اليوم فهم يخلدون أبراجهم وشاراتهم، وحتى صور ملوكهم ورؤسائهم على الأعلام والأوراق النقدية، وما يسمونه بمقامات الشهداء، لا تقديرا لهؤلاء، ولكن ليطمسوا بها الآثار الإسلامية الجميلة، والتي تُذكِّر المسلمين بأمجاد أجدادهم، خوفًا من أن يحنوا إليها، أو تحيا يومًا في نفوسهم!

ولعل المفاجأة تبغتنا حين نعلم أن الساعة التي صنعها المسلمون كانت أسبق من الساعة الغربية، وكانت تدور وفق حركة الكون الفطري؛ من اليمين إلى اليسار، كما تطوف المجموعة الفلكية حول شمسها، وكما تطوف الملائكة حول سدرة المنتهى، وكما يطوف عباد الرحمن حول كعبة الله المشرفة، وكما يدور الدم في جسم الكائن الحي، وكما تدور الإلكترونات حول النواة في تكوين كل مادة...

لقد أعلن المسلم  ياسين الشوك  عن اختراعه الذي يؤكد صحة نظرية (مكة مركز الأرض) وهو عبارة عن ساعة تحدد اتجاه القبلة في أي مكان على وجه الأرض تدور عقاربها من اليسار إلى اليمين كما هو الحال في كل الحركات الفطرية في الكون التي ذكرناها. وكشف صاحب الاختراع أنه سيتم ببادرة من مستثمر تونسي انطلاق تصنيع (ساعة مكة) في تونس.

وحقيقة أخرى كشفها لنا العالم ياسين الشوك قلة في تونس من يعلم بوجودها، فقد عبر عن ذهوله لما اكتشف في تونس بالذات وبمدينة تستور من ولاية باجة تحديدًا دليلا جديدًا على صحة نظريته؛ إذ يوجد بهذه المدينة معلمًا تاريخيًّا يتمثل في معلم الجامع الكبير بناه الأندلسيون منذ 1041 هجري/ 1631 ميلادي. ورمم في فترات لاحقة. هذا الجامع نُقشت في صومعته ساعة تدور عقاربها من اليسار إلى اليمين بالضبط مثل ساعة مكة. هذه الساعة زالت الآن عقاربها لكن معالمها ما تزال ظاهرة للعيان وتؤكد أن المسلمين في ذلك العصر توصلوا إلى صنع وتحديد توقيت خاص بهم أثبت العلم صحته مائة بالمائة. قبل أن ينْقَضَّ الغربُ على علوم المسلمين ليطوروها في ما بعد، ويخالفون منها ما يخالف عقائدهم أو سياستهم، أو ما يُظهر عظمة هذا الدين وعظمة هذه الأمة، فوضعوا توقيتا عالميا يقوم على الخطأ، هو توقت خط غرينيتش، والصحيح هو خط مكة المكرمة، ولكن بريطانيا تكافح وتنافح وتنافق من أجل تغيير الكون وعكس اتجاهه وطريقه، لأسباب عقدية وأغراض اقتصادية وسياسية.

والمطلوب الآن هو عكس اتجاه عقارب الساعة، بأن نجعلها تدور وفق الاتجاه الرباني الذي جاء به خَلقُه في الكون المُحكم البديع المنظور، وجاء به أمره في الشرع المطهَّر المقروء، عكس عقارب الساعة؛ وعكس عقارب الساعات كلها: الفكرية والخُلقية والمنهجية.. وفق اتجاه مراد الله سبحانه وتعالى ومراد رسول صلى الله وعليه وسلم، حتى في الساعة الحسية الاصطناعية، لأن التميُّز مطلوب، ومخالفة المشركين مقصودة شرعًا، لما يترتب على تشابه الظاهر من تشابه الباطن، والعكس، ولذلك نُهينا عن التشبه بالمشركين، بل حوَّل الله القبلة كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143](1)، فكان من مقاصد تحويل القلبلة أن يتميز الموحِّدون بقبلتهم، ويظهر من يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن خالف العرف والمجتمع والقوى التي يقال عنها عُظمى، ويتبين من يتَّبع الرسول صلى الله عليه وسلم حين يكون في اتِّباعه تمويه أو مآرب أخرى! فحين تتمايز القبلتان وتفترق الطريقان لا يجد المندس والمتذبذب والمتردد مأوىً من اختلاط الأمور؛ لأنها عَرَّته بافتراقها ووفضحته بتمايزها... هذا في الظاهر، فما بالك بالباطن، والذي هو الأساس الذي جُعل الظاهرُ دليلا عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:  «ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» [البخاري؛ في صحيحه، برقم (52)، ومسلم؛ في صحيحه، برقم: (1599)].

والله أعلم

--------------

(1)- عُد -إن شئت- إلى تفسسير هذه الآية في ظلال القرآن تجد عجبًا ومتعة، في قضية التميُّز.

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.