أسئلة رمضانية حائرة

منذ 2014-06-29

بصوتٍ كالزئير صاح قائلًا: "اللهم إني صائم"!

خرج الذِّكر الرمضاني الجميل من فمه الغاضب الذي يتطاير لعاب العصبية منه كأبعد ما يكون عن لكنة الأذكار ولهجتها.

لو أن السامع لم يتبين فحوى الكلمات لظن أنها تحوي سُبابًا فاحشًا وليست ذكرًا مسنونًا في نهار الشهر الكريم، وذلك لتلك النبرة الغليظة العصبية التي خرجت بها.

- "بأقولك إيه... أنا صايم وعفاريت الدنيا بتتنطط في وشي"..!

- "ما تخلينيش أفطر عليك"!

هذه العبارات وتلك المفردات التي حواها هذا المشهد تُعد أحد المشاهد المتكرِّرة في نهار رمضان، وللأسف رغم ما يحويه بعضها من ألفاظٍ شرعية كريمة كالدعاء والصيام والفطر إلا أنها كثيرًا ما تخرج مقترنة بما يناقض معانيها ومقاصدها تمامًا وبدلًا من التخلُّق بالحِلم والأناة والصبر على الأذى، ومقابلة الإساءة بالحسنى نجد اتخاذ الصوم ذريعة للعصبية والجهل على الناس وضيق الأفق أثناء معاملاتهم.

والسبب ببساطة.. هو سوء فهم رهيب طرأ على المسلمين مؤخرًا وبشكلٍ عجيب يثير في النفس أسئلة محيرة:

ما العلاقة بين الغضب وانفلات الأعصاب وبين الصيام؟

ما العلاقة بين رمضان وبين العصبية وقلة أو انعدام التحمل؟

ليس هذا فحسب..!

بل ما العلاقة بين رمضان وبين الخيمات والسهرات؟

ما العلاقة بينه وبين الدورات الرياضية والمباريات؟

يعني إيه "سلِّي صيامك"؟! ومن قال أن صيامي زهقان أو محتاج أي نوع من المسليات؟!

ما سِرّ تلك العلاقة الغامضة المريبة بين رمضان المعاصر وبين التسالي والفوازير والمسلسلات؟

أسئلة سرمدية يصعب للغاية أن تجد لها إجابة منطقية أو تعثر على أصلها وفصلها ومنبتها وجذورها...

من الذي عَلْمَن رمضان؟

و"عَلْمَنَة رمضان" هي الاصطلاح الذي أراه مناسبًا لوصف تلك المهزلة بل الجريمة التي تتفاقم كل عام:

جريمة فصل رمضان عن مقصده وغايته..

جريمة انتزاع المضمون السلوكي للعبادة..

إن كانت العَلمانية هي فصل الدين عن الحياة، فإن علمنة رمضان هي فصله عن مغزاه الإصلاحي وقطع الطريق بين قيمته التعبدية وقيمته التغييرية.

لماذا لم نتفكر بجدية في سِرِّ هذا السعار الفني والإعلامي في رمضان؟!

لماذا يغرسون تلك المفاهيم الخفية التي تغير من طبيعة رمضان في الوجدان المسلم؟!

لماذا يتحول رمضان إلى شهرٍ ترفيهي؟!

من غرس تلك المفاهيم في عقول المسلمين وربطها برمضان؟!

وهل من فعلوا ذلك يريدون فقط تسلية صيامك؟!

أم أنهم في الحقيقة يريدون تضييع صيامك وقيامك؟!

وأيًّا كان الفاعل أو الفاعلين فقد نجحوا إلى حدٍ بعيد.

يكفي ذلك الانحراف في اتجاه بوصلة الشعور بالبهجة عند دخول رمضان، بهجة كنا نجدها ونحن صبية لا للصيام والقيام والصحبة الصالحة وصلة الأرحام والتجمعات الأسرية الجميلة كما هو الأصل، ولكنها بهجة صار سببها إلى مدى بعيد ارتباط رمضان بتلك المسليات باختلاف أنواعها وطبيعتها.

المهم أن رمضان ارتبط بأشياءٍ مختلفةً تمامًا عما كان ينبغي أن يرتبط به؛ ارتبط نهاره بالخنقة وضيق الخلق وانفلات الأعصاب، وليله بالسهرات والخيم والمسلسلات والدورات... هذه هي الحقيقة المؤسفة!

حقيقة أن رمضان ارتبط بأشياءٍ كثيرة.. كلها تختلف إن لم تكن تناقض مقصده الأسمى وقيمته الأعظم؛ قيمة التغيير السلوكي للأفضل... للأتقى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].

هذه هي الغاية وذلك هو المقصد الرباني والذي في مقابله المراد الشيطان الشهواني: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا} [النساء من الآية:27].

تأمَّل وتدبر...

هدفهم ليس فقط أن تميل أو تزل.

وغايتهم ليست مجرد الوقوع في أمر يحتمل خِلافًا.

هدفهم الذي أخبرك به الله هو أن تميل ميلًا عظيمًا.

دعهم ينكرون كما يشاءون ودعهم يتجملون ويكذبون ويُدلِّسون ويزعمون أنهم وسطيون مبدعون، وعلى مصلحتك ومتعتك حريصون.

لكن مهما قالوا ومهما ادِّعوا فإن القول الفصل قول ربك: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}.

هذا هو الاقتران، وتلك هي المزاوجة التي لا تنفصل عند أولئك المفسدين: اتباع شهوات ورغبة في إمالة الخلق... ليس مجرد ميل! بل "ميلًا عظيمًا".

البعض ينكر بكل حماس وجود طائفة تريد للأمة أن تتبع الشهوات وأن تميل هذا الميل العظيم، وأن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ويُسفِّهون بكل قسوة ممن يحذِّر الخلق من تلك الطائفة، وكأنه يدعي شيئًا أسطوريًا مستحيلًا؛ كالغول والعنقاء والخل الوفي... بينما لو تدبروا كتاب ربهم لوجدوا هذا البيان القطعي في الآية السابقة عن تلك الطائفة المضلة التي تريد للمؤمنين الميل معها، وتسعى بقوة لتمرغهم في أوحال الفساد إلى جوارها.

وهؤلاء هم سارقو رمضان ومن عَلْمَنُوه وضيعوا قيمته الكبرى، وتلك هي حقيقتهم جلية ظاهرة.

فلماذا نتغافل عنها؟

لماذا نسمح لهم أو لغيرهم بسرقته وانتزاع روحه؟

والسؤال الأهم:

هل سنستجيب لدعوتهم هذا العام؟

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام