تدبر - [223] سورة الأنبياء (8)

منذ 2014-07-26

{أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}..

لكن مهلًا..!

هذا ليس دعاء..

أو على الأقل ليست هي الصيغة الطلبية التي نعهدها في دعاء المسألة؟!

همسة مناجاة هي، شكوى حبيب لحبيبه..

أو هي نفثة مصدور، يُكلّلها أدب، ويتوجها ثناء..

بهذا اكتفى أيوب عليه السلام..
لم يزد كلمة في تلك الشكاية المختصرة..
رفع حاجته، وأثنى على ربه..
وانتهى الأمر.

انتهت المعاناة الرهيبة التي تَقلَّب فيها ما يُقارِب العشرين عامًا..

بهذه البساطة؟!

نعم، وماذا يمنع..!

ولم لا؟!

لقد سمعه القادر المقتدر، الذي إذا أراد شيئًا فإنما يقول له {كُنْ فَيَكُونُ}..

ولقد أبصر حاله من قبل، فوجده على حال يحبه ويرضاه، فشهد له الحق وقال:

{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [الأنبياء من الآية:44]..

فلم إذًا لا يغير نواميس الكون له؟!

وما أسرع الجواب!

{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} [الأنبياء من الآية:84]..

صدر الأمر، وأُعلِنت الاستجابة..

استجابة لماذا؟

وهل طلب؟ وهل سأل؟

المهم أنه تكلَّم وناجى واشتكى..

فاستجاب المولى الجليل..

لقد شفى أيوب..

وليس هذا فحسب؛ إن الاستجابة كاملة، والضُر لا بُدَّ له أن يُزال كله، لن يبقى منه أثر مسَّة..

ومن الضُر فَقْد الولد..

وفَقْد المال..

ألا فلتصلح الزوج أيضًا، وليعُد المال، ولتتم النعمة، وليُرزق الصابر، بضِعف ما كان لديه من الولد..

{وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ} [الأنبياء من الآية:84]..

يا له من كرم، كرم الحنَّان المنان..

بل يا له من أمل، يُلقى في روع المبتلين!

لكأن سيرة أيوب لمن يتدبرها كواحةٍ أمل ويقين، وارفة الظلال، مُزهِرة الأغصان، تنبت في قلوبٍ رمى الشيطان فيها بذور اليأس التي لا تنبت إلا في تربة السُخط وسوء الظنون..

ومن ذا يسخط، بعدما رأى ما حلَّ بأيوب..

من يمكن أن يقنط، وهو يشهد بعين قلبه ما آل إليه الحال من حسن المآل؟!

فقط عليه أن يُحقِّق الشرط، وأن يعي الدرس..

يعي أن كل ما فات، وكل ما هو آت من تقدير المضرات والبلاءات، إنما هو رحمة، وحكمة، وذكرى..

رحمة من الرحمن الرحيم..

وحكمة من لدن الملك العليم الحكيم..

وذكرى للعابدين..

للشاكرين في السراء، والصابرين في الضراء، والعابدين الثابتين في كل الأحوال لربِّ الأرض والسماء..

أولئك يستحقون تلك الرحمات ويتقلَّبون هنالك في تلك الواحات.

واحاتُ الأمل وحُسن الظن والعمل.
 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
المقال السابق
[222] سورة الأنبياء (7)
المقال التالي
[224] سورة الأنبياء (9)