غزة والعربدة الصهيونية من جديد

منذ 2014-08-05

لا يحتاج الصهاينة أوقات وفرص مناسبة أو ضوء أخضر، حتى يرتكبوا مزيدًا من المجازر والجرائم، ويَصُبُّوا جام حقدهم وهمجيتهم وعنجهيتهم، على أهلنا في غزة، فاليهود قتلة الأنبياء ناكثي العهود أهل مكر وكذب وخديعة، أفَيَرقبون بنا إلا أو ذِمّة أو حتى إنسانية؟!

لا يحتاج الصهاينة أوقات وفرص مناسبة أو ضوء أخضر، حتى يرتكبوا مزيدًا من المجازر والجرائم، ويَصُبُّوا جام حقدهم وهمجيتهم وعنجهيتهم، على أهلنا في غزة، فاليهود قتلة الأنبياء ناكثي العهود أهل مكر وكذب وخديعة، أفَيَرقبون بنا إلا أو ذِمّة أو حتى إنسانية؟!

مع ذلك هم يقتنصون بعض المناسبات، لتمرير صفقة سياسية أو إستراتيجية لهم "كالانتخابات وتوسيع المغتصبات وتهويد القدس" أو تغطية على أحداثٍ مهمة في المنطقة تصبُّ في مصلحتهم، وفي الوقت نفسه يدرسون من خلال مراكز متخصِّصة، ردود أفعال العرب والمسلمين، بعد التغيرات الكبيرة خلال العامين المنصرمين، ليبنوا عليها مكرهم وسياستهم القادمة.

أحيانًا قد تستغرقنا المعادلات السياسية، فنغوص بالتحليلات من زوايا ضيقة، ونغفل عن السنن الكونية والثوابت القرآنية والقواعد الشرعية والحقائق التاريخية، التي لا بُدَّ من استحضارها في كل وقت وحين كقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:42]، وقوله عز وجل: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:46]، وقوله سبحانه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج من الآية:40-41].

"وجَّه أنوشروان الملك الفارسي رسولًا إلى ملك قد أجمع على محاربته، وأمره أن يتعرَّف سيرته في نفسه ورعيَّته، فرجع إليه، فقال: وجدتُ عنده الهزل أقوى من الجد، والكذب أكثر من الصدق، والجور أرفع من العدل. فقال أنوشروان: رزقت الظفر به، سِرْ إليه وليكن عملك في محاربته بما هو عنده أضعف وأقل وأوضع، فإنك منصور وهو مخذول. فسار إليه فقتله واستولى على مملكته" (سراج الملوك، ص: [188]).

"وسأل ملك الهند الإسكندر وقد دخل بلاده: ما علامة الملك ودولته؟ قال له: الجد في كل الأمور. قال: فما علامة زواله؟ قال: الهزل فيه" (سراج الملوك، ص: [188]).

فهل الأمة الآن جادة بدعم أهلنا في غزة دعم حقيقي وفعلي من الحكومات والمؤسسات والأفراد؟!

أم أنهم منشغلون بمتابعة المباريات وأخبار الفنانين والفنانات، ولا تفوتهم مشاهدة القنوات بما فيها من أغاني ومسلسلات، إن سَلِموا من مواقع التواصل وضياع الأوقات والملهيات!

وهل هنالك بوادر لمبادرات ولو من دولة أو دولتين، على مستوى طرد سفراء الكيان الصهيوني من دولنا العربية والإسلامية، -وهذا أضعف الإيمان- وإن شئت فقل إغلاق المجالات الجوية أمام طائرات الشحن والنقل الصهيوني، وقطع التعاملات والعلاقات الاقتصادية والعسكرية معهم؟! وإيقاف تزويدهم بالغاز، واستخدام سلاح النفط وغيره، كل هذه تساؤلات يفترض أن تدور في خلجات كل مسلم وعربي فمن يجيب بالأفعال لا بالأقوال! والأولى إيقاف معاهدات "الاستسلام" التي باتت تعرف بمعاهدة " السلام"!

ومن يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرحٍ بميِّتٍ إيلام

والله وبالله وتالله لو علم أحفاد القردة والخنازير؛ أن ردود أفعال حقيقية شجاعة صارمة، بعيدة عن مجرد التصريحات والبيانات والجعجعات الإعلامية والمواقف المتواضعة؛ لما أطلقوا صاروخًا واحدًا على أهلنا في غزة! وما يزيدهم إصرارًا على عدوانهم المستمر، الاكتفاء بالأقوال دون الأفعال، فمتى يكون الرد والجواب: "ما ترى لا ما تسمع"؟!

