أطفالنا.. إلى أين؟!
كل تلك الأشياء التي لا يستقيم معها ديننا قيمًا وسلوكًا، والأهم معتقدًا! ونترك أطفالنا يتشكل وعيهم أمامها لمدة ساعات! بالطبع هذا لا ينفي وجود بعض البرامج التعليمية المفيدة للأطفال، ولكنها قليلة ولا ينجذب لها الطفل إلا إذا وُجه لها.
الأطفال والتلفاز
تعتبر أولى سنوات الطفل في تلك الحياة، من أهم السنوات على الإطلاق في تشكيل شخصيته وتكوين الكثير من معتقداته، ويولد الطفل على الفطرة.. فيكون مادة خام لاستقبال الإيمان وغرس اليقين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم « ».
وفي هذه السنوات الأولى أيضًا يتم تنمية الكثير من المهارات لديه، الحسية والحركية والاجتماعية .. وأيضًا غرس السلوك والآداب. والطفل في تلك المرحلة هو كالإسفنجة والورقة البيضاء!
كالإسفنجة؛ لإنه يقوم بإمتصاص كل ما يحدث أمامه ويخزنه ليستعديه في وقت الحاجة. ولا يميز بين الصواب و الخطأ.
كالورقة البيضاء؛ لإنه لا خلفيات لديه لأي شيء، وما يحدث أمامه وما يتم إعطاؤه هو المادة التي تتشكل بها ملامح وألوان تلك الورقة.
وللأسف قليل من الأمهات والآباء من يهتم بهذا.. ونجد أن الأطفال يقضوا معظم وقتهم أمام الشاشات؛ التلفاز، أو الألواح الرقمية، أو الهواتف الذكية، أو ألعاب الفيديو وغيرها.. والسبب الرئيسي وراء ذلك هو إشغال الأطفال في أي شيء حتى يستطيع الكبار التركيز والتفرغ لفعل شيء ما. ولا يدرك الكبار مغبة هذا الفعل إلا متأخراً جدًا للأسف!
وتأتي توصيات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (أحد أكبر وأهم المؤسسات المتخصصة في طب الأطفال) أن الطفل دون العامين يمنع تمامًا من مشاهدة التلفاز ومن هو أكبر من ذلك لا يتجاوز مدة ساعتين في برامج هادفة مفيدة مخصصة لسن الطفل.
التأثير والرسائل التي تبث!
وتأتي تلك التوصيات بناءً على دراسة وجدوا فيها أن التلفاز له أثار سلبية رهيبة على الأطفال كالتالي:
- سرعة المشاهد؛ تؤثر سلبًا على الأطفال في التفاعل مع الواقع، لأنه يجد الواقع مملًا. لكم أن تتخيلوا طفل يشاهد برنامج رسوم متحركة عن حديقة حيوانات وفيها الحيوانات تتكلم وتتحرك بسرعة، وعندما يأتي لزيارتها في الواقع؛ يخيب ظنه ويجدها بطيئة مملة! وليس كما كان يتوقع! فيجعله أكثر تعلقًا بالعالم الافتراضي الذي أحب شكله وسرعة مشاهده!
- عدم قضاء وقت في أنشطة تساعد على تنمية مهارته الذهنية والاجتماعية، فالتلفاز يأخذ من وقت القراءة والألعاب اليدوية والأنشطة التي يمارسها في أماكن مفتوحة مثل النوادي والتفاعل مع الأطفال الآخرين.
- العنف؛ لكثرة مشاهد العنف التي تعرض في برامج الأطفال.
- السمنة.
- التأثير السلبي في الدراسة وقوة التركيز والانتباه.
ونزيد هنا مشكلة كبيرة نقع فيها؛ وهي مدى صحة المواد التي تعرض على الطفل! وتشكل وعيه وعقيدته!
فنجد أن برامج الأطفال الآن تعرض أشياء غريبة عنا، وهي للأسف أصبحت بديل تربوي عن الأمهات والآباء المنشغلين دائمًا عن أطفالهم:
- فنجد برامج للأطفال تقلل من احترام الآباء والأمهات، بداعي المرح.
- نجد تعزيز لفكرة الاختلاط وعدم وجود أي ضوابط في التعامل بين الجنسين.
- نجد برامج آخرى تجعل من الساحر، البطل الطيب، القدوة، بعكس ما ندين به في الإسلام.
- نجد أيضًا من يجعل القراصنة أبطال، يحاربون من أجل قضية.
- نجد برامج تعزز فكرة عالم الجن، وأن التواصل يكون من خلال بوابات تؤدي إلى عالمهم، وهم يمتلكون القوى الخارقة لإنقاذ البشر وتحقيق ما يريدون.
- نجد برامج للأطفال تتحدث عن تسخير قوى الطبيعة، وأن الإنسان يستطيع أن يتحكم في الهواء، والماء، والنار، والطقس وغيرها من عناصر.
- نجد برامج أيضًا تعزز فكرة البطل المنقذ المخلص.
- وآخرى تجعل من الشيطان، كائن شكله لطيف يستطيع الإنسان أن يجعله شخصًا صالحًا!
- برامج آخرى وخاصة الآسيوية -بجانب كثرة العنف فيها-، تمتلئ بالكثير من التجديف وإحياء الموتى وقوى خارقة.
- وهناك آخرى تعتبر غزو رافضي شيعي.
كل تلك الأشياء التي لا يستقيم معها ديننا قيمًا وسلوكًا، والأهم معتقدًا! ونترك أطفالنا يتشكل وعيهم أمامها لمدة ساعات! بالطبع هذا لا ينفي وجود بعض البرامج التعليمية المفيدة للأطفال، ولكنها قليلة ولا ينجذب لها الطفل إلا إذا وُجه لها.
وما البديل؟!
أختنا؛ لا تجعلي راحة اليوم، تكن لها نتائج سلبية دائمة على طفلك، ولا تنسي قول النبي صلى الله عليه وسلم « » (صحيح مسلم).
فقبل أن يشاهد أولادك أي شيء، تأكدي مما يشاهدونه، وكوني بجانبهم في حالة وجدتِ شيء خطأ تصوبيه، وحاولي أن تجعلي المشاهدة في أوقات محددة لا تتجاوز الساعتين في برامج مفيدة.
اجعلي دائمًا الاحتياج إلى التلفاز قليل، عن طريق ملء وقت الطفل بألعاب وأنشطة، تنمي مهارته الذهنية والحركية والاجتماعية، كأنشطة المسجد والرياضة والقراءة وتعلم القرآن.
واستبدلي القصص الخرافية والأبطال الخارقين، بقصص السيرة والصحابة، وقصص من تاريخنا المشرق. ليخرج لنا جيل قدوته محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته، ونماذج تاريخنا العظيم. وهناك بعض المحاولات في برامج رسوم كارتون إسلامية، من الممكن أن تسد بعض من الثغر.
هذا الأمر يعتبر جهد إضافي، ولكنه ضرورة! ضرورة إن أردنا أن نغير من واقعنا الذي نحياه، وأن نساهم في جيل جديد تربى من اللحظة الأولى على العقيدة وقيم الدين. فاحتسبي ذلك الأجر واجتهدي فيه.
وكلمة للآباء، لا تنسى أيضًا أنك تدخل تحت مظلة الحديث السابق « » (صحيح مسلم)، فلا تترك الأم وحدها في هذا الأمر. كن عونًا لها في تربية جيل التمكين!
توصية أخيرة
يعتبر هذا المجال، الإنتاج الموجه للطفل المسلم، من الثغور التي تحتاج إلى من يدعهما ويبذل فيها.. من إنتاج مقروء أو مرئي أوأفكار جديدة للأنشطة التربوية، تجذب الأطفال ويكن لها دور رئيس في تربيتهم.
وهذا الثغر لن يسد إلا لو انتبه إليه المربون والمهتمون بمجال الطفل، والموضوع من الممكن أن يبدء كبذرة في أنشطة المسجد، أو في موقع يقدم مواد هادفة للأطفال، أو كتاب يجذب الطفل يتعلم من خلاله شيء جديد ويكتشف عوالم جديدة.
فإلى كل من هو على هذا الثغر، نحتاج الإبداع وأيضًا المثابرة للوصول إلى نتائج فيه، فلا يوجد ما هو أكثر قيمة في استثمار أوقاتنا ومجهودنا في جيل الغد.. ولنا في أطفال حجارة الأمس عبرة.. فهم من أصبحوا مجهادوا اليوم، وصانعوا ومهندسوا صواريخ اليوم.
سارة خليفة
طبيبة مصرية، تخرجت في كلية الطب جامعة القاهرة، وتعمل في أسرة التحرير بموقع طريق الإسلام.
- التصنيف:
- المصدر: