تدبر - [316] سورة الأحزاب (2)

منذ 2014-08-05

{يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا}..! يثرب؟! ألم يندثر هذا الاسم ويزل ذكره عن الألسنة؟ ألم يُنسَ هذا الاسم؛ وقد أبدلهم الله خيرًا منه، لما جاءهم الحبيب، فأنار من مدينتهم كل شيء، وصارت يثرب هي مدينة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه؟! ومن حينها صار اسمها المدينة النبوية وطيبة وطابة وطائب، وغير ذلك من الأسماء الحسنة التي امتن الله بها على مدينتهم..

{يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب من الآية:13]..

يثرب؟!

وما يثرب؟!

عجيبٌ قولهم يثرب!

ذلك الاسم الذي له وقع غريب على الأذن، وصدى عتيق في القلب، يُذكِّر بأيام الشرك والظلام.. يثرب!

ألم يندثر هذا الاسم ويزل ذكره عن الألسنة؟

ألم يُنسَ هذا الاسم؛ وقد أبدلهم الله خيرًا منه، لما جاءهم الحبيب، فأنار من مدينتهم كل شيء، وصارت يثرب هي مدينة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه؟!

ومن حينها صار اسمها المدينة النبوية وطيبة وطابة وطائب، وغير ذلك من الأسماء الحسنة التي امتن الله بها على مدينتهم..

فلماذا العودة إلى مثل هذا الاسم، الذي ارتبط في أذهان الجميع بعهود الشرك والضلال؟!

إنه ترسيخ لمعنى الهزيمة ورجوع الأمور إلى ما كانت عليه بإعادة بعث للاسم والمصطلح القديم ومدلولاته ذات المغزى المعلوم..

إنه تلميح إلى أن الأمر قد انتهى وأن الوضع القائم قد تغيَّر وعاد لِما كان عليه من قبل..!

لقد ظنوا أن تكالب الأحزاب واستئسادهم ورمى العرب للمؤمنين عن قوس واحدة، سيجعل الزمن يعود إلى الوراء، فينصرم الأمر، وينتهي الخير، وينفض الخلق..

لقد سوّلت لهم أنفسهم أن يتخيلوا أن فتح الله للمدينة وإكرامها بنور الوحي، الذي أضاء جنباتها وقلوب أهلها، كان حِلمًا جميلًا، سيستيقظ منه المؤمنون على أصواتهم القبيحة، وهي تؤذي أسماعهم بتلك الكلمات المثبطة؟

توقَّعوا أن إرجافهم وتشكيكهم سيفُت في عضد المؤمنين، أو يزعزع ثقتهم، أو يُقوِّض عزائمهم؟

فهل استجاب المؤمنون؟

الجواب: لا..

لقد ظل الأمل في نفوسهم ولم تغتادرهم الثقة بوعد الله واليقين فيه وما زادتهم رؤية الأحزاب وتمالؤها إلا إيمانًا وتسليمًا و{قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب من الآية:22]..

ومن هنا ثبتوا..

ثم انتصروا..

لما لم يفقدوا الأمل وتنهزم نفوسهم ولم يقولوا بلسان الحال أو المقال: يثرب..

لم يرضخوا لفكرة أن الأمر انتهى والواقع قد فرض..

بل هو ما وعدهم الله ورسوله وإن أرجف المرجفون وبدَّل المُبدِّلون والمُغيِّرون..

ومن هنا يأتي النصر..

وبضده يأتي الانكسار وتتحقق الهزيمة..

فما الانكسار إلا انكسار الإرادة..

وما الهزيمة إلا هزيمة النفس..

وما الوهن إلا ضعف قلب امتلأ بحب الدنيا والتعلُّق بها والفزع من كل صيحة يحسبها المرجف عليه..

وكل ذلك لا يتسرَّب إلا تحت ستار من دخان التحريف والتدليس والتلبيس يتقنه ويحترفه شياطِين إنْس وجِنِّ {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}[1].. فاحذرهم وانتبه..!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- [الأنعام من الآية:112].
 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
المقال السابق
[315] سورة الأحزاب (1)
المقال التالي
[317] سورة الأحزاب (3)