الأمة الإسلامية بل كل فرد منها، بحاجة ماسة لإعادة النظر في علاقتهم مع ربهم وعقيدتهم ومبادئهم بعيدًا عن الدعاوى والمزايدات، وكذلك سياساتهم الداخلية والخارجية، حُكامًا ومحكومين رؤساء ومرؤوسين، مع ضرورة استلهام الدروس والعِبر من تاريخ أجدادنا وماضينا التليد، وامتثال قول ربنا ابتداءً {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، ثم توحيد الصفوف ورصِّها على أسس متينة، وامتثال قول ربنا عز وجل {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]، ولا بُدَّ من التوقف طويلًا والتأمُّل لأسباب وطرق ومقومات نهوض الحضارات وتمكين الأُمم وعزتها ورفعتها، بعد انكسارها وضعفها وهوانها، فصحة الانتهاء من صحة الابتداء.

لا تزال ردود الأفعال والمواقف العربية والإسلامية، مخزية وضعيفة بخصوص الأحداث المتسارعة في غزة، ولا تتناسب مع التغيرات الحاصلة في المنطقة، فالعدو الصهيوني لا يفهم لغة الشجب والاستنكار والتصريحات والفرقعات الإعلامية فقد اعتاد ذلك، فلا بُدَّ من إعادة النظر في المواقف بما يتناسب وحجم الكارثة والجريمة الواقعة ومتطلبات المرحلة.

كم نحن بحاجةٍ في أيامنا هذه لأمثال هارون الرشيد رحمه الله عندما كتب إلى نقفور ملك الروم؛ وأمثال نور الدين زنكي رحمه الله الذي هيأ ورتب وجهز مجتمعًا إسلاميًا طيلة سنوات، ليختصر الطريق على صلاح الدين في تحرير بيت المقدس، ولن ننسى شيخ الإسلام ابن تيمية العالم العامل المجاهد، عندما قال لقازان سلطان التتار في مجلسه: "أنت عاهدت فغدرت وقلت فما وفيت" ورفض أن يأكل من طعامه، حتى وصفه الذهبي في السير قائلًا: وأما شجاعته فبها تَُضرب الأمثال، وببعضها يتشبه أكابر الأبطال".

وقد كان من صفات نور الدين رحمه الله "حُسن الخط كثير المطالعة للكتب الدينية، متبعًا للآثار النبوية، محافظًا على الصلوات في الجماعات، كثير التلاوة مُحبًا لفعل الخيرات، عفيف البطن والفرج مقتصدًا في الإنفاق على نفسه وعياله في المطعم والملبس، حتى قيل: إنه كان أدنى الفقراء في زمانه أعلا نفقة منه من غير اكتناز ولا استئثار بالدنيا، ولم يسمع منه كلمة فحش قط، في غضب ولا رضى، صموتًا وقورًا. قال ابن الأثير: لم يكن بعد عمر بن عبد العزيز مثل الملك نور الدين، ولا أكثر تحريًا للعدل والإنصاف منه" (البداية والنهاية: [278/12]).

ذكر أبو شامة المقدسي في كتاب الروضتين في أخبار الدولتين: "أنه جاء إلى نور الدين ذات يوم جماعة من العلماء فقالوا: جئنا نروي عنك بسندٍ متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا مسلسلًا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبتسم، فتبسم نروه عنك. فالتفت إليهم نور الدين والهمُّ يعصر فؤاده وهو يقول: كيف ابتسم والمسجد الأقصى راسف في قيود الذل والهوان، تحت سنابك خيل الأعداء؟".

العدو الصهيوني الغاصب لأرضنا هذا حاله وديدنه وجرائمه التي اعتاد عليها ولا غرابة في ذلك، لكن الطامة الكبرى والمشكلة الحقيقية مُتعلِّقة بنا نحن بنو الإسلام والعرب، ابتداءً من عدم استشعار جميع المسلمين أن قضية فلسطين قضية أُمّة بأكملها بغض النظر عن ألوانهم وأجناسهم وقومياتهم، مرورًا بالتخبط في المواقف وعدم وجود رؤيا موحّدة بخطوات جدية على المديات المتوسطة والبعيدة، وانتهاء بأفعال حقيقية تعكس مدى خطورة الموقف وضرورة تدارك المحنة بجدية وبعد نظر.

اللهم احفظ إخواننا في غزة من كل سوءٍ أو مكروه..

اللهم سدَّد رميهم وثبِّت قلوبهم وانصرهم على عدوك وعدوهم..

اللهم اقذف الرعب في قلوب الصهاينة الحاقدين واجعل تدبيرهم تدميرهم..

اللهم نكِّس رايتهم ودمِّر أسلحتهم وزلزل الأرض من تحت أقدامهم.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أيمن الشعبان

داعية إسلامي، ومدير جمعية بيت المقدس، وخطيب واعظ في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين.