تأملات في صفاتِ عِبَادِ الرَّحْمَن

منذ 2014-07-05

مناسبة إضافة لفظ (عباد) إلى (الرحمن) لأنهم ما صاروا عبادا لله تعالى إلا برحمة من الله وفضل، فقد خصهم سبحانه برحمته الخاصة فوفقهم للطاعة ويسر لهم الخير وثبتهم على الإيمان والهداية، حتى يُكرمهم -كما في نهاية الآيات- بدخول الجنة والنجاة من النار.


في هذه الآيات الكريمات من خواتيم سورة الفرقان، يصف الله عز وجل عباده الذين شرفهم بنسبتهم إليه، تأمل قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} [الفرقان:63].

مناسبة إضافة لفظ (عباد) إلى (الرحمن) لأنهم ما صاروا عبادا لله تعالى إلا برحمة من الله وفضل، فقد خصهم سبحانه برحمته الخاصة فوفقهم للطاعة ويسر لهم الخير وثبتهم على الإيمان والهداية، حتى يُكرمهم -كما في نهاية الآيات- بدخول الجنة والنجاة من النار.

ووصفهم بصفات متعددة: فوصف نهارهم:
- {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:63]، أي بسكينة ووقار من غير تجبر ولا استكبار، حيث أوجبت لهم عبادتهم لربهم (الرحمن) أن يتواضعوا وظهر ذلك عليهم.

- {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}، وهذه الصفة لا يستطيعها إلا خيرة الخَلقِ وصفوتهم، حيث إننا نجد مَن (إذا خاطبهم الجاهلون قالوا قولًا أجهل منه) هدانا الله وإياهم، أما عبادُ الرحمن فهم يقولون قولًا يسلمون فيه من الأذى والشر ويدفعونه بالتي هي أحسن.

ووصف ليلهم:
- {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:64]، فمن رحمته تعالى بهم أن وفقهم لهذا البيات والقيام وثبتهم على ذلك، قال الحسن البصري يرحمه الله: "ذكر ليلهم خير ليل.. تجري دموعهم على خدودهم خوفًا من ربهم لأمر ما سهِروا ليلهم، لأمر ما خشعوا نهارهم".
 

إذا ما الليل أقبل كابدوه *** فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا *** وأهل الأمن في الدنيا هجوع


- {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا . إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان:66،65]، من رحمته  تعالى أن وفقهم للاستعاذة من جهنم وهذه رحمة خاصة، لأنهم يعلمون أن هذه الحياة قصيرة فهي أقصر حياة وأن الآخرة هي الباقية، فآثروا الباقي على الفاني، وحرصوا كلَّ الحرص على البعد عن كلِّ ما يقربهم إلى جهنم، قال الحسن البصري: "فيا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة".

- {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67]، فمن رحمته سبحانه أن وفقهم إلى الوسطية والاعتدال بلا إسراف ولا تقصير في الإنفاق ووفقهم للإنفاق الواجب والمستحب.

- {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان:69،68].

- {إلَّامَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا . وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان:70، 71]، قال ابن عباس: "قرأنا على عهد رسول الله سنتين: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ}، ثم نزلت: {إلَّامَنْ تَابَ}، فما رأيتُ رسولَ الله  صلى الله عليه وسلم فرح بشيء فرحه بها، وبـ{إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:1]"، {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}، {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} أي لا يحضرون الزور، أي القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس، المشتملة على الأقوال المحرمة، أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله، والجدال الباطل، والغيبة والنميمة، والسب والقذف، والاستهزاء، والغناء المحرم، وشرب الخمر، وفرش الحرير، والصور، ونحو ذلك، وإذا كانوا لا يشهدون الزور، فمن باب أولى وأحرى، أن لا يقولوه ويفعلوه (السعد يرحمه الله).

- {وَالَذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان:73]، ومن صفاتهم كذلك أنهم إذا وعظوا بآيات الله وخوفوا بها: (لم يخروا عليها صمًاً وعميانًاً) بل أكبو عليها سامعين بآذان واعية كما قال الله عز وجل في وصفهم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2].

- {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]، والذين يدعون ربهم قائلين: "ربنا نسألك بأن تجعل أزواجنا كل من يقارننا ويصاحبنا ويدخل في ذلك الأصحاب والأزواج" قرة أعين عندما نراهم في طاعة الله  تعالى، واجعلنا قدوة في الخير قولًا وعملًا، والإمام: هو من بلغ أعلى مراتب الدين.

- {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا . خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان:76، 75]، والغرفة هي الدرجة العالية في الجنة، أي يجزون بها على صبرهم على مشاق المجاهدات في الدعوة إلى الخيرات، والدأب على الطاعات واجتناب المحظورات (الحَاوِى في تَفْسِيرِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ). ولأنهم في الدنيا سلِم الناسُ من أذاهم وتحملوا أذية الناس لهم، جازاهم الله سبحانه بأن لا يُسمعهم في الجنة إلا ما يُسلِّمهم.

{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان:77]، ولما كان الله تعالى قد أضاف هؤلاء العباد إلى رحمته، واختصهم بعبوديته لشرفهم وفضلهم ربما توهم متوهم أنه -وأيضا غيرهم- لم لا يدخل في العبودية؟ فأخبر تعالى أنه لا يبالي ولا يعبأ بغير هؤلاء، وأنه لولا دعاؤكم إياه دعاء العبادة ودعاء المسألة، ما عبأ بكم ولا أحبكم فقال: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}، أي عذابا يلزمكم لزوم الغريم لغريمه، وسوف يحكم الله بينكم وبين عباده المؤمنين (السعد يرحمه الله).

أخي القارئ:
من رحمة ربنا أن جعلني وإياك ممن فقهوا صفات عباد الرحمن، وتبين له منهجهم، فهل آن أن نتصِّف بهذه الصفات ونصبر على ذلك حتى نُجزى بتلكمُ (الغُرفة).

أخي المبارك، أختي المباركة:
ومن رحمته سبحانه بعباده أن جعل طريق رحمته وهو(الجنة) سهل ميسر، ولو نظرنا وتأملنا في كتاب ربنا لوجدنا أن ما حُرِّم علينا قليل مقابل ما أحله الله لنا، ووجدنا أن الأوامر تشمل كلَّ التيسير والسكينة والطُّمأنينة، فهل حان يا عباد الرحمن أن نستجيب لنداء الرحمن فنفوز بالرحمة والغفران؟ ولنتذكر أن الله يعطي الدنيا لمن أحب وكرِه، ولا يعطِّ الدِّين والآخرة إلا من أحب.
 

 صفاء العطاس