معادلة التغيير
يجب أن يكون عندك الرغبة الشديدة التي تدفعك للتغيير، وهذه الرغبة تتولد بأشياء كثيرة جدًّا وكل شخص وما يناسبه، ومنها: رسائل الله لك بموت صديق، أو سماع موعظة، أو رؤية من يُعاقَب بسبب الذنوب.
وقواعد هذه المعادلة لعلاج مشاكل بداية الالتزام تتلخص في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يغَيِّر مَا بِقَومٍ حَتَّىٰ يغَيِّروا مَا بِأَنفسِهِم} [الرعد:11]
وهذه المعادلة هى الأساس الذي سيتم به التغيير:
رغبة + معرفة + ممارسة + استمرار = تغيير
ولكن تذكَّر أنه يجب أن تتحرك، إنما عليك البداية وعليه التمام..
1- رغبة:
في البداية يجب أن يكون عندك الرغبة الشديدة التي تدفعك للتغيير، وهذه الرغبة تتولد بأشياء كثيرة جدًّا وكل شخص وما يناسبه، ومنها: رسائل الله لك بموت صديق، أو سماع موعظة، أو رؤية من يُعاقَب بسبب الذنوب.
الدعاء؛ كان النبى يدعو صباحًا مساءًا بهذا الدعاء «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر» (رواه مسلم)، لأن هذان هما سبب تثبيطك، فالعجز أن تريد ولكن لا تستطيع أن تُنفذ، والكسل أن لا تكون لديك الرغبة من الأساس، ونحن بحاجة للرغبة والقدرة معًا.
الذكر؛ فالرغبة تنبُع من القلب، وهذا القلب يجب أن يتكلم، ولن ينطق أو يتكلم وهو غافل لاهٍ... وأنت بحاجة للذكر لكي تفيق من الغفلة، وتكون عندك رغبة حقيقية.
الأحوال التي توّلد عندك الرغبة: كزيارة القبور، وزيارة المستشفيات.
2- معرفة:
والمعرفة تقوم بخطوتين:
1- حدد هدفك بوضوح، واكتب هذا الهدف واجعله نُصب عينيك، ويجب أن تقارن ما بين النتائج الإيجابية والسلبية، فتتولد عندك الرغبة وفي نفس الوقت القناعة العقلية...
مثلًا: تضيع منك صلاة الفجر، إذًا:
الهدف: المحافظة صلاة الفجر.
الإيجابيات: «من صلى الفجر فهو في ذمة الله» (صحيح الجامع رقم 6344)، فيجب أن تأخذ هذه الخطوة حتى يحفظك الله سبحانه وتعالى من الفتن خاصةً في زماننا هذا.
السلبيات: «قال ليس صلاة أثقل على المنافق من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا» (متفق عليه)، فمن تركهما كان على خِصلة من خصال المنافقين... هل تحب الدرك الأسفل من النار؟! لا؟! إذًا يجب أن تتغيّر.
2- وضع خطة العمل، ابحث عن المحفزات التي من الممكن أن تُشجعك للقيام بالعمل، وضع خطوات عملية وابدأ فيها... فإذا لم تأخذ القرار وتبدأ في تنفيذه، فأنت ليس لديك الرغبة للتغيير بعد!
تعالوا لنضع خطة للمحافظة على صلاة الفجر أو صلاة الجماعة...
المحفزات: قراءة الأحاديث أو سماع المحاضرات عن فضل صلاة الفجر والجماعة والتبكير للصلاة وأجر من يحافظ على تكبيرة الإحرام، بعد ذلك نبدأ الخطوات العملية: ضبط المنبة على أوقات الصلوات، وتبدأ تبحث عن أحد رفقاء الخير لكي يأخذ بيدك وتتعاونوا معًا.
3- ممارسة (التطبيق)
وهذه هي أهم مرحلة؛ يجب أن تتحرك، إنما عليك البداية و عليه التمام... قمّ لله، خذّ الخطوة، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: «ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» (رواه مسلم).
