تدبر - [315] سورة الأحزاب (1)
تسارعت الأفكار لرءوس مظلمة، حملتها أعناق المتربصين، ولسان حالهم الذي لم يلبث إلا أن صار لسان مقالهم حين خلوا إلى شياطينهم يوم الأحزاب: {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا}.. هذا هو الفارق الجوهري، بين من هم بموعود ربهم مؤمنون، وبين هؤلاء الضالين المكذبين..
تسارعت الأفكار لرءوس مظلمة، حملتها أعناق المتربصين، ولسان حالهم الذي لم يلبث إلا أن صار لسان مقالهم حين خلوا إلى شياطينهم يوم الأحزاب: {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا} [الأحزاب من الآية:12]..
هذا هو الفارق الجوهري، بين من هم بموعود ربهم مؤمنون، وبين هؤلاء الضالين المكذبين..
أما الأولون فلا يضيرهم رهق الخوف، ولا تنال منهم شدة الجوع، ولا يؤذيهم نقصان أمنهم؛ فإن جنانهم، وبساتينهم في صدورهم، في ظلال يقينها يرفلون، ومن ثمار صدقها يقطفون، وأما الآخرون فأسرى لخوفهم، يَصلون لهيب جبنهم وخورهم، ويتقلَّبون في جحيم حقدهم وشكهم، فأنَّى لقلوبهم أن تدرك الفسحة والحبور، وتنال من فيض السرور؟!
إنه الفارق بين من شعاره حين يرى جحافل الكفر قد احتشدت، وأحزابه قد تمالأت: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب من الآية:12]..
وبين من لا ينقطع عن التشكيك ناعِقًا: {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا}..
هذا الزلزال الشديد، الذي تعرَّضت له المدينة في هذه الغزوة، كان كافيًا لتتكشف الفوارق، ويُحدِث التمايز، كان كفيلًا ليظهر من يعبد الله بثباتٍ ويصدُق موعوده بيقينٍ وبين من يعبده على حرف، وما إن يأتي البلاء حتى ينكص على عقبيه، ويظن بالله الظنونا، فما إن جاءت الأحزاب، واصطفت قريش وغطفان وفزارة وأشجع ومُرّة بجنودهم، حتى دارت أعين في محاجرها، كالذي يغشى عليه من الموت، إنها أعين المنافقين أولئك الجبناء، الذين لا ينكئون عدوًا، ولا يصلون صفًا، ولا يسدون ثغرًا..
قومٌ لا تجد منهم إلا التخذيل، ولا ينالك من ألسنتهم الحداد إلا التخويف، والتبطيء، {وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِيلًا} [الأحزاب من الآية:18]..
شتان الفارق بينهم وبين من شعاره: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب من الآية:22]..
وكأنهم يردُّون على المنافقين قائلين: هذا الذي ترونه تهاويًا لأمتنا، وتداعيًا لدولتنا، نراه نحن بداية لمجدها، وفاتحة لعِزِّها، وتحقيقًا لموعود نبيها..
نرى في ذلك الزلزال الشديد، والبأس الرهيب، نصرًا من الله، وفتحًا عن قريب..
نرى بعين قلوبنا مدائن كسرى وقصره الأبيض، وأبواب صنعاء، وقصور الشام الحمراء..
نراها بقلوبنا، تصديقًا لوعد نبينًا صلى الله عليه وسلم..
وإن كان أحدنا لا يأمن الآن أن يخرج في تلك العاصفة، ولو لقضاء الحاجة، خشية سهم عدو، أو حربة محارب، أو حتى تخطف ريح هادرة، إلا أن كل ذلك لا يؤثر ولو للحظة علي يقيننا..
فقد وعد نبينا، وهو لا ينطق عن الهوى، إنما يبلغ عن مولاه الذي ما ودّعه وما قلاه، فهو وعد من الله، ولا يُخلِف الله وعده..
وعد لم تُصدِّقوا يومًا أنه سيأتي..
وعد تمكين، جاد أقوام بأنفسهم، وسالت دماؤهم، وقضوا نحبهم، مُصدِّقين بأنه آتٍ لا محالة، وإن لم يروه أو يدركوه، وبقي آخرون ينتظرون أن يلحقوا بهم أو ينصروا..
عهد رجال صدقوا..
وصدّقوا..
وما بدّلوا تبديلًا..
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:24].
- التصنيف: