تدبر - [288] سورة القصص (8)

منذ 2014-08-03

وللطغاة وسائل ثابتة من خلالها يسيطرون على شعوبهم ويُرسِّخون عُلوَّهم وإن فرعون كنمط واضح نموذجي للشخصية المستبدة الطاغية يُعد مثالًا واضحًا لاستعمال تلك الوسائل..

سورة القصص في آية منها تُبيِّن جوانب مهمة من مناهج الطغاة في السيطرة على شعوبهم وتثبيت عروش علوهم في الأرض..

وذلك من خلال عرض لمنهج فرعون في ذلك..

وهو منهج قائم على:

1- التفريق وبث الانقسام.

2- استضعاف طائفة منهم وليس كلهم.

3- القتل والإذلال.

4- الإفساد في الأرض.

{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:4]..

ففرعون لم يكن ليعلو في الأرض من دون تلك الخطوات التي تبدأ بقاعدة فرق تسد..

{وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا}..

أحزابًا متناحرة وفِرقًا منقسمة يبغض بعضها بعضًا وينشغل بعضها ببعض..

ومن خلال التفرُّق والتشرذُّم والتنازع الذي هو أو طريق الفشل - يخلو الجو للطاغية ويضمن استمرار كونه الأقوى بين تلك الشيع المتحاربة التي يضعف بعضها بعضًا..

لذلك فهو حريص على استمرار الانقسام وترسيخ الكراهية المتبادلة بين أبناء الشعب والتي تجعل أولويات العداوة والبغضاء بينهم وبين بعضهم وليس بينهم وبين من يذلهم ويبطش بهم جميعًا..
وهو يحرص على استضعاف بعض الطوائف التي تُشكِّل خطورة على استبداده وترفض طغيانه أو حتى يمكنها أن ترفضه مستقبلًا..

لكنه لا يستضعف الجميع بل البعض وليس الكل..

{يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُم}..

وفي ذلك فوائد حيث يزيد ذلك التفريق في المعاملة من ترسيخ كراهية المستضعفين المظلومين للآخرين الذين لم يستضعفوا، وأيضًا يزيد من حرص الذين لم يستضعفوا على مزيد من التملُّق والنفاق أو الانبطاح والسكوت عن ظلم الطاغية حتى لا تزول عنهم امتيازاتهم ويضمهم الطاغية إلى قوافل المستضعفين..

والاستضعاف له أشكالٌ مختلفة ويحرص المٌستبِدّ على ترسيخ قاعدة من الخوف لا سقف لها فـ{يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ}..

إنه بذلك يرسل رسالة ضمنية أنه قادر على الأسوأ وأنه حتى الأطفال والنساء لم ينجوا من قبضته الباطشة وتنكيله البغيض فما بالك بغيرهم..

ثم يأتي الإفساد في الأرض ومن أهم أهدافه الإلهاء وبث روح الغفلة بين الشعوب؛ لكن تنسى ما تلاقيه من الآلام والظلم عن طريق الإغراق في الشهوات والملذات وتيسير الملهيات والمفسدات - التي تُنشىء جيلًا ضعيفًا غافلًا لا يُعنى إلا بشهواته ولا يعرف شيئًا عن قضايا أُمّته..

لكن كل ذلك يطيش بكلمة واحدة..

ونريد..

إرادة الله فوق إرادة المُستبِدّ وكل مُستبِدّ..

{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ}..

وهذه المنة لها خطوات أيضًا أولها الإمامة..

{وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً}..

أن يوجد في الأمة الأئمة والقادة والقادرين على رفض الظلم والإصلاح في الأرض..

من هنا تأتي الوراثة..

{وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}..

ثم التمكين وإهلاك الظالمين..

{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:6]..

لكن كل ذلك يبدأ بإرادة المن وهي مرتبطة بوجود الاستحقاق..

أما عن الوسيلة فلا تدري..

لعلها بأهون الأسباب..

ربما بمشهد رضيع لا حول له ولا قوة..

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص من الآية:7]..

وفي هذا المشهد تكون البداية..

بداية المنَّ.. والفتح.
 

المقال السابق
[287] سورة القصص (7)
المقال التالي
[289] سورة القصص (9)