لو أن عندك كوب شاي مُر المذاق ووضعت فيه قالب سكر ولم تقلبه، وجلست بجانبه تدعو الله أن يجعل طعمه حلوًا... فهل سيتغير طعمه دون أن تُقلب السكر؟! هكذا هو حالنا، نريد أن ينصلح كل شيء دون أن نأخذ خطوة واحدة... فلا بد أن تأخذ الخطوة وتتدرب المرة تلو المرة، ولا تيأس إذا ما واجهتك المشاكل في بداية الطريق، قال: «إن الله لا يمل حتى تملوا» (صحيح الجامع رقم 2747).
وهنا... نحن بحاجة إلى أن نُربي أنفسنا كما ربّى النبي الصحابة؛ فقد كانوا يعيشون في الجاهليات وعبادة الأصنام وفعل الموبقات، وصاروا بعدها أعفّ الناس وأحسن الناس أخلاقًا!
إذًا كيف رباهم النبي؟
أولاً: عزّلهم عزلة شعورية، فقد كانوا يجتمعون في دار الأرقم بن أبي الأرقم لكي يقرأ عليهم النبي القرآن كما أُنزل عليه ويُربيهم ويُزكيهم.
وأنت أيضًا لابد لك من وقت تخلو فيه مع الله ولو نصف ساعة، تدعو الله فيها وتُناجيه وتُفضي إليه بما في صدرك.
ثانيًا: العقيدة، وخاصةً أسمائه وصفاته.
تعرف على ربك بالجود والكرم والإنعام والفضل والحكمة، وتعرّف على نفسك بالخسران والتفريط والتقصير والعيوب.
ثالثًا: القرآن؛ لتزكية نفسك وليُطهِّر ويُطيِّب قلبك.
4- الاستمرارية:
هنا المشكلة... ما هي قواطع الاستمرار؟!
الأمر الأول: القناعات السلبية؛ أنت تعتقد أنك لا يمكن أن تتغير نتيجة التجارب التي فشلت فيها من قبل، فتشعر بالإحباط واليأس.
عندما تشعر بهذا المعنى بداخلك ادفعه بحسن الظن بالله {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]، فحُسن الظن هو الوقود الذي سيحركك دائمًا.
الأمر الثانى: الإسقاطات الخارجية؛ فأنت دائمًا تتحجج أنك لن تستطيع الاستمرار بسبب الأهل والمجتمع ونظرة الناس، وعندما تستحضر ذكريات الماضى تقطع عليك الطريق بينك وبين الله سبحانه وتعالى.
انظر إلى مقولة شيخ الإسلام المشهورة، وكيف أنه كان ينظر نظرة إيجابية للمشاكل التي تقابله في حياته... فقد قال: "ما يصنع أعدائي بي؛ أنا جنتي وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة" فهو مؤمن بالقدر وقدر الله لا يأتى إلا بخير.
وكيف سأستمر؟!
لا بد أن يكون لديك صُحبة طيبة، ومُحفِّز مُستمر كدرس العلم الذي تحضره، وأيضًا لا بد أن لديك مُحفز يومي: مثل: الاستماع لمحاضرة، وِرد قرآن يُنبهك ويُفيقك، وِرد ذكر، عمل برّ تنتظم فيه؛ كأن تكون مثلًا عضو في فريق عمل في جمعية خيرية، أو في مجموعة على النت، أو في موقع من المواقع الطيبة.. بحيث تلتزم فيها حتى تستطيع أن تتغير.
أرأيتم كيف تتحقق معادلة التغيير؟
واعلم إنك لن تتغير الا إذا كنت صادقًا، مخلصًا لله سبحانه وتعالى... وتذكر أن نماذج كثيرة جدًّا كانت اسوأ منك بمراحل، وتغيرت تغُيرًا عجيبًا فى أوقات ما أقلها وأيسرها، فاستعن بالله ولا تعجز.
هاني حلمي عبد الحميد
حاصل على ليسانس دار العلوم وحضر الماجستير في فقه وأصول أحد الفقهاء السبعة.
- التصنيف: