تدبر - [298] سورة الروم (2)

منذ 2014-08-04

{فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ} [الروم من الآية:50]..

فَانظُرْ إِلَى آثَارِها من حولك..

انظر إلى آثارها في الكون..

انظر إلى آثارها في خلقك..

وانظر إلى آثار الرحمة في دين الرحمة الذي ارتضاه لك..

انظر إلى آثارها في كل ما يُحيط بك..

مليارات الأمهات والآباء من كل المخلوقات يرحمون..

ملايين الأطباء الشفوقين..

آلاف الراحمين والمنفقين والساعين على الأرامل والمساكين..

كل أولئك يذكرونك الرحمة..

كل أولئك من آثار الرحمة..

وتلك الآثار الهائلة للرحمة هي جزء واحد من مائة جزء..

رحمة واحدة هي تلك التي نشهد كل آثارها وبها يتراحم الخلائق..

أي مظهر رحمة ينبغي أن يذكرك برحمته فكل هذا جزء يسير من تلك الرحمة الإلهية..

وكما أنه ليس كمثله شيء فإن رحمته ليس كمثلها شيء ولا نستطيع أن نتخيلها أو نحيط بها عِلمًا..

ما نملكه فقط هو أن ننظر إلى آثارها ونشعر بجمالها..

{كَيْفَ يُحْيِيَ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِيَ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} [الروم من الآية:50]..

ولقد وجه الله الأنظار في هذه الآية إلى التأمَّل في مشهد كوني بديع ربما يمرّ أمام أعيننا كثيرًا دون أن نلقي له بالًا، أو نأبه به ذلك لأن إلف العادة وقلة التدبر قد يجعله مشهدًا تقليديًا في نظر البعض وينزع عنه ذلك الإبهار المفترض لمن شاهده لأول مرة..

لمن شاهد أرضًا جرداء متشققة قاسية تلقى إليها حبة بيضاء وتسقى بسائل لا طعم له ولا لون فتهتز وتربو وينبت منها زرع مختلف ألوانه بديع منظره طيب أكله..

لولا ذلك الإلف والتعود لفغرت الأفواه ولاتسعت الأعين ولخفقت القلوب إجلالًا وتعظيمًا وانبهارًا بهذا المشهد..

بل وبكل مشهد يحمل في طياته شيئًا من آثار رحمة الله التي تحول القسوة إلى لين والشدة إلى يُسر والجفاء إلى خير وبر..

لو أردت أن أضرب لذلك مثالًا تقريبيًا لضربت مثلًا بسهم المعادلات الكيميائية التي يدرسها الطلبة..

ذلك السهم الذي يوضع فوقه رمز المُعامل أو المحفز الذي يجعل ما على يمين السهم يتحوّل إلى صورةٍ مختلفة في الجهة الأخرى منه..

وكذلك الرحمة..

لو وضعت فوق سهم التفاعل مع أي شيء في هذه الحياة القاسية الجافة لوجدنا على الجهة الأخرى شيئًا آخر مختلفًا تمامًا..

لوجدنا آثار تلك الرحمة..

ضع معاصٍ وخطايا.. وقسوة قلب وآثامًا وغلظة طبع.. وحدة خصال ثم اجعل على سهم التفاعل رحمة الله ينتج لك على جانب المعادلة الآخر توبة ومغفرة وتغيير للأفضل ودمع من خشية الله وحُسن خلق ولين جانب..

ضع عذابًا ومرضًا وبلاءً وبُعدًا وضيقًا وكربًا ثم اجعل على سهم التفاعل رحمة الله يأتيك على الجانب الآخر فرج وشفاء ويسر وخير وبركة..

تأتيك آثار الرحمة..

إن أي مظهر من مظاهر وآثار بديع صنع الله ينبغي أن يوقظ في القلوب تلك المشاعر مشاعر الإحساس بالرحمة والفرح بها، وشوق القلب لآثارها لتسبح الروح حينئذ في برزخ المحبة وتميل النفس طربًا برياح الشوق إلى الرحيم جل وعلا..
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
المقال السابق
[297] سورة الروم (1)
المقال التالي
[299] سورة الروم (3)